story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
تكنولوجيا |

كرة القدم والسياسة.. أحزاب إيطالية تتورط في التلاعب بنتائج المباريات

ص ص

إيطاليا بلد التاريخ العريق والجمال الأسطوري، والمدرسة الكروية التي ألهمت العالم بصولات منتخبها وأنديتها القوية، اهتزت على وقع فضيحة مدوية سنة 1980، عندما كشفت التحقيقات الأمنية والقضائية عن وجود عدد كبير من عمليات التلاعب بنتائج مباريات دوري الدرجة الأولى “الكالشيو” من خلال رشاوى كانت تقدم للاعبين والمدربين والمسؤولين لضمان نتائج معينة كانت تصب في مصلحة أندية لها قواعد جماهيرية كبيرة، ولها ارتباط بشخصيات سياسية في دواليب النظام، وأيضا وصلت التعمق في الأبحاث إلى رصد أشكال أخرى لتورط أحزاب سياسية إيطالية في الإستفادة من هذه التلاعبات التي كانت تخدم مصالحها الإنتخابية وحضورها في المشهد السياسي.

سياق تجاذب سياسي

إيطاليا كانت تعيش في فترة من الاستقطاب السياسي والاقتصادي خلال السبعينات والثمانينات. كان المشهد السياسي في البلاد يهيمن عليه الأحزاب اليسارية واليمينية، بالإضافة إلى ظهور حركات سياسية متطرفة مثل “الجيش الأحمر” و”فاشيونيو”. هذه الحركات كانت تؤثر على الحياة السياسية والاجتماعية في إيطاليا، بما في ذلك الرياضة.

كان حزب الديمقراطيين المسيحيين هو الحزب الأكثر نفوذًا في إيطاليا خلال تلك الفترة، وكان يدعم أندية مثل يوفنتوس، الذي كان في تلك الفترة أحد أكبر الأندية الإيطالية وأكثرها تأثيرًا في الدوري، وامتلك علاقات قوية مع دوائر سياسية واقتصادية في إيطاليا. كما كانت أندية مثل روما ولازيو تحظى بدعم أكبر من الأحزاب اليسارية. حيث كان الحزب الشيوعي الإيطالي وحلفاؤه السياسيون يرون في كرة القدم وسيلة للظهور بشكل جيد أمام الطبقات العاملة، وكانوا يحاولون دائمًا تعزيز شعبيتهم بين جماهير الأندية الكبرى التي تتمتع بتاريخ شعبي واسع.

أما الأحزاب اليمينية والمتطرفة فكانت لها علاقات مع مسؤولي أندية معينة موالين لخطها الإيديولوجي، حيث كانت تستغل الفوز أو الهزيمة في المباريات لتوجيه رسائل سياسية، ووصلت هذه الرسائل إلى التحريض على العنف أو التعبير عن الكراهية. وكانت بعض الفرق تتلقى دعماً ماليا غير مباشر من هذه الأحزاب.

فضيحة تاريخية

في عام 1980، كشفت التحقيقات عن وقوف بعض الشخصيات السياسية في الأحزاب الإيطالية، خلف شبكة مراهنات غير قانونية كانت تدير عمليات التلاعب بنتائج المباريات في الدوري الإيطالي. حيث تورط العديد من اللاعبين والإداريين في هذه الشبكة، التي كانت تسعى إلى تغيير نتائج المباريات الهامة لتحقيق مكاسب مالية من المراهنات.

أخذت القضية اسم “فضيحة توماسو” بسبب شخصية محورية في القصة تدعى توماسو، وهو الاسم المستعار لجانكارلو توماسو، أحد الشخصيات الرئيسية التي كانت تدير المراهنات غير القانونية. توماسو كان يُعتبر الوسيط بين اللاعبين والعصابات التي كانت تدير هذه الشبكات.

كانت الفضيحة تتمحور حول التلاعب بنتائج مباريات الدوري الإيطالي عبر تقديم رشاوى للاعبين والمدربين لإجراء تغييرات في سير المباريات. الهدف كان التأثير على نتائج المباريات لتحقيق أرباح طائلة من المراهنات التي كانت تتم بشكل غير قانوني.

وتورطت العديد من الأندية ولاعبيها البارزين في التلاعب بنتائج المباريات، ومن أبرز الأندية التي تورطت في الفضيحة كانت بولونيا ولازيو وأتالانتا وأودينيزي. واستفاذ اللاعبون الذين قبلوا الرشاوى من أجل تغيير مسار المباريات من مبالغ تتراوح ما بين بين 10,000 إلى 100,000 ليرة إيطالية، وهذا كان مبلغًا كبيرًا بالنظر إلى القيمة المالية للرياضة في تلك الفترة.

مكما كشفت التحقيقات أن عمليات التلاعب، حسمت مصير الكثير من الفرق المتنافسة على البطولة أو الفرق التي كانت مهددة بالهبوط. وفي بعض الحالات، كان يطلب من اللاعبين التراخي في الشوط الثاني من المباريات لضمان نتيجة تعادل أو هزيمة لفريق معين.

الفضيحة انتهت بصدور أحكام قضائية ثقيلة بالسجن والغرامة في حق الكثير من اللاعبين والإداريين المتورطين، وكان من أبرزهم أسطورة إيطاليا الهداف باولو روسي، بالإضافة إلى بعض المسؤولين السياسيين في الأحزاب الإيطالية، كما أدت هذه الفضيحة إلى تراجع شعبية الدوري الإيطالي، ونزول مستوى الكثير من الأندية البارزة في الكالشيو.

تداعيات متعددة للفضيحة

فضيحة توماسو كانت نقطة تحول كبيرة في الرياضة الإيطالية. حيث أدت إلى تراجع ثقة الجمهور في الأندية، وفقدت كرة القدم جزءًا كبيرًا من مصداقيتها، كما أدت إلى التعجيل بإصلاحات قانونية ورقابية على المراهنات الرياضية. كما بدأت السلطات الإيطالية في مراقبة المباريات بشكل أكثر صرامة لضمان عدم التلاعب بالنتائج.

كما تم استخدام هذه الفضيحة في الخطاب السياسي في إيطاليا، حيث استخدمتها بعض الأحزاب السياسية للدعوة إلى إصلاحات في كرة القدم وفي النظام الرياضي بشكل عام. لكن كانت هذه الفضيحة أيضاً أداة لعدد من القوى السياسية للظهور بمظهر النزاهة والمنتصر ضد الفساد.

بالإضافة إلى أن فضيحة توماسو انتشرت في وسائل الإعلام العالمية، وساهمت في تسليط الضوء على الفساد في الرياضة الإيطالية، وهو ما جعل كرة القدم الإيطالية محل انتقاد عالمي.