“رمز للمعارضة التاريخية”.. ولعلو: الحسن الثاني اختار اليوسفي لإنجاح التناوب

قال الوزير الأسبق للاقتصاد والمالية، والقيادي البارز في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سابقا، فتح الله ولعلو، إن الملك الراحل الحسن الثاني كان حريصًا بشدة على إنجاح تجربة التناوب، وأن يتم ذلك تحديدًا مع عبد الرحمن اليوسفي، لما كان يمثله الأخير من رمزية تاريخية للمعارضة والنضال السياسي.
وأوضح ولعلو، خلال استضافته في برنامج “ضفاف الفنجان” الذي يبث على منصات صحيفة “صوت المغرب”، أن ذكاء الحسن الثاني تجلّى في اختياره لرجل يُجسّد في شخصه ذاكرة المعارضة المقاومة والصراع، “حتى تكون المصالحة ذات بعد رمزي قوي”، لافتًا إلى أن التوافق الذي لم يتم مع عبد الرحيم بوعبيد، تحقق مع اليوسفي.
وفي ما يخص انتخابات سنة 1997، التي مهّدت لحكومة التناوب، أشار ولعلو إلى أنها لم تخلُ من الإشكالات، خاصة مع انسحاب عدد من الأسماء، مثل محمد حفيظ، وتسجيل تدخلات من وزارة الداخلية حينها، وهو ما أثر في النقاشات الداخلية.
أما عن اللحظة الرمزية للتناوب، فكشف ولعلو أن عبد الرحمن اليوسفي أخبره بأن قسم التناوب لم يتضمن أداء اليمين، بل وُضع المصحف على الطاولة بينه وبين الملك، وقال الحسن الثاني: “بيناتنا هذا الكتاب”، في إشارة إلى القرآن الكري
.
واستعرض المتحدث، السياق العام الذي سبق مرحلة التناوب، معتبرًا أن هذا التحول السياسي بدأ عمليًا في الثمانينيات، في عهد القيادي الاتحادي الراحل عبد الرحيم بوعبيد، مع انطلاق التقارب بين حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال، خاصة في ظل خروج هذا الأخير بزعامة الراحل محمد بوستة، من الحكومة حينها، وهو ما خلق دينامية سياسية جديدة داخل البرلمان، “عزّزها أيضًا تقارب نقابي بين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، من خلال تنسيق مشترك في خوض الإضرابات”.
وفي هذا السياق، أشار القيادي الاتحادي السابق، إلى أن ملتمسات الرقابة، خصوصًا ملتمس ماي 1990، شكّلت لحظة فارقة في العمل السياسي بالمغرب، أسهمت في توحيد الصفوف، “كما رفع كل من بوعبيد وبوستة مذكرة مشتركة إلى الملك الحسن الثاني”، وصفها ولعلو بأنها كانت الانطلاقة الفعلية لمسار التناوب، “غير أن وفاة عبد الرحيم بوعبيد أدت إلى انتقال القيادة إلى عبد الرحمن اليوسفي”.
وفي هذا الإطار، قال ولعلو إن حزب الاستقلال لم يكن متحمسًا كثيرًا لقيادة اليوسفي في البداية، باستثناء بوستة الذي ربطته به علاقة قديمة تعود إلى أيام الدراسة بمراكش، مبرزا أنه “نتج عن هذا التقارب تقديم ما عرف بالمرشح المشترك في انتخابات 1993، التي فازوا فيها بالمرتبة الأولى في الانتخابات المباشرة”، قبل أن تؤثر التعيينات في “الثلث” غير المباشر على نتائج التمثيلية البرلمانية.
وبعد هذه المرحلة، يضيف ولعلو، استقال اليوسفي وغادر البلاد، وتأسست في المقابل الكتلة الديمقراطية، التي ضمت أحزابًا من أبرزها حزب التقدم والاشتراكية بقيادة علي يعتة، فيما فشلت “المحاولة الأولى للتناوب”، بعد صدور بلاغ ملكي يؤكد التمسك بإدريس البصري كوزير للداخلية، رغم أن ولعلو يعتبر أن “السبب الجوهري للفشل كان في مغادرة اليوسفي”.
وفي معرض جوابه عن سؤال حول كيفية عودة عبد الرحمن اليوسفي إلى المغرب، أكد القيادي الاتحادي السابق أن وفودًا متعددة من شباب الحزب والنقابيين وقياديي الاتحاد زاروا اليوسفي لإقناعه، مضيفًا: “كنت ضمن وفد ضم نوبير الأموي وعبد الواحد الراضي، وتحدثنا معه مطولًا، كان مستعدًا مبدئيًا للعودة، لكنه كان ينتظر إشارة سياسية قوية، وقد تمثلت في العفو عن عدد من المعتقلين السياسيين، والتمهيد لعودة الفقيه البصري من المنفى، وهو ما اعتبره نقطة أساسية قبل عودته.”
وأضاف فتح الله ولعلو أنه لعب دورًا خاصًا في هذه المرحلة، مشيرًا إلى أنه كان أول من أخبر المستشار الملكي أندري أزولاي بقرار اليوسفي مغادرة المغرب بعد انتخابات 1993، معتبرًا أن الملك هو الوحيد القادر على إقناع اليوسفي بالتراجع، وأشار إلى أنه “تم عقد لقاء غير معلن بين الملك وقيادة الحزب، حضره محمد الحبابي، عبد الواحد الراضي، ومحمد اليازغي، وخلاله قال الحسن الثاني: ‘خصنا نديروا جهدنا باش يرجع’.”
واعتبر وزير الاقتصاد والمالية السابق أن عودة اليوسفي جاءت في سياق تمهيد سياسي متكامل، لعب فيه نوبير الأموي دورًا محوريًا عبر الإضرابات التي قادها ومحاكمته التي أثارت تعاطفًا واسعًا، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن حملة “التطهير” التي أطلقتها وزارة الداخلية في تلك الفترة ساهمت في خلق نوع من الارتباك، رغم أن الاتجاه العام كان يتجه نحو التوافق.
وحول الخلافات التي نشأت لاحقًا داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قال ولعلو إن العلاقة بين نوبير الأموي وعبد الرحمن اليوسفي كانت في البداية جيدة، لكنه اعترف بأن الخلافات ظهرت بعد تشكيل الحكومة، عندما اتخذت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل موقفًا معارضًا في البرلمان، وهو ما لم يكن متوقعًا في نظره، مؤكدًا أن الحياة السياسية لا تخلو من المفاجآت.
ورأى ولعلو أن موقف نوبير الأموي يعود إلى عوامل ذاتية وسوسيولوجية، على غرار ما حدث مع المحجوب بن الصديق، زعيم الاتحاد المغربي للشغل، معتبرًا أن الأموي كان يمثل تيارًا نقابيًا حادًا يتبنى ثقافة الرفض، رغم أن دخول الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة شكّل مفارقة سياسية كبرى لا يمكن فهمها، حسب تعبيره، إلا عبر استحضار “عبقرية الحسن الثاني وحنكة عبد الرحمن اليوسفي”، اللذين قادا هذا التحول باسم المصلحة الوطنية.
لمتابعة الحوار كاملا، يرجى الضغط على الرابط