story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
تكنولوجيا |

كاميرات المراقبة الذكية.. كيف تعمل وما تأثيرها على الأمن والخصوصية؟

ص ص

فازت شركتان بصفقة تركيب كاميرات مراقبة ذكية تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي بالعاصمة الرباط، لتعزيز الأمن في الشوارع والأزقة، حيث يُتوقع الانتهاء من تنفيذ المشروع وتشغيله بالكامل قبل نهاية عام 2025.

ويتألف المشروع من جزأين رئيسيين، حيث يركز الجزء الأول على تجهيز مراكز القيادة ومراكز البيانات، بما في ذلك إنشاء مركزين رئيسيين لإدارة النظام بشكل فعال

كما سيتم تجهيز مركزين للبيانات وفقًا للمعايير الدولية لضمان بنية تحتية آمنة وعالية الكفاءة، فيما يتعلق الجزء الثاني بنشر نظام مراقبة الفيديو، ويتضمن تركيب كاميرات ذكية متنوعة مثل كاميرات التعرف على الوجوه، والكاميرات البانورامية والمتغيرة الزوايا (PTZ)، بالإضافة إلى الكاميرات طويلة المدى.

وسيعتمد المشروع على شبكة اتصالات متطورة تعتمد على الألياف البصرية وكابلات (CAT 6A) عالية الأداء، إلى جانب خوادم متكاملة مزودة بقدرات الذكاء الاصطناعي لتحليل الفيديو في الوقت الحقيقي.

كيف تعمل هذه الكاميرات؟

تُثبت كاميرات رقمية عالية الدقة في نقاط استراتيجية داخل المدينة مثل الشوارع الرئيسية، الساحات العامة، محيط المباني الحساسة، والمداخل والمخارج الحيوية، إذ تتميز هذه الكاميرات بقدرتها على التصوير بجودة عالية قد تصل إلى تقنية 4K، فضلاً عن مزايا أخرى مثل الرؤية الليلية، والتكبير البصري، والتتبع التلقائي للأشخاص والمركبات.

ولا تعد هذه الكاميرات مجرد أدوات تصوير، بل هي “عيون ذكية” تشتغل 24/24 ساعة طيلة أيام السنة، مع القدرة على إرسال تدفقات الفيديو بشكل مباشر عبر شبكة اتصالات متطورة، غالباً ما تعتمد على الألياف البصرية أو شبكات الجيل الرابع والخامس لضمان سرعة النقل ودقته.

وفي قلب هذا النظام، توجد مراكز القيادة والتحكم، حيث يتم استقبال هذه الفيديوهات الحية ومعالجتها داخل خوادم ضخمة مخصصة للتخزين والمعالجة الذكية و الأوتوماتيكية، تحت إشراف مختصين. وهنا بالتحديد يبدأ دور الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح النظام نفسه قادراً على تحليل الصور بشكل آني باستخدام خوارزميات دقيقة، وذلك من خلال القدرة على التعرف على الوجوه، ومطابقتها مع قواعد بيانات الأشخاص المبحوث عنهم أو المطلوبين أمنياً، كما يمكنه قراءة لوحات السيارات والتعرف على المركبات المسروقة أو المشبوهة خلال ثوانٍ معدودة.

ولا يقتصر الأمر على التعرف على الوجوه أو اللوحات، بل تتجاوز قدرات الذكاء الاصطناعي إلى تحليل السلوكيات داخل الفضاءات العامة، حيث ترصد الخوارزميات بشكل تلقائي أي تجمّع غير طبيعي أو سلوك مشكوك فيه أو تحركات مشبوهة قد تشير إلى خطر وشيك أو نشاط غير قانوني، مما يسمح بإرسال تنبيهات فورية للفرق الأمنية لتقييم الحدث وللتدخل السريع قبل تفاقم الوضع.

الميزة الكبرى للذكاء الإصطناعي في هذه الأنظمة تكمن في تحويل الصور الخام إلى معطيات قابلة للاستغلال الفوري، وتقليص زمن رد الفعل البشري، وهو ما يُحدث فارقاً كبيراً في مواجهة التهديدات الأمنية، خصوصاً في ظل التحديات الكبرى التي تواجه المدن مثل الجرائم المنظمة، التهديدات الإرهابية أو حتى إدارة الحشود خلال التظاهرات الكبرى.

إلى جانب ذلك، تلعب هذه الأنظمة دوراً محورياً في إدارة حركة المرور، بحيث يمكن تتبع تدفق المركبات وتحليل البيانات لتفادي الاختناقات المرورية واقتراح حلول فورية أو مستقبلية لتحسين سيولة التنقل داخل المدينة وتجنب الحوادث وتسريع التدخلات.

هل يحتاج المغرب لهذه الكاميرات؟

في هذاةالصدد، يؤكد الأستاذ الجامعي ورئيس شعبة الدفاع السيبراني في جامعة القاضي عياض أنس أبو الكلام، أن توقيت تنفيذ هذا المشروع ليس مصادفة، إذ “يأتي في وقت يستعد فيه المغرب لاستضافة فعاليات رياضية، ثقافية، سياسية، وعلمية كبرى، وعلى رأسها كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030”.

وشدد أبو الكلام على أن المشروع يتماشى مع تصاعد التهديدات الأمنية العابرة للحدود، وتزايد التهديدات الإرهابية والمخاطر الأمنية التي تتجاوز الحدود، مما يجعل من الضروري إنشاء نظام أمني رقمي متكامل قادر على الاكتشاف المبكر والتدخل السريع والفعال لحماية المواطنين، الزوار، والمرافق الحيوية.”

وأضاف أن “الحكومة المغربية تنظر إلى الاستثمار في هذه التقنيات كجزء أساسي من رؤية 2030، بما في ذلك “الاستراتيجية الرقمية 2030″، والتي لا تهدف فقط إلى تعزيز استخدام التكنولوجيا، بل تسعى أيضًا إلى حماية الأمن الداخلي وتحسين صورة المغرب دوليًا كبلد آمن قادر على الاستجابة الاستباقية متعددة الأبعاد، استخباراتيًا وتقنيًا، لكافة التهديدات الداخلية والخارجية.”

كما أشار أبو الكلام إلى أن “مشروع الرباط ليس سوى المرحلة الأولى من خطة وطنية طموحة، يحيث يشكل مجرد المرحلة الأولى من خطة وطنية تهدف إلى توسيع نظام المراقبة الذكية تدريجيًا ليشمل مدنًا رئيسية أخرى مثل الدار البيضاء، طنجة، مراكش، وأكادير، خاصة مع اقتراب الفعاليات الرياضية والسياحية الكبرى.”

إشكاليات تُطرح…

رغم أهمية المشروع ودوره في تعزيز الأمن، إلا أن توسيعه ليشمل مدنًا أخرى يواجه تحديات عدة، وأبرزها الحجم الهائل للبيانات التي تنتجها آلاف الكاميرات، ما يتطلب بنية تحتية رقمية متطورة قادرة على التخزين والمعالجة الفورية، كما يمثل تأمين الاتصال بين مراكز المراقبة تحديًا أساسيًا لضمان نقل البيانات بسلاسة وحمايتها من الاختراقات.

إلى جانب ذلك، تتطلب صيانة هذه الأنظمة وتحديثها المستمر استثمارات مالية ضخمة لمواكبة التطورات السريعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ومن ناحية أخرى، يطرح انتشار كاميرات المراقبة الذكية في الأماكن العامة تساؤلات حول تأثيرها على خصوصية الأفراد، خاصة مع اعتمادها على تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل التعرف على الوجوه وتحليل الفيديو في الوقت الفعلي، إذ أن الخضوع إلى المراقبة المستمرة قد يزعج البعض ويجعل الأفراد يشعرون بأنهم تحت الرصد الدائم.

إشكاليات الخصوصية

وفي هذا الجانب، ينبه الأستاذ الجامعي والكاتب العام للمركز الإفريقي للحماية المعلوماتية ورئيس اللجنة الاستشارية للاستعمال الأخلاقي والعادل للذكاء الاصطناعي بإفريقيا، يوسف مزوز، إلى أن هذا التطور التكنولوجي يفرض تحديات كبرى تتعلق بضرورة ضمان احترام الحقوق الأساسية، وفي مقدمتها الحق في حماية الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية خاصة وأن القانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي يعتبر الصور والتسجيلات التي تسمح بالتعرف على الأشخاص معطيات شخصية تستوجب تأطيرا قانونيا دقيقا.

وأضاف مزوز أن المادة الثالثة من هذا القانون تمنح السلطات العمومية، في إطار مهامها الأمنية، استثناءً يسمح لها بمعالجة هذه المعطيات خارج الإجراءات العادية، مشيرا إلى أن ذلك لا يعني إعفاءها من الالتزام بالمبادئ الأساسية للقانون، إذ أكد أن مبدأ التناسب يفرض عدم المبالغة في نطاق التصوير بما قد يمس الحياة الخاصة، مثل تصوير واجهات المنازل أو المحلات الخاصة، وأن التصوير يجب أن يقتصر على الأماكن العامة ذات الصلة بالغاية الأمنية.

كما شدد على أهمية احترام مبدأ الشفافية، وتحديد مدة الاحتفاظ بالمعطيات، وضمان حمايتها من أي استعمال تعسفي أو غير مشروع، مبرزا أن هذه الإجراءات ضرورية لضمان التوازن بين تعزيز الأمن واحترام الحقوق الفردية، وهو ما يتطلب مراقبة دقيقة من الجهات المختصة.

وفي هذا السياق، شدد مزوز على ضرورة مواكبة مشروع أنظمة المراقبة بإجراءات واضحة، تضمن إشراك الهيئات المختصة، وعلى رأسها اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، كما دعا إلى تعزيز ثقة المواطنين في أن استخدام هذه التكنولوجيا سيظل محكوماً بضوابط قانونية وأخلاقية تحترم كرامة الإنسان وتصون حرياته الأساسية.

كيف ترى لجنة مراقبة حماية المعطيات القرار؟

تفاعلت اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي مع الإشكالات التي يطرحها استخدام كاميرات المراقبة في العاصمة الرباط، حيث قررت تنظيم جلسات الاستماع اللازمة لإعداد مداولة حول الأحكام والضمانات الأساسية لحماية الحياة الخاصة في هذا الإطار.

وأكدت اللجنة في بلاغ لها أن هذا القرار يأتي في إطار الحرص على ضمان تطبيق القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وذلك من قبل مختلف الفاعلين المعنيين.

وأشار البلاغ إلى أن استخدام كاميرات المراقبة يعد مسألة بالغة الأهمية، بحيث يرتبط بعدة مجالات، من بينها حماية الفضاء العمومي والأماكن الخاصة، إضافة إلى استخدامها لأغراض البحث العلمي واتخاذ تدابير وقائية مختلفة.

وفي مقابل ذلك، شددت اللجنة على ضرورة التمييز بين ما هو ضروري، مقبول أو ممكن، خصوصًا عند استخدام تقنيات التعرف على ملامح الوجه، مع التأكيد على أهمية إجراء تقييم مستمر يأخذ بعين الاعتبار الفائدة والمخاطر من منظور حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.