story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

قمار الفيل والحمار

ص ص

تابع العالم الليلة الماضية، أي ليلة 28 إلى 29 يونيو 2024، المناظرة الإعلامية الأولى بين الرجلين المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأربع المقبلة.. الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.
هذا المشهد وحده يكفي لتأكيد حالة التيه والإفلاس التي بلغتها الإنسانية، ولا يبدو أنها ستتخلص منها قريبا، حين لا تجد غير رجلين ثمانينيين قادمين من الماضي السحيق، وكلاهما شارك في التدبير، ليختار من بينهما الناخبون الأمريكيين من سيتحكم في رقاب الجزء الأكبر من الإنسانية، إن لم يكن كلها.
لم تحمل المناظرة أية مفاجأة تذكر. ولا هي كشفت جديدا. من أين سيأتي الجديد إذا كان المتنافسان يمثلان القديم شخصيا؟ وكل منهما يعكس واحدا من وجهي العملة المسيطرة على الأرواح والأرزاق.
بداية وفجة، دون مصافحة ولا مجاملات، وأطوار مناظرة تبادل فيها المرشحان الإهانات، وانتهت بتأكيد شيء واحد: لا شيء سيتغيّر حقا بعد انتخابات نونبر المقبل الأمريكية.
قبل أن يأخذنا الحماس أكثر في التعليق على المناظرة ونقدها، لنجلس أرضا، ولنعترف أولا أننا كشعوب دول متخلفة في السياسة كما في الاقتصاد والإعلام، علينا أن نقرّ أولا أننا ومهما كانت المناظرة الانتخابية الأمريكية سيئة، وسياقها طافح بمؤشرات الانحطاط، إلا آنها ضرب من الخيال العلمي بالمقارنة مع سياقاتنا.
ليس في الأمر أي جلد للذات أو تحقير للانتماء الحضاري والثقافي. بل مجرد نظر موضوعي في مشهد يضم رئيسا يتمتع بجميع الصلاحيات التنفيذية التي يخوِلها النظام الرئاسي لمن يتولى قيادة البلاد، يقف وجها لوجه من رجل سبقه إلى سدة الحكم، وخرج منها، نعم بطريقة غير مشرّفة، لكنه خرج وعاد إلى الميدان وراح يبحث عن دعم شعبي جديد، وها هو يقترح ويناقش وينتقد ويتفاعل.
لكنها تظل فرصة لنا أيضا لمتابعة الشق الفرجوي في هذه المبارزة السياسية، علما أنها تعنينا بشكل مباشر بما أن الذي سينتخب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية سيكون له تأثير مباشر على حياتنا اليومية، بما أنه يصنع الحرب والسلم، والنمو والركود، في محيطنا الدولي والإقليمي.
أبرز ما تطرقت إليه المناظرة الأولى بين المرشحين للانتخابات الأمريكية كان هو القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي على غزة. وهنا علينا أن نتواضع قليلا ونتحلى بالقدر الكافي من الموضوعية لنعترف بأن إسرائيل ما زالت تلك السيدة المدللة في واشنطن، والتي يتنافس المرشحان المتبارزان في إغوائها وإرضائها ومحاولة الظفر بقلبها.
حاول كل من ترامب وبايدن جاهدين إظهار دعمهما للدولة العبرية، وتقديم كل منهما نفسه ذلك السند الذي يمكنها أن تعوْل عليه في حربها مع أصحاب الأرض الفلسطينيين.
لا سرّ في الأمر، فالصهاينة، من يهود ومسيحيين، لا يمثلون أغلبية أو كتلة معتبرة داخل المجتمع الأمريكي. لكن لهؤلاء قوة ضاربة اسمها “أيباك”، أقوى جماعات الضغط على الإطلاق في الولايات المتحدة الأمريكية، وأكثرها نفوذا في الأوساط السياسية ودواليب الحكم.
راهن الرئيس الحالي جو بايدن على مهاجمة حركة المقاومة الفلسطينية، حماس، وقال إنها تصرّ على استمرار الحرب، وإنه يضغط عليها بكل قوة لحملها على قبول خطته لإنهاء المواجهة، معتبرا أن الإدارة التي يقودها “أنقذت” إسرائيل وكانت أكبر داعم لها في عدوانها الحالي، وإنه قام بتوحيد العالم كله ضد ايران عندما هاجمت إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات…
ردّ ترامب على “أطروحة” بايدن لم يخرج عن أسلوبه المألوف، بصراحته، في الصدق والكذب، التي تقترب من الوقاحة. واعتبر أن إسرائيل هي التي تريد استمرار الحرب، متهما بايدن بالسعي لمنعها من ذلك، مثلما حال دون تمكينها من الاجتياح السريع والحاسم للقطاع المحاصر. بل إن ترامب لم يجد حرجا في نعت بايدن بكونه أصبح كالفلسطينيين، مضيفا أنه فلسطيني سيئ.
حاول ترامب هنا أن يكسب قلب ال”أيباك” بالضربة القاضية. بينما يراهن بايدن على الفوز بالنقط في هذا الجانب، مزاوجا بين دعم وتأييد إسرائيل، والتقليل من غضب الكتل الانتخابية التي تدور في فلك الحزب الديمقراطي، خاصة منها الشباب، والتي تحرْكت بقوة في الشهور القليلة الماضية دعما للفلسطينيين.
خلاصة النزال في هذا الشق المتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية والقضية الفلسطينية، أن الأمر لن يختلف كثيرا بين هذا المرشح أو ذاك. لكل أسلوبه وطريقته في دعم إسرائيل وتحييد العرب والمسلمين.
يبقى السؤال مطروحا بالنسبة لمصالحنا الوطنية المباشرة، التي لا يبدو أنها ستتأثر كثيرا بالنتائج التي ستسفر عنها انتخابات نهاية هذه السنة.
تمثل كل من القضية الفلسطينية والتعاون العسكري عمادي هذه العلاقات. الجانب العسكري راسخ ومنضبط لقواعد شبه ثابتة، بينما الملف الفلسطيني شهد تطوّره الأساسي في الرمق الأخير من ولاية ترامب السابقة، بتطبيع المغرب لعلاقاته مع إسرائيل، واستمر و”صمد” طيلة ولاية الديمقراطي بايدن.
يبقى أن للمغرب ميل تقليدي إلى الحزب الجمهوري، المحافظ سياسيا والأقل مشاكسة للمغرب في ملف وحدته الترابية، بالنظر إلي طبيعة امتداداته وروافده السياسية، عكس الحزب الديمقراطي الذي تنشط فيه كثير من التيارات اليسارية والحقوقية التي تسبب بعض الإزعاج للدبلوماسية المغربية، دون أن تشكل تهديدا حقيقيا.
علينا أن نكون حذرين، ونتجنب تكرار أخطاء الماضي، حين أظهرنا الدعم الصريح للمرشحة الديمقراطية التي نافست ترامب في انتخابات 2016، هيلاري كلينتون، وصرفنا لها الأموال خلال حملتها الانتخابية، لنفاجأ في النهاية بفوز خصمها الذي لم يغفر لنا هذا الموقف طيلة سنوات.
علينا أن نحذر لأن المغرب أعلن تأييده للخطة التي طرحها بايدن لوقف الحرب في غزة، وبادر إلى إرسال مساعدات إنسانية مباشرة بعد اتصال وزير الخارجية الأمريكي بنظيره المغربي بهذا الشأن. وفي مناظرة أمس، قدّم بايدن هذه الخطة كورقة انتخابية، مفتخرا بدعم الكثير من الدول لها، وهو ما يمكن أن يجعلنا نصنّف من جديد ضمن خانة الداعمين للمرشح الديمقراطي.
الانتخابات الرئاسية الأمريكية أشبه بلعبة رهان يقامر فيها كل صاحب مصلحة على أحد المترشحين. والذين يمارسون لعبة الرهان، الخاصة بمباريات الكرة أو سباقات الخيول أو الكلاب… يعرفون أن قيمة المكاسب والخسائر ترتبط في الغالب بقيمة ما يدفعه المراهن. واللاعب المحترف غالبا ما يراهن على أكثر من حصان واحد، في سباق الخيول، أو أكثر من كلب واحد في سباق الكلاب…
بينما الانتخابات الأمريكية تدور بين فيل وحمار… ولهلا يخيّرنا فضرار!