story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

قطار الصين العظيم

ص ص

هناك حاجة ماسة حقيقية للنظر إلى محيطنا الإقليمي والدولي من زوايا مختلفة. وهناك بالفعل ضغوط وإكراهات وأشياء كثيرة نضطر إلى مسايرتها والخضوع لها بحكم ضعف قدراتنا كدولة في التفاوض وانتزاع المصالح، لكن هناك أيضا فرص وإمكانيات ينبغي لنا بذل أقصى ما نستطيع لاستغلالها واستثمارها لصالحنا، وعلى رأسها هذا التنافس الدولي المتصاعد والبروز المتزايد لقوى سياسية واقتصادية وعسكرية جديدة في العالم.
الدليل على ذلك ما تضمنه حوارنا الأخير مع السفير الصيني في المغرب، والذي انطوى، كما هو الحال مع أحاديث الدبلوماسيين، على الكثير من الرسائل، الظاهرة والخفية، تعالوا نستشف أبرزها:
بعد جمود وغموض طويلين، سفير دولة الصين الشعبية في الرباط، لي تشانغ لين، يعلن انطلاق التنفيذ الفعلي لمشروع المنطقة الصناعية الموعودة “طنجة تيك”.
هذا المشروع الذي تحول في إحدى اللحظات إلى شبه أسطورة، يخرج اليوم إلى الوجود، بل إن الدبلوماسي الصيني يعد بمشروع آخر في القنيطرة. ماذا يعني ذلك؟ إنه وبكل اختصار رسالة على أن فرنسا ليست المستثمر الوحيد الذي يمكنه إحداث مناطق صناعية واستثمارات كبيرة في القطبين الجديدين للصناعة المغربية. هناك عروض دولية منافسة ينبغي استحضارها ووضعها في ميزان التفاوض والبحث عن رؤوس الأموال الأجنبية وإحداث فرص النمو والتشغيل…
في ملف الوحدة الترابية ونزاع الصحراء، لا تشكل الصين أي تهديد قائم أو محتمل بالنسبة للمغرب، من جهة أولى بفعل طبيعة السياسة الخارجية الصينية، القائمة على التجارة أولا، وتحري أقصى درجات الحياد وعدم الانغماس في النزاعات الإقليمية كما هو الحال في نزاع الصحراء، ومن جهة أخرى لكون بكين صاحبة قضية وحدة ترابية على غرار المغرب، وتعاني من اليد التايوانية التي يؤلمها الغرب حين يمسكها منها. ويكفي أن نلتقط هنا رسالة المبادرة الصينية لترجمة حول قضية الصحراء، من منظور مغربي، إلى اللغة الصينية.
أكثر من مجرد الحياد السلبي، يمكن للمغرب أن يستثمر أكثر في الموقف الصيني، ويفتح الباب أمام بكين لتلعب دورا يحقق له بعض التوازن النسبي في معادلة الاقتصاد والاستثمار في الصحراء، دون أن يخل بالضرورة بالبعد الاستراتيجي والحيوي لمصالحه مع الغرب وقائدته أمريكا.
الإرث التاريخي، القديم والحديث، يسعف كثيرا في هذا الصدد، بما أن السفير الصيني لم يتردد في تذكر موقف الملك الراحل الحسن الثاني في الأمم المتحدة عام 1960، حين انتصب مدافعا عن قبول الصين الشعبية كعضو بديل عن الصين “التايوانية”، تماما مثلما حرص على تذكر زيارة الملك محمد السادس الرسمية إلى الصين عام 2016، والتي توجت باتفاقية شراكة استراتيجية لا يبدو أن المغرب قد استثمرها، ولو في الحدود الدنيا، حتى الآن.
يتحدث الدبلوماسي الصيني في المقابل عن “تحديات” تواجه العلاقات المغربية الصينية، جاعلا في صدارتها الاختلاف الثقافي بين الشعبين المغربي والصيني. ويتحدث سفير بكين عن صعوبات يجدها الصينيون في التأقلم مع العادات والتقاليد المغربية، أثناء قدومهم للمغرب، بحكم الاختلاف بين ثقافة البلدين.
وبدهائه الدبلوماسي الواضح، يدعو السفير الصيني مواطنيه إلى بذل المزيد من الجهد لتعزيز التقارب الثقافي، خاصة من خلال تعلم اللغة العربية والفرنسية والتعرف على تاريخ وثقافة المغرب… لكنها في الحقيقة دعوة لنا كمغرب للقيام بما يكفي لتعريف الصينيين بثقافتنا ولغتنا، بما أن الصين تفعل الكثير من خلال معهد كونفوشيوس والمنح الدراسية والإمكانيات المتاحة لتعلم اللغة الصينية في المغرب.
ويقدم السفير الصيني للدولة في المغرب نموذج بعض صناع المحتوى المغاربة الذين باتوا “يتطوعون” لبناء جسر التواصل مع الصين ويوصلون صورة المغرب إلى الشعب الصيني، في إشارة ضمنية إلى وجود إمكانيات متاحة يكفي الاهتمام بها وتشجيعها.
علينا أن نبذل جهدا أكبر للتواصل مع الصينيين واستثمار فرص التطور والتجارة والنقل السريع للتكنولوجيا المتطورة الذي يتيحه التعاون مع بكين حين يصل إلى مستويات معينة من التطور. ويدعونا السفير الصيني إلى إحياء الخط الجوي المباشر بين بكين والدار البيضاء. والمبرر الجلي لحثنا نحن على ذلك وعدم مبادرة الشركات الصينية إلى توفير هذا الخط الجوي، هو “تسهيل نقل السياح والاستثمارات الصينية إلى المغرب”، أي أننا أصحاب المصلحة فيه.
وإذا كانت فرنسا تطالب اليوم، في الكواليس، بتقاسم الفرص الاستثمارية المتاحة للمغرب في إفريقيا معها، فإن السفير الصيني يقدم عرضا مضادا وعلنيا: “للمغرب والصين سياسة إفريقية متشابهة ولهما نفس الأهداف”، يقول السفير الصيني، مضيفا أن للبلدين كل المؤشرات لخلق هذا التعاون المشترك القوي على مستوى البلدان الإفريقية.
ومن أكثر الرسائل وضوحا في العرض الصيني المقدم للمغرب حديثا، ما يتعلق بمشروع إقامة خط للقطار فائق السرعة من طنجة إلى أكادير.
ودون الحاجة إلى النبش مجددا في قصة الخط الحالي وما كان متاحا للمغرب من عروض دولية أكثر جودة وأقل كلفة من العرض الفرنسي الذي ظفر بالصفقة، تتنازل الصين كليا اليوم عن المقطع الذي يصل القنيطرة بمراكش، وتعرض حزمة متكاملة لإنجاز المقطع الرابط بين مراكش وأكادير.
قد كشف السفير الصيني في حواره معنا وجود إمكانيات لتمويل المقطع وإنجازه بالكامل، بعدما ظفرت شركة صينية بصفقة إنجاز دراسات أولية. ومصادر خاصة قالت لي إن الأمر يتعلق بعرض يشمل تمويلا بقروض مجانية وتسهيلات أداء تصل إلى 30 عاما، مع إمكانية إنجاز الخط بآخر التكنولوجيا المتوفرة، بما في ذلك تقنية قطار الجيل الخامس الذي تعتبر الصين متقدمة فيه بشكل كبير. ويكفي أن الصين فاجأت العالم منذ 2020 بإطلاقها قطارات ذكية تسير دون حاجة إلي سائق…
فهل نلحق بقطار الصين العظيم، أم يجبرنا المستعمرون السابقون على المكوث في مقطوراتهم المتخلفة والمكلفة؟