story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

قضية الصحراء المغربية.. من الانسحاب الإسباني إلى الاعتراف الفرنسي

ص ص

يحتفل المغرب، اليوم الأربعاء 6 نونبر 2024، بالذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، الحدث التاريخي الذي أعاد الصحراء المغربية إلى حضن الوطن بمشاركة 350 ألف مغربي استجابة لنداء الملك الراحل الحسن الثاني في عام 1975.

وتكتسب الذكرى هذه السنة بعداً خاصاً في سياق تزايد الدعم الدولي لمغربية الصحراء، والذي كان آخر أشكاله الاعتراف الرسمي الفرنسي بمغربية الصحراء، في الرسالة التي وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الفضية لعيد العرش أواخر شهر يوليوز المنصرم.

وجدد ماكرون التأكيد على الموقف والاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء أثناء زيارة الدولة التي قام بها إلى الرباط بدعوة من الملك محمد السادس ما بين 28 و30 أكتوبر المنصرم.

وفي هذا الصدد، نستعرض كرونولوجيا تلخص أحد أطول النزاعات الإقليمية في إفريقيا الذي يمتد لقرابة خمسة عقود، من الانسحاب الإسباني من الصحراء المغربية، مروراً بمبادرة الحكم الذتي تحت سيادة المملكة التي تقدم بها المغرب لدى الأمم المتحدة وصولاً إلى آخر تطورات الملف المتعلق بالاعتراف الفرنسي الذي أسهم إلى جانب الاعتراف الأمريكي وتأييد دول أوروبية مثل إسبانيا وألمانيا في إحداث تحول هام نحو التسوية السلمية والاستقرار الدائم في المنطقة.

يُعدّ نزاع الصحراء المغربية، الممتد منذ منتصف السبعينات، من أقدم النزاعات في القارة، ويعكس تعقيدات سياسية إقليمية ودولية تتعلق بالسيادة والحدود.

وبالرغم من محاولات عديدة للتوصل إلى حل سياسي عبر قرارات أممية ومبادرات متعددة، ظل النزاع دون تسوية نهائية لعقود.

ومع تطور الدعم الدولي لمقترح المغرب للحكم الذاتي، الذي تزايد مؤخرًا بفضل الاعتراف الأمريكي والفرنسي وتأييد دول أوروبية مثل إسبانيا وألمانيا وغيرها، باتت قضية الصحراء تشهد تحولاً هامًا نحو التسوية السلمية والاستقرار الدائم في المنطقة.

16 أكتوبر 1975: “العدل الدولية” تقر بمغربية الصحراء

قبل الحديث عن الانسحاب الإسباني من الصحراء المغربية، وقبل الحديث حتى عن المسيرة الخضراء التي زحفت نحو هذه الأخيرة لتخليصها من الاحتلال، لا بد من العودة إلى تاريخ 16 أكتوبر 1975، عندما أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً مهماً بشأن نزاع الصحراء المغربية، حيث أقرّت بوجود روابط قانونية وتاريخية بين المغرب وقبائل الصحراء التي كانت مرتبطة بعلاقات بيعة مع المملكة المغربية، مما يبرز حق المغرب في المطالبة بالمنطقة.

صوت الحسن ينادي

في نفس اليوم الذي أصدرت فيه محكمة العدل الدولية رأيها (16 أكتوبر)، أعلن الملك الحسن الثاني في خطاب بمدينة مراكش، تنظيم مسيرة سلمية لاسترجاع الأقاليم الصحراوية الجنوبية، ووضع حد للاستعمار الإسباني.

ومما جاء في نص خطابه: «ماذا بقي علينا أن نعمل شعبي العزيز؟ بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونياً. اعترف لنا العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمن واعترف لنا العالم أيضاً بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط وتلك الروابط لم تُقطع تلقائياً وإنما قطعها الاستعمار، إذن علينا أن نقوم بالتزاماتنا لأن الفترة التي عاشتها الصحراء تحت الاستعمار لم تكن قط فترة من شأنها أن تقطع العلاقات والالتزامات التي كانت بين المغرب وبين ذلك الإقليم بل الآن أصبح من المحتم، من المتعين، بل من الواجب الديني (…) كخادم البلاد وخادم هذه الأمة وكأمير المؤمنين وبما أن بيعتهم لي باقية في عنقهم. أنني أقوم بواجبي وألتحق بشعبي في الصحراء وكيف سنلتحق؟ وماهي الطريق التي سنستعملها؟ (…) إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه.

6 نونبر 1975: المسيرة الخضراء

في السادس من نونبر 1975، اتجه حوالي 350 ألف مواطن مغربي من جميع أنحاء البلاد في حدث وطني بارز نحو الصحراء المغربية استجابة لنداء الملك الحسن الثاني، في “مسيرة خضراء” حاشدة لاستعادة إقليم الصحراء من الاستعمار الإسباني بطريقة سلمية، ولم يصطحب المشاركون فيها أي سلاح ولم يحملوا معهم إلى جانب قوتهم سوى المصاحف والأعلام المغربية في تعبير عن السلمية والوحدة الوطنية.

وانطلقت المسيرة الخضراء بعد أقل من شهر من قرار محكمة العدل الدولية، الذي أقر بوجود روابط قانونية وتاريخية بين المغرب والأقاليم الصحراوية، لتنجح في النهاية في الضغط على إسبانيا للانسحاب من الإقليم، وهو ما نتج عنه في ما بعد توقيع اتفاقية مدريد بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا، ما سمح باستعادة المغرب لجزء كبير من الصحراء دون مواجهة عسكرية.

تعتبر المسيرة الخضراء رمزًا للوحدة الوطنية والمطالبة السلمية بالحقوق التاريخية، وهي مناسبة تحتفل بها المملكة المغربية سنويًا لإحياء ذكرى هذا الحدث الذي أسس لمبدأ الدفاع عن السيادة الوطنية بأسلوب حضاري وسلمي.

14 نونبر 1975: توقيع اتفاقية مدريد الثلاثية بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا، الذي تانزلت بموجبه إسبانيا عن إدارتها للمنطقة ليتم تقاسمها بين المغرب الذي حصل على الثلثين الشمالي والجنوبي، وموريتانيا التي سيطرت على الثلث الجنوبي الغربي، وذلك في سياق ضغوط مغربية ودولية لإنهاء الاستعمار الإسباني، خاصة بعد نجاح المسيرة الخضراء السلمية التي نظمها المغرب قبل أسبوع من توقيع الاتفاق.

26 فبراير 1976: انسحاب إسبانيا رسمياً من الصحراء المغربية بعد سنوات من المطالب المغربية التي تستند إلى حق المغرب التاريخي والقانوني في الصحراء، بموقف تجلى بشكل قوي في رأي محكمة العدل الدولية الصادر في أكتوبر 1975، والذي أقر بوجود روابط بيعة تاريخية بين القبائل الصحراوية وملوك المغرب، ورغم هذا الأخير لم تنسحب إسبانيا إلا وقد تركت خلفها أطول نزاع في القارة السمراء مفتوحاً على الصعيد الإقليمي والدولي.

1976-1991: الحرب ووقف إطلاق النار

بعد انسحاب القوات الإسبانية من الصحراء، اندلعت الحرب بين المغرب وجبهة “البوليساريو” التي أعلنت من جانب واحد تأسيس كيان سياسي في 28 فبراير 1976 في إطار حول السيادة على الصحراء، حيث كان المغرب يطالب بالسيطرة على الإقليم بناءً على الروابط التاريخية والقانونية التي تربطه بالصحراء، بينما كانت جبهة “البوليساريو” المدعومة من الجزائر تسعى لإنشاء “جمهورية صحراوية مستقلة”.

وقد استمرت حتى تدخلت الأمم المتحدة من أجل رعاية اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991، ومنذ إعلان ذلك الاتفاق فشلت عدة جولات للمحادثات برعاية أممية في التوصل لتسوية دائمة للصراع.

1979: قبل وقف إطلاق النار موريتانيا تنسحب من الصحراء المغربية في أوج الحرب، والمغرب يضم حصته من المنطقة.

2007: المبادرة المغربية للحكم الذاتي

مع استمرار الجمود السياسي، قدم المغرب للأمم المتحدة مقترح الحكم الذاتي، في 11 أبريل 2007، كحل سلمي ودائم، ويتيح المقترح المذكور لسكان الصحراء إدارة شؤونهم الداخلية مع بقاء السيادة المغربية، وقد لقي المقترح دعماً دولياً واسعاً.

13 نونبر 2020: المغرب يُحرّر معبر الكركرات

في نونبر 2020، اندلعت أزمة في معبر الكركرات الحدودي الذي يفصل بين المغرب وموريتانيا بعد أن أقدمت ميليشيات “البوليساريو” على إغلاق المعبر الذي يُعدُّ نقطةً استراتيجية للتبادل التجاري بين البلدين، وهو ما اعتبر تصعيداً من طرف “البوليساريو” التي قامت بإغلاق المعبر في محاولة لفرض حصار على التجارة العابرة بين المغرب ودول إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما أدى إلى حدوث أزمة إنسانية وتجارية.

على إثر ذلك، قامت القوات المسلحة الملكية بعملية عسكرية لإعادة فتح المعبر بشكل سلمي، حيث نشر الجيش المغربي تعزيزات أمنية في المنطقة ليفرض سيطرته على المعبر ما أسهم في استقرار معبر حيوي يربط المغرب بموريتانيا وعموم منطقة غرب إفريقيا، حيث تم تأمين الحركة التجارية وحركة الأفراد.

ومن أهم انعكاسات هذا الحدث على معركة المغرب في قضية الصحراء، تأكيد السيادة المغربية من خلال إعادة فتح المعبر بشكل سلمي، حيث عبرت الرباط عن عزمها على الحفاظ على سيادتها، ورفض أي محاولات لزعزعة الاستقرار في أراضيها، كما أكدت أن المغرب مستعد لحماية مصالحه الوطنية باستخدام الوسائل الدبلوماسية والعسكرية عند الحاجة.

2020: الاعتراف الأمريكي

في دجنبر 2020، اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً بسيادة المغرب على الصحراء، وكان هذا القرار بمثابة دعم كبير للمغرب في نزاعه الطويل مع جبهة “البوليساريو” المدعومة من الجزائر حول السيادة على الصحراء، حيث شكّل نقطة تحول هامة في مسار القضية، وشجع عدداً من الدول على فتح قنصلياتها في العيون والداخلة.

هذا وجاء الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء أيضاً في سياق من سلسلة من التحركات الدبلوماسية لواشنطن آنذاك لرعاية تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع دول عربية، والتي شملت اتفاق إعادة العلاقات بين الرباط وتل أبيب والذي تم في نفس اليوم.

2022: الاعتراف الإسباني

في 18 مارس 2022، أعلنت إسبانيا بشكل رسمي اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، معتبرةً مقترح الحكم الذاتي المغربي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف، في خطوة دبلوماسية مهمة بعد عقود من موقف إسباني محايد، وهو ما شكل دعما أساسيا للموقف المغربي وساهم في تعزيز العلاقات بين البلدين.

2023: الاعتراف الإسرائيلي

في 17 يوليوز 2023، أعلنت إسرائيل رسمياً اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء، في رسالة وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الملك محمد السادس، أشار فيها إلى أن حكومته ستعكس هذا القرار في جميع الوثائق الرسمية وتخطط لافتتاح قنصلية في مدينة الداخلة، إلا أنه منذ ذلك الوقت مازال نتنياهو وعدد من المسؤولين الإسرائيليين يظهرون إعلامياً بصور وخرائط تظهر خريطة المملكة المغربية من دون صحرائها، وكانت آخر هذه السلوكات بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ أكتوبر 2023.

يوليوز 2024: الاعتراف الفرنسي

في 31 يوليوز 2024، أعلنت فرنسا رسميا تأييدها لخطة الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، في موقف جديد في سياستها تجاه قضية الصحراء، عبرت عنه رسالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس آنذاك، والذي أكد أن “المستقبل والحاضر للصحراء الغربية يقعان ضمن إطار السيادة المغربية”​، كما اعتبر أن المبادرة المغربية هي الحل الوحيد والنهائي للنزاع، الذي يعتبر من الأطول في إفريقيا، ويتواصل منذ انسحاب إسبانيا في سبعينيات القرن الماضي.

أكتوبر 2024: فرنسا تدعم مغربية الصحراء من الرباط

كانت قضية الصحراء جزءا مهما من جدول المباحثات الثنائية خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب بين 28 و30 أكتوبر 2024، حيث أكدت فرنسا مرة أخرى دعمها للمقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء المغربية بعد أشهر من إعلانها رسميا اعترافها بسيادة المغرب على الإقليم في 31 يوليوز 2024.

وجاء في خطاب ماكرون أمام مجلسي البرلمان، بتاريخ الثلاثاء 29 أكتوبر 2024: “أعيد التأكيد أمامكم، في نظر فرنسا حاضر ومستقبل هذه المنطقة يندرجان في إطار السيادة المغربية”، مشيراً إلى أن شركات وفاعلين اقتصاديين فرنسيين “سوف يرافقون تنمية هذه المنطقة عبر استثمارات ومبادرات دائمة وتضامنية لصالح سكانها”.