story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دين |

قروري: تأخر مدوّنة الأسرة مرتبط بالسياسة التشريعية للحكومة وليس بحقل إمارة المؤمنين

ص ص

س: في ضوء الدستور المغربي لسنة 2011 الذي يربط إمارة المؤمنين بحماية الدين وضمان حرية ممارسة الشعائر، كيف يمكن تفسير التأخر في حسم إصلاح مدونة الأسرة؟ هل هو تعبير عن تعقّد التوازن بين المرجعية الدينية والالتزامات الدستورية بالمساواة، أم عن غياب الإرادة السياسية؟

ج: أولا، لابد من التذكير بأن الفصل 41 من الدستور نص على أن “الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه” كما نص على أن “الملك يمارس الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر”.

ثانيا، بالنسبة لموضوع تعديل مدونة الأسرة، فقد قام الملك بصفته أميرا للمؤمنين بتوجيه رسالة إلى رئيس الحكومة في أكتوبر 2023 تقضي بإحداث الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وتحدد التوجهات المرجعية لهذه المراجعة والمنهجية التشاورية التي ينبغي اعتمادها، وحدد لها مدة ستة أشهر، وبعد انتهاء مهامها داخل الأجل المحدد لها، رفعت عملها إلى الديوان الملكي، وقد قام الملك بصفته أمير المؤمنين بإحالة التعديلات المرتبطة منها بنصوص دينية على نظر المجلس العلمي الأعلى، الذي أصدر بشأنها رأيا شرعيا، كما قام بالتحكيم الضروري بالنسبة للقضايا التي اقترحت فيها الهيئة أكثر من رأي، أو تلك التي تطلب الأمر مراجعتها في ضوء الرأي الشرعي، والتي رجح فيها الملك بصفته أمير المؤمنين الخيارات التي تنسجم مع المرجعيات والغايات المحددة في مضمون الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، وكذا تلك الواقعة في دائرة الضوابط المحددة لعمل الهيئة، وفي مقدمتها ضابط “عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام”.

كما دعا الملك بصفته أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، إلى مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة، عبر إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته، لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تساير متطلبات العصر.

كما كلف رئيس الحكومة والوزراء المعنيين، بالتواصل مع الرأي العام، وإحاطته علما بمستجدات هذه المراجعة، والتي من المفروض أن تسهر الحكومة، داخل آجال معقولة، على بلورتها وصياغتها في إطار مشروع قانون، طبقا للأحكام الدستورية ذات الصلة، ولا سيما الفصل 78 من الدستور.
إذن، انطلاقا مما سبق يتضح أن هذا التأخر مرتبط بالسياسة التشريعية للحكومة ولا علاقة له بحقل إمارة المؤمنين، الذي لا يمكن أن تعود له الكلمة في الموضوع، إلا إذا تم تجاوز المرجعيات المحددة في المراجعة، ولاسيما ما يتعلق بعدم تحريم الحلال أو تحليل الحرام.

وفي هذا الإطار من المفيد الرجوع لتجربة مناقشة مدونة الأسرة سنة 2003، إذ تم عرضها في مجلس وزاري و تمت إحالتها على البرلمان حيث حضر في مناقشتها بلجنة العدل والتشريع وزير العدل ووزير الأوقاف الذي عبر في كلمته أنه “مأمور بأن يوضح بعض جزئيات التأصيل الذي قام به أمير المؤمنين” واعتبر أنه مكلف بالإجابة و تقديم التوضيحات عن بعض الجزئيات المتعلقة بالتأصيل الشرعي دون أن يتم وضع الجوانب الشرعية موضع التساؤل وتعديلها.

س: كيف يؤثر الصراع داخل الزاوية البوتشيشية على مفهوم “السلطة الروحية” التي تمثلها إمارة المؤمنين؟ هل يكشف هذا الخلاف عن حدود ضبط الدولة للحقل الديني غير الرسمي (الزوايا) رغم مركزية مؤسسة إمارة المؤمنين؟

ج: أولا ينبغي التأكيد أن سلطة الملك باعتباره أميرا للمؤمنين هي سلطة دينية ودنيوية وليست “سلطة روحية” كما جاء في سؤالكم، وهي سلطة دستورية يمارس فيها الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى الفصل 41، بواسطة ظهائر. وبموجب ذلك فالملك يملك سلطة مؤسساتية منظمة وقوية على الحقل الديني الرسمي الذي يتجلى أساسا في وزارة الأوقاف، المجلس العلمي الأعلى، أما الزوايا فهي تتمتع بنوع من الاستقلالية في عملها بغض النظر عن خاصية الولاء السياسي الذي تطبع عملها.
أما بالنسبة للخلاف الجاري داخل الزاوية القادرية البوتيتشية كما تم تداوله في الإعلام، فهو خلاف داخلي مرتبط بأحد الفاعلين الدينين خارج الحقل الرسمي، ولا تأثير له على مكانة إمارة المؤمنين وعلى وضعها المؤسساتي، ذلك لأن مشروعيتها تكتسبها من عقد البيعة الشرعية الذي يربط كافة المغاربة بأمير المؤمنين، وبالتالي فإن المكانة الدينية والسياسية لإمارة المؤمنين لا تتأثر بالخلافات البينية سواء جرت داخل الزوايا أو داخل الجمعيات المدنية الإسلامية التي تعرف بالحركات الإسلامية.

س: قضية ابتسام لشكر أعادت النقاش حول الخطوط الفاصلة بين حرية التعبير والاعتداء على الثوابت. كيف تنعكس هذه الواقعة على وظيفة إمارة المؤمنين في ضمان ممارسة الشعائر الدينية عبر السلطة المعنوية والرمزية لهذه “المؤسسة”؟

ج: موضوع العلاقة بين حرية التعبير والمساس بالمقدسات الدينية هو من أكثر المواضيع حساسية في الفقه القانوني والفلسفة السياسية في جميع المجتمعات، لذا نجد أن عدد من الدساتير والقوانين المقارنة وضعت قيودا على حرية التعبير حين يتعلق الأمر بازدراء الأديان أو المس بالمقدسات أو مواضيع تشكل حساسية لدى المجتمع، وذلك كوسيلة لحماية النظام العام والسلم الاجتماعي. فالأمر يتعلق بتمرين تقوم به الدول لخلق نوع من التوازن بين حقين حق الأفراد وحق الجماعة.

في المغرب أعتقد أن النقاش حول حدود حرية التعبير في علاقته بالقانون الذي يجرم المس بالدين الإسلامي وبالنظام الملكي وبالوحدة الترابية، هو نقاش صحي. لأن هناك دائما حاجة للتذكير بالمعادلة الضرورية التي ينبغي احترامها، وهي ممارسة حرية التعبير باعتبارها حرية مكفولة بنص الدستور، وفي نفس الوقت احترام الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، والتي تعتبر بمثابة ثوابت جامعة، ولذلك تعتبر بمثابة نصوص جامدة لا يمكن أن تشملها حتى المراجعة الدستورية بموجب الفصل 175 من الدستور.

وفي قضية ابتسام لشكر فمن المهم التذكير بأن من حرك المتابعة هي مؤسسة النيابة العامة التي تخضع في تعليماتها المباشرة لرئيسها وفق المقتضيات القانونية ذات الصلة، وبالتالي فلا مجال لإقحام حقل إمارة المؤمنين في هذا النوع من المتابعات مهما كان التكييف القانوني للوقائع.

*هذا الحوار، هو جزء من ملف العدد 76 لمجلة “لسان المغرب”، لقراءة الملف كاملا، يرجى الضغط على الرابط