قانون المسطرة الجنائية يدخل حيز التنفيذ.. وهذه أبرز مستجداته
دخل القانون رقم 03.23، المُعدِّل للقانون رقم 22.01 المتعلّق بالمسطرة الجنائية، حيّز التنفيذ اليوم الاثنين 8 دجنبر 2025، وذلك بعد انقضاء ثلاثة أشهر على نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 8 شتنبر 2025.
وقد شملت التعديلات تغيير وتتميم 286 مادة، وإضافة 106 مواد جديدة، وتعويض 62 مادة، فضلاً عن حذف 5 مواد. وتأتي هذه المراجعات، وفق ما ورد في القانون، في سياق وطني ودولي يفرض تحديث النصوص الإجرائية بما يواكب تطور الجريمة، ويعزز ضمانات المحاكمة العادلة، ويُسهم في ترسيخ ثقة المواطن في منظومة القضاء.
تغيير جذري في الحراسة النظرية
من أبرز المستجدات التي جاء بها القانون الجديد، التأكيد على أن الحراسة النظرية إجراء استثنائي وليس قاعدة عامة، لا يُلجأ إليه إلا إذا تعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقَب عليها بالحبس أو السجن، وتبيّن أن اللجوء إليه ضروري لواحد أو أكثر من الأسباب المحددة في هذا القانون، والتي تحرص النيابة العامة على تحققها.
زيادة على ذلك، تم تعزيز وضعية المودَعين رهن الحراسة النظرية بضمانات تُقرّ كرامتهم وإنسانيتهم، من قبيل الحرص على توثيق تصريحات المشتبه فيهم وتأطير حقهم في الصمت والاتصال بمحاميهم، وحقهم في الحضور معهم خلال عملية الاستماع، وإشعار أقاربهم بدواعي إيقافهم، والحقوق المخوّلة لهم، وحقهم في الاستعانة بمترجِم أو شخص يحسن التخاطب معهم، وحقهم في الحصول على تغذية مناسبة على نفقة الدولة.
كما تم التنصيص على نقل محتويات سجلات الحراسة النظرية إلى سجل إلكتروني، وطني أو جهوي، لدعم آلية المراقبة والضبط والتحديد الدقيق لبيانات المحاضر المنجزة من لدن الشرطة القضائية، مع تأطير المحاضر الإلكترونية، وتخويل النيابة العامة حق إطلاع الرأي العام على مخرجات الأبحاث دون تقييم الاتهامات الموجهة للمشتبه فيهم، تفادياً للمغالطات التي قد يتم تداولها وتؤثر على حسن سير القضايا.
عقلنة اللجوء للاعتقال الاحتياطي
يعتبر النص الاعتقال الاحتياطي أيضا استثناء، ولا يُلجأ إليه إلا إذا تعذّر تطبيق بديل عنه، من خلال إخضاعه لضوابط أكثر دقة من حيث ربط اللجوء إليه من طرف قضاة النيابة العامة والتحقيق عند الضرورة للأسباب المحددة في هذا القانون.
كما نص على تقليص مدد الاعتقال الاحتياطي في الجنايات والجنح إلى حدّ معقول بما يضمن حسن تصريف سير القضايا، مع اشتراط تعليل قراراته بما فيها حالات تمديد هذا التدبير.
فضلا عن ذلك، تم فتح المجال للطعن في شرعية قرار الأمر بالإيداع في السجن وفق مسطرة مبسّطة وداخل آجال تحقق الفورية، مع توسيع دائرة بدائله، كمنح النيابة العامة صلاحية اعتماد تدابير المراقبة القضائية بما فيها القيد الإلكتروني، والإحالة المباشرة على غرفة الجنايات في حالة سراح، أو استعمال تدبير واحد أو أكثر من تدابير المراقبة القضائية المنصوص عليها في هذا القانون.
تعزيز حقوق الدفاع
ومن بين الإجراءات التي تعزز حق الدفاع، وفق النص، تقوية مركزه في الدعوى عبر تأكيد حقه في مساندة مؤازره أمام الشرطة القضائية والنيابة العامة وقضاة التحقيق وهيئات الحكم، وذلك وفق الضوابط المحددة قانونًا، ويشمل ذلك حقوقًا تتعلق بالاتصال والحضور والإدلاء بالوثائق والإثباتات.
ويتيح النص للمحامي ممارسة دوره الكامل في الدفاع من خلال طرح الأسئلة وتقديم مختلف الطلبات، مع ضمان ما تقتضيه مهمة الدفاع من حقوق أساسية، من بينها حق الاطلاع والحصول على نسخ من وثائق القضية ورقيًا أو على دعامات إلكترونية، وداخل آجال كافية.
كما يخوّل القانون الجديد للمحامي مجموعة من الحقوق وإشراكه في العديد من الإجراءات والمساطر، كآليات العدالة التصالحية.
منع الاعترافات المنتزعة بالعنف
إلى جانب ذلك، نص القانون صراحة على أن أي اعتراف تحت الإكراه أو العنف باطل وغير معتدّ به، كما يتعرض مرتكب العنف أو الإكراه للعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي.
ويجب على وكيل الملك أيضا إذا طلب منه إجراء فحص طبي أو عاين بنفسه آثارًا تبرر ذلك أن يخضع المشتبه فيه لذلك الفحص الذي يجريه طبيب مؤهل لممارسة مهام الطب الشرعي أو طبيب آخر في حالة تعذر ذلك.
حماية الضحايا
من جانب آخر، يركز النص بشكل كبير على الحماية القانونية لضحايا الجريمة وإيلائهم العناية الخاصة بهم فيما يخص الدعم والمساندة وتحقق سبل الإنصاف، كالحِرص على إشعار الضحية أو المشتكي بمآل الإجراءات خلال كافة أطوار القضية، وتمتيع فئات منهم كالأمهات والأشخاص المنصوص عليهم في المادة 316 من هذا القانون بمساعدة محام، وتعيين المحكمة للضحية ترجمانًا إذا كان يتكلم لغة أو لهجة يصعب فهمها.
وفي نفس السياق، تقرر الإحداث الرسمي لخلایا التكفّل بالنساء والأطفال بالمحاكم، يُعهد لها بتدبير إجراءات الحماية في قضايا العنف وسوء المعاملة والاعتداءات الجنسية والاتجار بالبشر ضد النساء والأطفال.
كما تقرر تعزيز دور مكتب المساعدة الاجتماعية بالمحكمة في الاهتمام بالضحايا من النساء والأطفال، من خلال تقديم الدعم النفسي لهذه الفئات والاستماع إليهم ومواكبتهم داخل المحكمة وخارجها، وإجراء الأبحاث الاجتماعية في القضايا التي يُكلَّف بها.
حماية الأحداث
أكد القانون أن محاكمة الأحداث لا تكتسي طبيعة عقابية، وأنه يتعين مراعاة المصلحة الفضلى للحدث في جميع الإجراءات، بما فيها تقدير التدبير الملائم له وتغليبه على باقي الاعتبارات.
ومن ضمن التدابير التي نص عليها القانون في هذا الإطار، تحديد سن الرشد الجنائي في 18 سنة ميلادية كاملة، مع رفع السن الموجب لاتخاذ تدابير ماسة بحريته في حالة ارتكابه جنايات أو جنح.
كما نص كذلك على إحداث هيئات متخصصة للنظر في قضايا الأحداث سواء على مستوى جهاز الشرطة القضائية أو المحاكم، وتعزيزها بآليات ومؤسسات ومساعدين ومساعدات اجتماعيات بمكتب المساعدة الاجتماعية، والذين يقومون بالاستقبال الأولي للأطفال الضحايا في مكتب خاص يراعي خصوصية أوضاعهم ومصلحتهم الفضلى، ويعملون على تقديم الدعم النفسي لهم والاستماع إليهم، كما يتولون مرافقتهم خلال كافة مسار ومراحل الدعوى.
إضافة إلى التنصيص على مجموعة من المبادئ والإجراءات التي تتناسب وخصوصية فئة الأحداث، كوجوب فصل قضاياهم عن الرشداء، والحفاظ على سرية الجلسات، وخصوصية بيانات بطائق السجل العدلي، ومنع نشر بيانات الجلسات أو نشر كل نص أو رسم أو صورة تتعلق بهوية الحدث، بغض النظر عن وضعه.
التحقق من الهوية
ينص القانون على أن التحقق من الهوية يتم وفق مقتضيات خاصة، إذ يمكن لضباط الشرطة القضائية وأعوانهم، وبأمر منهم، التحقق من هوية الأشخاص المشتبه في ارتكابهم أو محاولة ارتكابهم جريمة، أو الذين يشكلون تهديدًا للأشخاص أو الممتلكات أو للأمن العام، أو الذين قد يتوفرون على معلومات مفيدة للبحث، أو الذين هم موضوع أبحاث أو تدابير مأمور بها من قبل السلطات القضائية المختصة.
في حالة رفض الشخص الإدلاء بهويته أو تعذر التعرف عليها، يمكن اقتياده إلى مقر الشرطة القضائية من أجل التحقق منها، مع إشعار وكيل الملك وأفراد عائلته أو محاميه أو أي شخص يختاره، ويُشعَر ولي أمره فورًا إذا كان حدثًا، ولا يجوز أن تتجاوز مدة الإيقاف لأجل التحقق من الهوية أربع ساعات، ويمكن تمديدها لأربع ساعات إضافية بإذن من وكيل الملك، الذي يمكنه وضع حد للإجراء في أية لحظة.
كما يمكن لضابط الشرطة القضائية، بعد إشعار وكيل الملك، أخذ بصمات الشخص أو بصماته الجينية أو صوره، إذا رفض التعريف بهويته أو قدم معلومات غير صحيحة تتعلق بها أو تعذر التعرف عليها بوسائل أخرى، وذلك بهدف التحقق من هويته.
ويحرر ضابط الشرطة القضائية محضرًا رسميًا يبيّن فيه أسباب إجراء التحقق من هوية الشخص وكيفية وشروط القيام به، والإجراءات المتخذة ووقت إيقافه واقتياده وإطلاق سراحه أو وضعه تحت الحراسة النظرية عند الاقتضاء، ويوقع الشخص المعني أو يبصم على المحضر، أو يُشار إلى رفضه مع بيان الأسباب، ويحَال المحضر إلى وكيل الملك فور انتهاء العملية، ويتم إتلافه بعد مرور سنة إذا لم تُسجل أي متابعة قضائية، باستثناء البصمات الجينية التي تحتفظ بها المصالح المختصة.
تقنيات حديثة لمحاربة الجريمة
المبدأ العام الذي يضعه القانون هو المنع التام لالتقاط المكالمات الهاتفية أو تسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها، ويُستثنى من ذلك فقط الحالات التي يتم فيها الحصول على إذن كتابي من قاضي التحقيق أو النيابة العامة.
هذا الإذن يُسمح به فقط في حالات خاصة ووفقًا لظروف معينة، حيث يُجيز للنيابة العامة أو قاضي التحقيق إصدار أمر مكتوب يسمح للشرطة القضائية بالتقاط الأصوات، تسجيل الصور، بث المعطيات الإلكترونية، وتحديد المواقع، وهو إجراء يتم تطبيقه في حالات محددة تتعلق بالجرائم الخطيرة أو ذات التعقيد التقني، مثل الجرائم التي تتعلق بالشبكات الإجرامية المنظمة أو الجرائم التي تستدعي تقنيات خاصة لتوثيق الأدلة أو متابعة الجناة.
وفي ما يخص العقوبات، حدد القانون عقوبات صارمة في حال تم الكشف عن عمليات التقاط الاتصالات أو تسريب المعطيات المتعلقة بها، وإذا قام موظف أو عون سلطة بالكشف عن هذه العمليات أو تسهيلها أو تبديد المعطيات، فإن العقوبة المقررة هي السجن من خمس إلى عشر سنوات، خاصة إذا ارتُكبت الأفعال لأغراض إرهابية، إضافة إلى عقوبات أخرى على الموظفين الذين يسيئون استخدام المعطيات الملتقطة.