في مهرجان الجوهرة الزرقاء.. غيري يُبهر المغاربة بعرض ذهني خارق

في مشهد استثنائي يجمع بين عبق التاريخ وروح التنافس، حَلَّ النجم الهولندي العالمي في الشطرنج، آنيش غيري (Anish Giri)، بمدينة شفشاون للمشاركة في فعاليات النسخة الـ21 من مهرجان شفشاون الدولي للشطرنج، الذي تنظمه جمعية ألوان فنية للشطرنج، تزامنًا مع اليوم العالمي للشطرنج.
وشهدت ساحة وطاء الحمام التاريخية مساء الأحد 20 يوليوز 2025، لحظة رياضية نادرة، حيث خاض البطل العالمي مباراة جماعية آنية ضد خمسين لاعبًا مغربيًا في آن واحد، داخل فضاء مفتوح تميز بإقبال جماهيري واسع، وسط حضور نوعي للاعبين والهواة والمهتمين بالشطرنج.
ووقف آنيش غيري، الأستاذ الكبير (Grandmaster) منذ سنة 2009، المصنف لسنوات ضمن أفضل عشرة لاعبين في العالم، (وقف) في قلب مستطيل كبير شكّلته الطاولات المرصوصة في وسط الساحة، متحركًا بخفة وهدوء بين الرقع الخمسين، متأملًا ومحللًا الوضعيات بدقة وسرعة، ما أثار إعجاب المتابعين بقدراته الذهنية الخارقة وأسلوبه الاستراتيجي الرصين.
ومع انكسار أشعة الشمس تدريجيًا فوق فضاء المدينة القديمة، استمرت المباراة الجماعية لنحو ثلاث ساعات كاملة، ظل خلالها البطل العالمي يتنقل بين الرقع الخمسين بثبات وثقة، ويحقق فوزا على الجميع كما كان متوقعا.

وقد تابع هذه المباراة الفريدة عشرات من سكان المدينة وزوارها والسياح الأجانب، الذين اكتظت بهم شرفات المقاهي والمطاعم المطلة على الساحة، حيث راحوا يناقشون حركات اللاعبين ويُبدون إعجابهم بالحماس الجماعي الذي صنعه اللقاء.
“انخرطت الجوهرة الزرقاء شفشاون في الاحتفال العالمي بالشطرنج، واختارت أن تحتفي بهذه المناسبة بأسلوب مميز ومفتوح في قلب المدينة، حيث استطاعت أن تستقطب أحد عمالقة اللعبة على المستوى الدولي”، هكذا استهل نائب مدير المهرجان، عبد السلام مويسو، تصريحه لصحيفة “صوت المغرب”.
وصرّح مويسو قائلًا: “آنيش غيري ليس لاعبًا عاديًا، بل يُعد من بين العشرة الأوائل عالميًا، وتمكّنا من استضافته في هذه المناسبة الخاصة، وهو ما يُعد إنجازًا كبيرًا للمهرجان ومدينة شفشاون.”
وأوضح أن التنسيق مع نجم من هذا الحجم تطلّب مجهودًا ووقتًا طويلًا، مبرزا أنه “بفضل المبادرة التي قام بها الأستاذ الدولي الكبير هشام الحمدوشي، تمكّنا من ربط الاتصال بغيري، وقد لبّى الدعوة، ما أعطى لهذه الفعالية طابعًا عالميًا ومستوى احترافيًا غير مسبوق.”
وبعد نهاية المباراة، أعرب الأستاذ الكبير والنجم العالمي في رياضة الشطرنج، آنيش غيري، عن سعادته البالغة بالمشاركة في فعاليات مهرجان شفشاون الدولي للشطرنج، مؤكدًا أن زيارته الأولى إلى المغرب ومدينة شفشاون شكّلت تجربة مميزة واستثنائية على جميع المستويات.
وأشاد غيري في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” بجمالية شفشاون وكرم ضيافة أهلها، معتبرًا أن الفعالية نُظّمت في مكان مميز واستثنائي، وأن أجواء المدينة وتفاعل سكانها منحه شعورًا خاصًا، متمنيًا أن تعود هذه التظاهرة الرياضية بالنفع على الجميع، سواء من حيث نشر ثقافة الشطرنج أو تحفيز الأجيال الجديدة على ممارسته.
وفي حديثه عن المباراة الجماعية الآنية التي واجه خلالها عشرات اللاعبين المغاربة دفعة واحدة، أشار غيري إلى أنها كانت تجربة ممتعة رغم كونها مرهقة وطويلة نسبيًا، خاصة مع تأخر الوقت، لكنه أكد أن الحماس الكبير الذي لمسه لدى المشاركين جعله يشعر بالسعادة والفخر لكونه جزءًا من هذا الحدث.
كما عبّر عن إعجابه بمستوى العديد من اللاعبين الشباب، قائلاً: “إنهم يملكون مستقبلًا واعدًا في عالم الشطرنج، إذا واصلوا التدريب والمثابرة”، داعيا إلى الاستمرار في ممارسة هذه الرياضة الذهنية الراقية.
من جانبه، قال الأستاذ الدولي المغربي مبارك ريان، بطل المغرب السابق وعضو اللجنة التنظيمية للمهرجان، إن هذه المباراة تُعد من أبرز الفقرات في برنامج المهرجان، حيث يتنقل الأستاذ الكبير بين خمسين رقعة شطرنج، ويقوم بإنجاز نقلاته بسرعة فائقة، بينما يحظى كل لاعب بوقت مضاعف يُقدَّر بخمسين مرة، مما يمنحهم فرصة كافية لتحليل الوضعيات والتفكير في النقلات المناسبة.
وأوضح الخبير وهو يتابع المباراة عن كتب “ما يقوم به الأستاذ غيري يُعد إنجازًا حقيقيًا في عالم الشطرنج، حيث يتطلب الأمر ذاكرة قوية وقدرة استثنائية على التركيز وتحليل الوضعيات المختلفة في وقت وجيز.”
وأضاف ريان أن الأستاذ غيري يتمكن، في كل مرة يقف فيها أمام رقعة، من التعرف سريعًا على طبيعة الوضعية والنقلة التي قام بها خصمه، ثم يرد بنقلته المناسبة في ثوانٍ قليلة، دون الحاجة إلى التفكير الطويل، وهو ما يُبرز مدى عمق معرفته وخبرته بالشطرنج.
وأشار إلى أن هذا النوع من المباريات الجماعية الآنية لا يختبر فقط المهارة التقنية، بل يكشف أيضًا عن قوة التحمل الذهني وسرعة الاستيعاب، مؤكدًا أن ما شاهده الجمهور كان عرضًا استثنائيًا بكل المقاييس.
واعتبر أن هذه الفعالية تعتبر إحدى المحطات البارزة في مهرجان شفشاون للشطرنج، الذي يجمع بين التنافس الرياضي والعروض الفكرية، ويهدف إلى ترسيخ ثقافة الشطرنج وتوسيع قاعدته الجماهيرية في المغرب.

ومن جهته، عبّر عمر الرحموني، لاعب فريق جمعية الألوان الفنية للشطرنج، بعد خسارته أمام اللاعب الدولي التي جاءت بعد صمود طويل، (عبر) عن سعادته الكبيرة بالمشاركة في فعاليات الاحتفال باليوم العالمي للشطرنج، الذي احتضنته مدينة شفشاون في أجواء مميزة وسط المدينة العتيقة.
وقال الرحموني: “نحن سعداء للغاية بهذه التظاهرة الرائعة، التي جمعت مختلف الفرق الوطنية في جو من التنافس والاحتكاك مع نخبة من أبرز أبطال الشطرنج العالميين، ما يُعد فرصة متميزة لتحسين تصنيفاتنا الدولية”.
وأضاف المتحدث أن أبرز لحظات هذا اليوم كانت المباراة الجماعية الآنية التي خاضها المشاركون ضد النجم العالمي آنيش غيري، المصنف حاليًا ضمن العشرة الأوائل على مستوى العالم، معتبرًا أن “الاحتكاك بهذا اللاعب الكبير كان تجربة فريدة ومفيدة”.
وتابع قائلًا: “استمتعنا كثيرًا بالتعرف على أسلوب لعبه واستراتيجيته، كما استفدنا من التفاعل مع باقي اللاعبين واللاعبات الذين عرض كل واحد منهم طريقته الخاصة في محاولة تحدي هذا البطل العالمي”.
وخلص الرحموني إلى بلإشادة بالأجواء العامة للفعالية، قائلًا: “عشنا أمسية استثنائية ومتميزة في فضاء ساحر هو ساحة وطاء حمام، بقلب المدينة القديمة لشفشاون، وكانت تجربة رائعة ستظل راسخة في الذاكرة”.