في ظل تراجع النفوذ الفرنسي.. كيف يعزز المغرب حضوره في دول الساحل والصحراء؟
كثّفت المملكة المغربية جهودها في السنوات الأخيرة، لتعزيز علاقاتها مع دول منطقة الساحل والصحراء، وذلك من خلال توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات متعددة. خاصة في ظل تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة بعد انسحاب باريس من عدة دول كتشاد والنيجر وبوركينافاسو ومالي وغيرها.
وكان آخر هذه المبادرات، توقيع المغرب اتفاقية التعاون العسكري مع بوركينا فوسو، في أعقاب الاجتماع الأول للجنة العسكرية المشتركة بين واغادوغو والرباط، الذي انعقد بالعاصمة المغربية في الفترة الممتدة بين 16 و19 دجنبر الجاري.
والتزم الطرفان، في الاجتماع التي ترأسه العميد رشيد زروقي رئيس قسم العلاقات الخارجية للقوات المسلحة الملكية، والعميد جان باتيست كابوري المدير العام للتعاون العسكري والدفاع البوركينابي، بدعم الجهود المشتركة لتحقيق الأهداف المرجوة.
في هذا الصدد، يرى عبد الفتاح الفاتيحي مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن اتفاق التعاون الدفاعي بين الرباط وواغادوغو من شأنه “دعم الأمن والاستقرار في بوركينا فاسو، وفتح المجال لمزيد من الاتفاقيات العسكرية مع باقي دول الساحل”.
ويوضح الفاتيحي أن دول الساحل والصحراء ودول غرب إفريقيا “تشكل سوقاً اقتصادية واعدة”، مشيراً إلى أنها “لا تقل أهمية عن التعاقدات العسكرية في سياق تعزيز النفوذ العسكري المغربي في المنطقة، وحماية الواقع الاقتصادي والتنموي الناشئ مع دول غرب إفريقيا ودول الساحل والصحراء”.
وقال المحلل السياسي إن “التخطيط الاستراتيجي لجلالة الملك محد السادس، انطلاقاً من استراتيجية التعاون جنوب-جنوب، عزز توسيع نفوذ الدبلوماسية الاقتصادية الناعمة”.
ولفت إلى أنه من أجل “تعميق هذا الاختراق الاقتصادي والمساعدة في بناء اقتصاد إفريقي دامج، شكلت المبادرة الملكية الأطلسية عنصر قوة كبيرة لمزيد من الانفتاح المنتج للمغرب في مجاله الحيوي في غرب إفريقيا”، وذلك عبر إنشاء أنبوب الغاز الأطلسي وعبر المنافذ البحرية الأطلسية لصالح دول الساحل والصحراء.
وشدد على أن تخطيطاً استراتيجياً كهذا يتطلب بالضرورة “تعزيز نفوذ المغرب عسكرياً، لا سيما وأن المبادرة الأطلسية استهدفت تعزيز الأمن والاستقرار لصالح دول الساحل”.
ويأتى هذا التقدم المغربي في المنطقة بعد الأزمة بين دول الساحل وفرنسا، يضيف المتحدث مما “سيعزز العلاقات المغربية-الفرنسية لدعم المصالح الفرنسية بالقارة الإفريقية”، معتبراً أن الوساطة الملكية التي مكنت من إطلاق سراح 4 رهائن فرنسيين لدى بوركينافاسو “تكشف عن عمق العلاقات المغربية مع دول الساحل الأفريقي”.
وفي الآونة الأخيرة، كثفت المملكة المغربية تحركاتها الاستراتيجية نحو المنطقة، وذلك في إطار سياسة خارجية تهدف بشكل حاسم إلى تعزيز نفوذها في القارة الإفريقية، مع التركيز على هذه المنطقة الحيوية.
وكان المغرب قد استضاف في هذا السياق اجتماعاً وزارياً رفيع المستوى، بتاريخ 23 دجنبر 2023، ضم وزراء خارجية دول الساحل والصحراء من مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو، برئاسة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة.
وجاء هذا الاجتماع لاستكمال المبادرة التي طرحها الملك محمد السادس بهدف تسهيل وصول هذه الدول إلى المحيط الأطلسي، والتي كانت قد تمت بلورتها بشكل قاطع في خطاب العاهل المغربي بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء في نونبر 2023، الذي تناول بشكل مباشر الإشكالات التي تواجه دول الساحل والصحراء في تحقيق التنمية والاستقرار.
هذا ويأتي التحرك المغربي بالتزامن مع تطور لافت تمثل في انسحاب فرنسا التدريجي من عدة دول في المنطقة، وإعلان بعض هذه الدول منها مالي والنيجر وبوركينا فاسو بشكل صريح عدم رغبتها في استمرار الوجود الفرنسي على أراضيها، مع تصاعد موجات الرفض الشعبي والنخبوي ضد الدور الفرنسي، حيث اتُهمت باريس بالفشل في تحقيق الأمن والاستقرار، إلى جانب استغلال ثروات المنطقة دون إحداث تنمية حقيقية.