في ظل التحولات الراهنة.. أكاديميون يناقشون دور الدبلوماسية المغربية في تعزيز سيادة المملكة على الصحراء
في ظل التحولات الراهنة على مستوى قضية الصحراء المغربية، شكلت الدبلوماسية المغربية باعتبارها العامل الحاسم في تعزيز سيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، والتصدي للمناورات التي تستهدف المساس بوحدتها الترابية، أحد الأدوات الرئيسية في الترافع عن مغربية الصحراء كونها قضية وطنية.
في هذا السياق، سلط أكادميون وبرلمانيون ودبلوماسيون، خلال ندوة وطنية، اليوم الخمبيس 19 دجنبر 2024، بعنوان “الصحراء المغربية في ظل التحولات الراهنة”، (سلطوا) الضوء على أدوار الدبلوماسية على اختلاف مواقعها بينها برلمانية وناعمة على مستويات عدة بينها ما هو أكاديمي وثقافي، ودبولماسية يقودها الملك محمد السادس اعتدت وفق باحثين على اعتماد استراتيجية استباقية في الترافع عن قضية الصحراء.
دبلوماسية برلمانية
في هذا الصدد، تحدثت سلمى بنعزيز انطلاقاً من موقعها السياسي رئيسة للجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية وشؤون الهجرة والمغاربة المقيمين بالخارج في مجلس النواب،عن دور الدبلوماسية البرلمانية في ظل هذه التحولات الراهنة، مشددة على أن “الدبلوماسية البرلمانية تُكمل جهود الدبلوماسية الرسمية بقيادة الملك محمد السادس، والدبلوماسية التي تديرها وزارة الخارجية”.
وأشارت بنعزيز إلى أن الدبلوماسية البرلمانية “تكتسب قيمتها من كون البرلمانيين يمثلون الأمة، وهو ما يمنحهم “هامشاً للتعبير والتواصل مع جهات أجنبية بطريقة مباشرة”، مشيرة إلى أن ممثل الشعب في إشارة إلى البرلماني “يتحدث من موقعه القريب من المواطنين، مما يعزز مصداقية خطابه وقدرته على التأثير”.
وعلى المستوى الدولي، تقول النائبة سلمى بنعزيز إن البرلمان المغربي يحظى بتمثيل واسع في مختلف المنظمات البرلمانية، حيث أنه “حاضر بقوة في البرلمان الإفريقي، وكذلك في دول آسيا وأمريكا اللاتينية، مثل البرلمان الأنديني”، فضلاً عن أنه يشارك بنشاط في القارة الأوروبية، وخاصة في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، وفقاً للمتحدثة التي لفتت إلى “وجود دينامية واضحة اليوم في العلاقات البرلمانية المغربية-الأوروبية، بعد مرحلة من التجميد بدأت في يناير 2013”.
واستحضرت رئيسة لجنة الخارجية في مجلس النواب زيارة حديثة لرئيس هذا الأخير إلى البرلمان الأوروبي، والتي “صدرت خلالها رسائل هامة أبرزها احترام سيادة المملكة المغربية على أراضيها”، وأشارت إلى أنه “نتيجة لهذه الجهود، تم إلغاء مجموعة العمل الخاصة بالجمهورية المزعومة، التي كانت قائمة منذ سنوات”، منبهة إلى أن هذه “التطورات تؤكد أهمية العمل البرلماني في دعم القضية الوطنية وتعزيز مكانة المغرب دولياً”.
الدبلوماسية الناعمة
ومن جهته، توقف المختار غامبو الأستاذ الباحث في الدراسات الإفريقية والأمريكية عند دور الدبلوماسية الموازية في التأثير باتجاه الاعتراف بمغربية الصحراء خاصة من قبل واشنطن، مفضلاً تسميتها “دبلوماسية ناعمة”، التعبير الأمريكي الذي يتوافق مع مصطلح “القوة الناعمة” مشيراً إلى أن هذه الأخيرة “يجب أن تتقاطع مع الدبلوماسية الرسمية في بعض الأحيان، متسائلاً “ما هي المراحل التي يجب أن تتقاطع فيها الدبلوماسية الرسمية مع الدبلوماسية الموازية أو الناعمة؟”.
وأوضح غامبو أن الدبلوماسية الناعمة تتعلق بالقيم والدين والرياضة والثقافة، قبل لن يتوقف خلال مداخلته في ندوة “قضية الصحراء المغربية في ظل التحولات الراهنة”، عند دور هذه الدبلوماسية الناعمة في اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، مشيراً إلى أهمية الموضوع خاصة مع القلق خلال إدارة بايدن والتساءلات التي صاحبتها من قبيل “لماذا لم يتم تنفيذ ذلك؟ وما موقف ترامب أيضاً؟ هل سيقبل الرئيس بايدن بفتح سفارة في الداخلة كما وعد بها ترامب أم لا؟”.
ونبه المتحدث إلى أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يعد من بين التحولات الكبرى الراهنة في القضة، موضحاً أنه لا يعتبر موقفاً شخصياً فقط، إذ أنه “مساومة سياسية للرئيس ترامب”، مشيراً إلى أن دور الجامعة ضمن الدبلوماسية الناعمة كفضاء أكاديمي هو توظيف السردية الأمريكية، “لأن هذه الأخيرة تأتي من داخل المجتمع الأمريكي نفسه”.
وير السفير السابق المختار غامبو أن قضية الصحراء والإجماع الوطني حولها جعلت من كل مغربي دبلوماسياً بطريقته الخاصة، إذ “لا يمكن احتكار قضية وطنية مهما كان الحال، مشدداً على ضرورة توظيف السردية الأمريكية من أجل الإقناع، والحفاظ على اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء.
وسلط الضوء أيضاً أهمية الحضور المغربي في أمريكا، موضحاً أن صناع السياسة الخارجية الأمريكية لا يتعلق بفاعل واحد في الكونغرس أو الرئاسة، “وإنما هناك دور كبير للعديد من الفاعلين في الولايات المتحدة”.
وأشار إلى أن أغلب المنظمات الفكرية في الولايات تتبنى الطرح المغربي، بينها مؤسسة “كاونسل” ومعهد “واشنطن إنستيتيوت ستاديز”، الذي كان قد نظم وفد منه برئاسة المدير التنفيذي زيارة إلى مدينة الداخلة في أواخر أكتوبر الماضي، ولفت غامبو إلى أن المغرب حاضر بقوة أيضاً في هوليوود، لافاتاً إلى أنه “لا يجب تجاوز الدور المهم لهوليوود في تسويق صورة بلد معين، والمغرب حاضر جداً منذ 1930”.
وأفاد المختار غامبو بأن الجالية المغربية المقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية، لها دور أيضاً على مستوى الدبلوماسية الناعمة، مبيناً أنه “عليها توظيف حضورها في المعاهد الأمريكية باختلافها”.
دبلوماسية استباقية
وبعيداً عن الدبلوماسيتين البرلمانية والموازية، سلط نجيب حجيوي الأستاذ الباحث في كلية العلوم القانونية والسياسية بسطات الضوء على دينامية تدبير قضية الصحراء المغربية في فكر الملك محمد السادس، مشيراً إلى أنه تم الانتقال مع هذه الدينامية إلى استراتيجية استباقية قائمة على دبلوماسية الأهداف عوض دبلوماسية الوسائل، وذلك وفق محركات أساسية، بينها “الربط الجدلي والوظيفي بين تنمية الأقاليم الجنوبية والتطورات في الصحراء المغربية”، حيث أن الملك كان حاسماً بشكل مطلق بخصوص أن “المسار الشاق والطويل لقضية الصحراء المغربية لن يمنع من مواصلة مسلسل التنمية”، لافتاً إلى أن الملك يؤكد أن “أحسن رد على الآخر هو التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان”.
وأشار حجيوي أيضاً إلى أن تعبئة الجبهة الداخلية من بين المحركات الأساسية للاستراتيجية الاستباقية، بحيث أن الملكي يدعو بشكل غير مسبوق إلى يقظة الجبهة الداخلية عبر الدبلوماسية الوقائية من قبل جميع القوى والأطراف الرسمية وغير الرسمية، ولهذا لم تعد الدبلوماسية المغربية قائمة على ردود الفعل البعدية فقط، بل على الاستباقية والوقائية، من خلال “إبعاد كل المخاطر مسبقاً بغية تحقيق النجاعة والفعالية عبر تأهيل الديبلوماسية المغربية وجعلها دبلوماسية الأهداف من خلال استغلال الفرص الكبرى، وتعبئة جميع الموارد، والحضور الدائم في مختلف الملتقيات الدولية بغية الترويج للمبادرة الوطنية للحكم الذاتي باعتباره أعلى سقف للتفاوض، والعمل على تطوير شبكة من العلاقات الموازية المتعددة”.
ولفت أيضاً إلى أهمية تعبئة وتأطير مغاربة العالم، فضلاً عن “مخاطبة الجزائر لترجع إلى جادة الصواب”، ومعها المغاربة المحتجزين في تندوف، وإعادة النظر في صدق العلاقات مع الدول المترددة من عدمها، بحكم “أن الدبلوماسية المغربية في عهد الملك محمد السادس لم تعد قائمة على سياسة جبر الخواطر والمهادنة، بل أصبحت تعتمد على منطق المصلحة الوطنية أولاً، وذلك من خلال اعتبار قضية الصحراء المغربية المعيار الحاسم والنهائي في ضبط العلاقات والشراكات مع الغير، وهو ما دفع عددا من الدول إلى توضيح مواقفها أو مراجعتها مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا، إضافة إلى دول إسكندنافية وأخرى في إفريقيا وإمريكا اللاتينية.
وعلى إثر هذا المحرك السادس، “ارتفع منسوب مسلسل سحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية المزعومة، بل والمسارعة نحو فتح ممثليات وقنصليات لكل الأمم الجنوبية”، ومن ذلك أيضاً الاعتماد في سياق الاستراتيجية الاستباقية على المحور الأطلسي المتوسطي كمنصة للتعاون والتبادل الحر وتعزيز القدرات التنافسية، وتطوير اقتصاد بحري وتجاري مهم يخدم المصالح المشتركة مع الدول العربية والإفريقية والولايات المتحدة الأمريكية ودول غرب أمريكا وأمريكا اللاتينية والكاريبي خصوصاً.
صبر استراتيجي ومكتسبات
ومن جهته قال عبد العالي بنلياس، الأستاذ الباحث في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي إن المغرب اعتمد منذ بداية الصراع سياسة “الصبر الاستراتيجي”، خاصة بعد وقف إطلاق النار، موضحاً أن هذه “الاستراتيجية سعت للتكيف مع التحولات المختلفة التي شهدتها قضية الوحدة الترابية والمغربية للصحراء”، وذلك لأن هذا المسار “لم يكن دائماً إيجابياً، بل تخللته معارك وإخفاقات، ومحاولات لاحتواء المغامرة المغربية وضغوطات سياسية”.
وأضاف بنلياس، في معرض حديثه عن مكتسبات الدبلوماسية المغربية في تثبيت مغربية الصحراء، أن المغرب استطاع التغلب على هذه الصعوبات من خلال تبني استراتيجية الصبر الاستراتيجي، مشيراً إلى أن الصراع حول الأقاليم الجنوبية بدأ في نفس الوقت الذي اكتسب فيه المغرب شرعيته القانونية والتاريخية من خلال حكم محكمة العدل الدولية في عام 1956.
وتابع بنلياس أنه من خلال مبادرة الحكم الذاتي، التي تُعتبر قراراً استراتيجياً في السياسة الخارجية المغربية، تم تعزيز سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، كما أن هذه المبادرة لقيت صدى كبيراً على الساحة الدولية، خ”اصة في العلاقات مع دول أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، والدول الأنغلو-ساكسونية”، معتبراً أن مبادرة الحكم الذاتي هي “الحل السياسي الأمثل لحل نزاع الصحراء، كما أن المخطط الأممي والتسوية المرتبطة بالاستفتاء قد وصل إلى طريق مسدود”.
وخلص الأستاذ الباحث في جامعة محمد الخامس إلى أن قرار المغرب أيضاً العودة إلى الاتحاد الإفريقي بعد انسحابه منه “على مضض”، مشيراً إلى أن هذا “القرار لم يكن سهلاً، صحيث كانت هناك مخاوف من أن يُعتبر اعترافًا بالجمهورية الصحراوية المزعومة”.
كما أوصح أنه اختار العودة إلى الاتحاد الإفريقي “من أجل لعب دور فعال في المنظمة، والعمل على طرد الجمهورية الصحراوية من الاتحاد، وتوضيح موقفه حول قضية الوحدة الترابية، مؤكداً على أنه من خلال هذه العودة، “تمكنت الرباط من تحقيق عدة مكاسب على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، بما في ذلك تراجع عدد من الدول عن اعترافها بالجمهورية الصحراوية، مما يساهم في تعزيز السيادة المغربية على صحرائه”.