story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
المؤسسة الملكية |

في ضيافة جورج بوش

ص ص

كانت من بين المحطات الدولية الأولى في أسفار الملك محمد السادس بعد توليه الحكم، زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في عهد جورج بوش الابن. وهذه جوانب من هذه الزيارة كما يرويها فتح الله ولعلو، وزير الاقتصاد والمالية السابق، في حكومتي عبد الرحمان اليوسفي وإدريس جطو، ضمن كتاب مذكراته “زمن مغربي.. مذكرات وقراءات:

“الرحلة الثالثة مع جلالة الملك محمد السادس إلى الخارج كانت إلى واشنطن (مرتين). واحدة فى آخر ولاية الرئيس الديمقراطى بيل كلنتون والثانية فى عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن.

سمح لي ذلك بالقيام بمقارنة بين الجو المحيط بشخص كلينتون والجو المحيط بشخص بوش الابن، حيث وقفت على عالمين مختلفين تماما.

بیل کلینتون رجل دولة بكل ما في الكلمة من معنى، جد ودود ومتواضع، بعد لقاءه جلالة الملك بالمكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، انتقلنا إلى مكتب مجاور به طاولة حوار، حيث وضع أمامه دفترا صغيرا سجل به عددا من النقط، ثم أكد للعاهل المغربي بكل صراحة أنه غير متخصص كثيرا في المغرب، لكن إدارته قد هيأت له عددا من المعلومات، وهو ملزم بمتابعة تلك المعلومات بالنسبة له المغرب مندرج في جزء من العالم، تنظر إليه إدارته كوحدة من المغرب حتى أفغانستان، وأن الجديد اليوم، في هذه المنطقة بالنسبة لفريقه، هو وصول عدد من القادة الجدد إلى الحكم، وأن جلالته واحدة منهم، إضافة إلى الملك عبد الله بالأردن وملك البحرين، مؤكدا أن إدارته متفائلة مع وصول هؤلاء القادة الجدد إلى الحكم.

لكن ما يقلقهم وفتح أوراقه بعد أن استأذن من جلالة الملك وبدأ يقرأ بالحرف)، هو أن منطقتنا الممتدة حتى أفغانستان، سوف تشهد خلال العقود القادمة موجة متسعة من سنوات الجفاف، بسبب التغير المناخي، مما سيخلق لكم ولنا نحن أصدقاؤكم، تحديات كبيرة.

كنا فعليا في سنة ثانية للجفاف حينها، وبصفتي وزيرا للاقتصاد والمالية توجست جديا من ذلك التصريح الرئاسي الأمريكي المسنود كما تصورته بدراسات أكاديمية. لكن في السنة الموالية والسنوات التي تلتها، هطلت الأمطار بشكل مطمئن في المغرب، فاتضح لي بعدها أن إدارة كلينتون قد هيأت له أوراقا وتقارير غير دقيقة تماما.

حضرت أيضا استقبال جلالة الملك لعدد من الشخصيات بواشنطن، خاصة رئيس البنك العالمي جيمس ويلفنسون ترأس البنك العالمي من يونيو 1995 حتى ماي 2005. كان هذا الرجل ينحدر من أصول يهودية أسترالية، له جنسية أمريكية، وكانت له معرفة بعدد من الشخصيات المغربية خاصة مع مستشار جلالة الملك أندري أزولاي.

واعتبارا لمهامي الحكومية فقد كنتُ كثير اللقاء به، سواء في واشنطن أو في المغرب. مثلما حضرت استقبال جلالة الملك للجالية اليهودية المغربية بالولايات المتحدة، ما جعل تلك الزيارة تختلف كثيرا عن الزيارات الملكية إلى أوروبا.

لكنني لم أنس قط في تلك الزيارة، حفل العشاء الذي خصصه الرئيس كلينتون لجلالته والوفد المغربي. كانت زوجته السيدة هيلاري كلنتون قد عادت لتوها من زيارة إلى المغرب رفقة ابنتها، وأخبرت أنها قد أُغْرِمَتْ كثيرا بمنطقة مرزوكة بتافيلالت، وأنها من هناك أجرت أول اتصال مصالحة مع زوجها بعد فضيحته مع المتدربة بالبيت الأبيض مونيكا لوينسكي.

بالتالي فقد كنا نستشعر أنه قد أصبح لها تعلق ذاتي بالمغرب، بدليل أنه في ذلك العشاء الذي نُظم تحت خيمة كبيرة ضمت مئات المدعوين من زبدة المجتمع الأمريكي، وعلمت بعد بحث مني عن ميزانية ذلك الحفل، أن كل مدعو قد دفع ما قيمته ألف دولار للحصول على دعوة العشاء، مما يعتبر تقديرا خاصا لضيف الرئيس الأمريكي وفي نفس الوقت دعما له.

بل إن ذلك العشاء كان آخر عشاء رسمي نظمه الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته الثانية، وأكثرها حميمية، كما لو أنها استقبال عائلي لملك المغرب، بدليل أن الرئيس بيل كلنتون بعد تناول العشاء، وفي لحظة انتشاء وغبطة، صعد إلى مكان تواجد الفرقة الموسيقية وتناول آلة الساكسوفون وشرع يعزف مقاطع جميلة على شرف جلالة الملك، ثم نادى على زوجته هيلاري أمام أنظار الجميع وشرع يرقص معها.

في الزيارة الثانية إلى واشنطن مع جلالة الملك على عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن، كان الجو مختلفا.

استقبل الرئيس الأمريكي العاهل المغربي برتوكوليا بالمكتب البيضاوي، وبعد كلمتيهما القصيرتين أمام الصحفيين، انطلقت المحادثات. كان بوش محاطا بصقوره المشهورين (كونداليزا رايس، ديك تشيني دونالد رامسفيلد)، جالسا بشكل مختلف عن كلينتون، حيث جلس بوش فاتحا رجليه على طريقة فلاحي تكساس، وضحكته مسموعة كبيرة.

أحسست أن ثمة مسافة هائلة بين الرئيسين لأنه مع كلينتون تحس رجل الدولة، مع بوش ينتابك إحساس آخر. بل إنه حتى أثناء حفل الغداء كان الجو مختلفا، ولم تتميز تلك الزيارة بأية خاصية. صحيح أنه ترسخ عمق العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، لكن بروتوكوليا، كانت الزيارة عادية.

قرر جلالة الملك بعد نهاية أيام الزيارة الرسمية التوجه إلى حيث يقيم بوش الأب الرئيس الأسبق لأمريكا في بداية التسعينات، بمنزله بتكساس. ركبنا الطائرة لتناول العشاء في بيته هناك.

صادف أن نظم حينها بتلك المنطقة معرض للعائلات التي حكمت أمريكا، ضمنها عائلة بوش وعائلة كيندي. بعد جولة في ذلك المعرض توجه الملك والوفد المغربي إلى منزل بوش الأب للعشاء، فاكتشفنا أنه يقيم في منزل متواضع، مثل أي مواطن أمريكي من الطبقة المتوسطة، حيث يقيم هو وزوجته باربارا بيرس لوحدهما.

جلسنا حول ثلاث موائد ضيقة، وفي لحظة من اللحظات اتصل ابنه الرئيس جورج بوش جونيور، ليحييه ويحيي جلالة الملك، ولأنه لم يكن يتوفر على هاتف محمول، وسماعة التلفون في غرفة نومه، طلب من العاهل المغربي أن يسمح له بالجواب من هناك وكذلك كان اكتشفت من تلك الزيارة لبوش الأب، أن الرؤساء الأمريكيين بعد انتهاء مهامهم، يحرصون على أن يعودوا لحياتهم البسيطة العادية مهما كانت ثرواتهم المالية.

عدنا إلى واشنطن حيث نَظَّمَ على شرف جلالة الملك والوفد المرافق له، وزير الدفاع الأمريكي بأحد الفنادق حفل غداء. كنا جالسين، وفي مائدة غير بعيدة كان يجلس ثلاثة مواطنين أمريكيين شباب اثنان منهما بشعر طويل مربوط إلى الخلف، أخبرني جاري بالمائدة أنهم “حلاقون”، فلم أهتم بهم، ولا بمن يكونون، ولا إن كانت تلك فعلا مهنتهم. لكنه أضاف أنهم هم أصحاب الشركة التي تقول باكتشاف البترول بمنطقة تالسينت بشرق المغرب. لم أصدق ذلك ومن حينها أمر الإعلان عن البترول سيكون لاحقا عن تلك الزيارة اعتبرت بشكل عفوي أن العملية كلها غير جدية.

شهرا بعد عودتنا، وكنت من القلائل الذين حضروا الخطاب الملكي الذي أعلن عن أمر الإكتشاف بتالسينت رافقت في الغد الوفد الرسمي لجلالة الملك إلى هناك، لكن بدون حماس كبير. حدسي لم يكن يُشجعني على ذلك. وما زلت من حينها حتى اليوم، أتمنى أن يكون حدسي خاطئا، وأن يتحقق فعليا حلم اكتشاف البترول أو الغاز في تلك المنطقة، حتى وإن كنت أتمنى ألا يصبح المغرب بلدا نفطيا كبيرا، حفاظا على خصوصيته السياسية والاقتصادية وعلى توازناته الأساسية.

قام جلالة الملك يومها، بجولة فوق المنطقة بطائرة هليكوبتر، وحين وصل إلى موقع الخيمة، حيث كانت تقدم له بعض الشروح حول الاكتشاف، انتبه أنني بعيد نوعا ما، حيث أقف بدون حماس، فقال لي:
“أنت وزير الاقتصاد والمالية، أنت المعني أكثر أن تكون قريبا”.

فاقتربت من جلالته، لكن حين صعد الطاهري بصفته وزيرا للطاقة مع الملك إلى آلة الحفر الأولى، بقيت بعيدا، وكان إلى جواري محمد القباج مستشار الملك، الذي عبر عن نفس تحفظاتي، بعد نزول جلالته وقبل مغادرته الموقع أمرنا أن نجتمع بالرباط حول ذلك الملف.

اجتمعنا فعلا بمقر وزارة الطاقة عند الطاهري، بحضور وزير الداخلية الجديد أحمد الميداوي الذي طالب في كلمته بتعديل القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان وقدمته حكومة التناوب لتشجيع التنقيب عن النفط والغاز بالمغرب، بسبب (من وجهة نظره) أننا أصبحنا بلدا منتجا للنفط!!

عقبت عليه مباشرة، أننا لسنا بعد منتجي نقط، وذكرته أنه من السابق لأوانه الجزم بنتائج المشروع قبل 5 أو 7 سنوات، بالتالي علينا التعامل بهدوء مع الملف.

تناقشنا بحدة بحضور السيدة بنخضرا التي تترأس من حينها المكتب الوطني للأبحاث والمساهمات المعدنية. كانت النتيجة هي تأكيد عدم وجود النفط هناك بعد شهور، حتى وإن كانت بعض الأطراف تؤكد تواجد بعض مؤشراته إلى اليوم”.

  • هذا المقال هو جزء من ملف العدد 74 من مجلة “لسان المغرب”، لقراءة الملف كاملا يرجى الضغط على الرابط