story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

في ختامها.. 2025 سنة فارقة في مسار تثبيت السيادة المغربية على الصحراء

ص ص

لم تكن سنة 2025 سنة عادية في مسار قضية الصحراء المغربية، بل شكلت منعطفًا حاسمًا أعاد رسم معالم النزاع الإقليمي الممتد منذ خمسة عقود، فقد تزامنت القرارات الأممية، والمواقف الدولية، والخطاب الملكي، والتحركات الدبلوماسية، لتنتقل القضية من منطق التدبير إلى منطق الحسم السياسي.

في قلب هذا التحول، برز يوم 31 أكتوبر 2025 كتاريخ مفصلي، بعدما اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارًا وُصف بالتاريخي، دعم بشكل صريح مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 باعتباره الإطار الواقعي والعملي لتسوية النزاع.

القرار الأممي، الذي صوّت لصالحه 11 عضوًا من أصل 15، عكس توازنًا دوليًا جديدًا في مقاربة الملف، في ظل امتناع روسيا والصين وباكستان عن التصويت، وعدم مشاركة الجزائر في العملية، دون تسجيل أي فيتو معارض.

ونصّ القرار رقم 2797 على أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يشكل الحل الأكثر قابلية للتطبيق، داعيًا الأطراف المعنية إلى الانخراط في مفاوضات سياسية جادة على هذا الأساس، تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي.

كما شدد القرار على ضرورة إطلاق هذه المفاوضات دون شروط مسبقة، محددًا الأطراف المعنية في المغرب، وجبهة البوليساريو، والجزائر، وموريتانيا، مع نصه على تمديد ولاية بعثة المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2026.

سياسيًا، منح اعتماد القرار بأغلبية مريحة، وبدون أي معارضة، قوة كبيرة للنص، وكرّس دعم مجلس الأمن لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها المرجعية الوحيدة لتسوية النزاع المفتعل.

خطاب تاريخي

مباشرة بعد صدور القرار، وجه الملك محمد السادس خطابا للشعب المغربي، استهله بالآية القرآنية “إنا فتحنا لك فتحا مبينا”، ليعلن ما وصفه بـ”فتح جديد” في مسار قضية الصحراء المغربية، بعد صدور القرار الأخير لمجلس الأمن، الذي اعتبره نقطة تحول في مسار تسوية هذا النزاع الممتد منذ لنصف قرن.

الخطاب الذي جاء في لحظة رمزية مزدوجة، تجمع بين الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء والذكرى السبعين لاستقلال المغرب، حمل نفسا تقييميا لمسار طويل من العمل الميداني والدبلوماسي. وقال الملك إن المغرب “يبدأ بعون الله فتحا جديدا في مسار ترسيخ مغربية الصحراء والطي النهائي لهذا النزاع المفتعل”، في إشارة إلى ما يعتبره تحولًا في الموقف الدولي بعد القرار الأممي الصادر في 31 أكتوبر 2025.

ووصف الملك المرحلة الحالية بأنها “فاصلة في تاريخ المغرب الحديث”، لافتاً إلى أن هناك ما قبل 31 أكتوبر وما بعده، في إشارة إلى قرار مجلس الأمن دعم مبادرة الحكم الذاتي التي قدمتها الرباط عام 2007، باعتبارها الإطار الواقعي والوحيد للحل السياسي.

كما وجه نداءً مباشراً إلى مغاربة مخيمات تندوف لـ”اغتنام هذه الفرصة”، داعيًا إياهم إلى العودة والمشاركة في تنمية أقاليمهم في إطار الحكم الذاتي، ومؤكدًا على أن “جميع المغاربة سواسية، لا فرق بين العائدين من المخيمات وإخوانهم داخل الوطن”.

وخصَّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بدعوة إلى “حوار أخوي صادق”، لتجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة على أسس الثقة وحسن الجوار، مجددًا التزام المغرب بالعمل من أجل “إحياء الاتحاد المغاربي” على قاعدة التعاون والاحترام المتبادل.

وحدة الهوية المغربية

بالتوازي مع الخطاب، عاشت مختلف مدن المملكة على إيقاع احتفالات شعبية واسعة عقب صدور قرار مجلس الأمن، حيث خرج المواطنون إلى الشوارع معبرين عن فرحتهم بقرار اعتُبر نصرًا دبلوماسيًا طال انتظاره.

ورفعت الأعلام الوطنية ورددت الشعارات المؤيدة للوحدة الترابية، بينما امتزجت الهتافات بالأهازيج الشعبية، في مشاهد جسدت الالتفاف الشعبي الواسع حول القضية الوطنية.

وتنوعت مظاهر الاحتفال بين الفرق التراثية والفنون الشعبية، فيما ارتدت النساء الملحفة الصحراوية، في تعبير رمزي عن وحدة الهوية المغربية وتنوع روافدها الثقافية.

وتحولت لحظات الفرح إلى مشاهد مؤثرة اختلطت فيها الدموع بالهتاف، وعبّر خلالها المواطنون عن شعور جماعي بأن لحظة تاريخية قد تحققت.

وفي سياق هذا التحول، أعلن الملك محمد السادس، في 4 نونبر 2025، اعتماد يوم 31 أكتوبر عيدًا وطنيًا تحت اسم “عيد الوحدة”، تخليدًا لهذا المنعطف الحاسم في ملف الصحراء المغربية.

وأوضح بلاغ الديوان الملكي أن هذه المناسبة ستشكل محطة وطنية سنوية للتعبير عن التشبث بالوحدة الترابية والمقدسات الوطنية، وستُقرن بإصدار عفو ملكي.

زخم دولي متزايد

وبلغة الأرقام، بات مقترح الحكم الذاتي يحظى بدعم أكثر من 120 دولة عبر العالم، باعتباره السبيل الواقعي الوحيد لتسوية النزاع ودفع العملية السياسية قدمًا.

وعلى أرض الواقع، افتتحت أزيد من 30 دولة قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، في تجسيد عملي للاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

وخلال سنة 2025، أعلنت دول أخرى نيتها فتح تمثيليات قنصلية، من بينها الباراغواي التي سحبت اعترافها بالكيان الوهمي في 2014 وأكدت سعيها لفتح قنصلية في الأقاليم الجنوبية للمغرب، ثم دولة السلفادور التي أعلنت بدورها هذا العام عن عزمها فتح قنصلية في مدينة العيون.

كما شهد عام 2025 كذلك تأكيدا من مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس بأن الاستعدادات تجري لإقامة تمثيلية أمريكية فوق أراضي الصحراء المغربية تنفيذا لالتزام من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

بدورها، رسخت فرنسا موقفها بتوسيع خدماتها القنصلية جنوب المملكة، ففتحت في ماي الماضي أول مركز لها للخدمات القنصلية يشمل كامل تراب الصحراء، فيما أكد ماكسيم بريفو، وزير الشؤون الخارجية البلجيكي أن القنصلية العامة لبلاده في الرباط تمارس مهامها في المغرب دون تمييز جهوي بما في ذلك جهة الصحراء فيما يخص الخدمات والمساعدة القنصلية.

إلى مرحلة التنفيذ

وبعد القرار التاريخي أكد ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، أنه ينتظر بـ“فارغ الصبر” النسخة المحيّنة من مقترح الحكم الذاتي المغربي، باعتبارها الأساس الواقعي الذي سيُبنى عليه المسار التفاوضي المقبل بين الأطراف.

وبعد هذه التصريحات، انتقل المغرب بشكل مباشر إلى مرحلة التنفيذ، حيث أكد الملك محمد السادس في خطابه أن المغرب “سيقوم بتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، وسيقدمها إلى الأمم المتحدة، لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق”.

وفي هذا السياق، قدمت الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان مذكراتها بهذا الخصوص، وذلك عقب اجتماع عقده مستشارو الملك محمد السادس معها حول قضية الصحراء المغربية، الاثنين 10 نونبر 2025، بهدف تقديم المذكرات وبلورة تصور مشترك حول تنزيل مقترح الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية للمملكة.

المغرب إزاء امتحان

بعد صدور القرار، لم يختلف أحد على أنه تاريخي ويشكّل نهاية مرحلة وبداية أخرى في مسار حلّ النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، إلا أن الخبراء والمحللين أكدوا على أنه “انتقال من الجهاد الأكبر إلى جهاد أكبر منه، وأن المرحلة القادمة بمثابة امتحان للمغرب، معني فيه بتقديم نسخة محيّنة من مقترح الحكم الذاتي، تعكس جدية المملكة”.

فيما نبه محللون من ضمنهم الوزير السابق والباحث المتخصص في قضايا الصحراء مصطفى الخلفي، إلى إشكاليات كبرى تواجه مبادرة الحكم الذاتي التي يقدمها المغرب، ترتبط بما هو سياسي، اقتصادي، وثقافي، مشددا في هذا السياق، على أن المغرب مطالب ببلورة نموذج مغربي للحكم الذاتي، “يستوعب ما ينبغي استيعابه، لأن التجارب الدولية تُظهر أنه لا يوجد نموذج يشبه الآخر وكل تجربة لها إشكالاتها”.

من جهة أخرى، لفتت ورقة نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات بعنوان “نزاع الصحراء بعد قرار مجلس الأمن 2797: بين الفرصة والتحديات”، أعدها أستاذ العلاقات الدولية سعيد الصديقي، إلى أن “قرار مجلس الأمن لا ينهي النزاع، لأنه يرتبط ببنية إقليمية معقدة، تجعل استثمار هذا التحول مشروطا بوجود بيئة إقليمية مساعدة”، لكنها شددت بالمقابل على أنه “يفتح نافذة فرصة محدودة زمنيا يمكن البناء عليها، إذا جرى التعامل معها بواقعية وبفهم للعوائق البنيوية التي لا تزال تتحكم في ديناميات النزاع”.

وحددت الورقة هذه العوائق في ثلاثة، أولها إرث الخلاف حول الحدود بين المغرب والجزائر منذ الاستقلال، وما ترتب عنه من أحداث مؤلمة، من بينها حرب الرمال سنة 1963، ثم طرد آلاف المغاربة سنة 1975،فيما يتعلق العائق الثاني بالاستثمار المالي والسياسي الطويل للنظام الجزائري في القضية، إلى حد تحوّلها إلى عنصر من عناصر شرعيته الداخلية، وفق منطق “الكلفة الغارقة” الذي يصعّب أي تراجع في الموقف.

فيما يتمثل العائق الثالث في منطق الخوف المتبادل، حيث جرى في الجزائر ترسيخ صورة المغرب كـ“عدو كلاسيكي” لتماسك السلطة داخليًا، عبر اتهامه بالتهديد العسكري أو الأمني، مشيرة إلى أنه في المقابل، ينظر المغرب إلى الجزائر باعتبارها الداعم الأساسي للتيار الانفصالي، والساعية إلى عرقلة أي حل نهائي للنزاع، وهو ما يعمّق انعدام الثقة ويعيد إنتاج حلقة مفرغة تعقّد أي اختراق سياسي محتمل.

ورغم هذه العوائق، ترى الدراسة أن الظرف الإقليمي والدولي الراهن يتيح نافذة فرصة محدودة، خصوصًا في ظل ضغط الإدارة الأمريكية الحالية لدفع البلدين نحو تهدئة جزئية، لافتة إلى أن ما يعزز هذه الإمكانية هو تحسن العلاقات الجزائرية الأمريكية وفتور علاقتها مع موسكو، ما قد يفتح الباب أمام وساطة أمريكية تفضي إلى تواصل مباشر وإجراءات أولية لإعادة العلاقات، في وقت يواصل فيه المغرب نهج “سياسة اليد الممدودة” دفاعًا عن مصالحه الاستراتيجية.