story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

في انتظار انتخابات 2026…

كيف يمكن للأحزاب المغربية استعادة مكانتها؟
ص ص

لا يختلف مغربيان في كوننا نعيش ركودًا سياسيًا غير مسبوق، على الأقل على مستوى الأحزاب، وذلك منذ تعيين الحكومة الحالية. عمليًا، بدأ هذا الركود منذ نهاية المنافسة الانتخابية في انتخابات 2021، التي كانت استثنائية من حيث مستجداتها القانونية ونتائجها، ومنذ ذلك الحين دخلنا في دوامة من التذبذب بين تصاعد التوترات الاجتماعية والمهنية والفئوية، مقابل تراجع مهول في الخطابات السياسية الحزبية والأيديولوجية المرتبطة بالحياة السياسية.

لكن المتابع للحياة الحزبية المغربية سيلاحظ في الأسابيع الأخيرة نوعًا من تحريك المياه الراكدة في أنشطة الأحزاب، ربما بدأ هذا التحريك مع تجمع ظهر فيه نزار البركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، وهو يوجه خطابًا يحمل نبرة معارضة رغم أنه جزء من الحكومة الحالية، كما ارتفعت وتيرة أنشطة اليسار، سواء الجديد أو القديم، ولعل آخر ما يؤكد هذه الحركية هو الخرجات الإعلامية الأخيرة للأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله.

طبعًا، في سياق العيد وإلغاء الأضحية، والأسعار، وحكاية “صاحب سردين السمك” في مراكش، وغيرها من الفقاعات اليومية، لم ينتبه الكثيرون لتحركات الأحزاب، ولكن من يعرف مكان تكتكة عقارب الساعة السياسية في المغرب، يعلم أننا على أبواب انتخابات 2026، وهي انتخابات ستفرز حكومة المونديال بكل مشاريعه. وبالتالي، فإننا أمام انتخابات قد تكون اختبارًا حقيقيًا، أو برهانًا واضحًا، حول من سيكون قائد حكومة المونديال، أو حتى جزءًا منها.

لكن الجديد في هذه الانتخابات المقبلة، ما لم يتم تعديل بعض قوانينها، هو غياب البديل الحزبي بشكل غير مسبوق. بالعودة إلى كل المحطات الانتخابية منذ دستور 2011، سنلاحظ حضور العديد من التوقعات والتكهنات حول الحزب الأول، في انتخابات 2011، في سياق ما كان يعيشه المغرب والمنطقة ككل، كان التحدي كبيرًا والرهانات استثنائية، باستحضار حركية الشارع الاحتجاجية، و العذرية السياسية للإسلاميين، وبعد انتخابات 2016 التي ساد فيها نقاش حول كيفية تشكيل الائتلاف الحكومي المثير للجدل، أو ما عرف إعلاميًا بـ”البلوكاج الحكومي”، بقيت الحياة السياسية والحزبية منتعشة، والمشهد كان حيًا، ومع الانتخابات الأخيرة، ورغم هيمنة إشكالية القاسم الانتخابي على المشهد، إلا أن الرهان كان على حزب التجمع الوطني للأحرار، بمنطق برغماتي من بعض المغاربة، وغاياته نفعية بالدرجة الأولى، دون أن ننسى ما شهدته هذه المحطة الانتخابية من خروقات أثارت الكثير من الجدل.

أما اليوم، وفي وقت لا يفصلنا عن الاستحقاقات القادمة إلا عام واحد، يطرح السؤال: ما هي رهانات الانتخابات القادمة؟ ماذا في جعبة الأحزاب لتقدمه كبرنامج انتخابي؟ بل حتى كمبرر يدفع الناخبين نحو صناديق الاقتراع؟

إننا أمام وضع غير مسبوق في تاريخ المغرب السياسي، حيث هناك شبه “وفاة سريرية” لكل الأحزاب، إلا تلك التي لا تزال حيّة بشكل رمزي، المشكلة اليوم ليست في فشل استحقاقات 2026 أو في الأحزاب نفسها، ولا في تكاليف الانتخابات والدعم المخصص لها. حيث ان الدفاع عن وجود الأحزاب وفعاليتها، ليس من أجل الأحزاب نفسها أو الوجوه التي سئم منها المغاربة، ولا بسبب “حسن نية” المترشحين، بل هو دفاع عن السلم الاجتماعي وتحقيق خطوات نحو التنمية. الدفاع عن وجود أحزاب قوية هو دفاع عن الديمقراطية، لأن الديمقراطية لا تكون بدون أحزاب، وما يقدم للأحزاب كدعم في الانتخابات هو ما يسمى “ثمن الديمقراطية” في المجتمعات الديمقراطية.

لا بد للأحزاب السياسية أن تدرك أن المهرجانات الخطابية بالطريقة الكلاسيكية، ورمي الأوراق الانتخابية، والحملات الشعبوية، وما شابهها من أساليب قد انتهت، لأن المواطن المغربي اليوم قد اكتسب مناعة غير مسبوقة ضد هذه الأساليب، وقد يصنفها جميعًا ضمن مجال البلطجة والاسترزاق.

وبالتالي، فإن تراجع المشاركة والانخراط في الحياة السياسية لدى المغاربة ليس انسحابًا مجانيًا، بل هو نتيجة منطقية، و حينما يلمس المواطنون الجدية في خطاب ما، لن يحتاجوا إلى دعوة للتصويت، بل سيتوجهون طوعًا إلى مكاتب الاقتراع.

إن أخطر ما في هذا الوضع الذي طرحناه، هو غياب الوسائط السياسية التي تلعب دورًا أساسيًا في التفاعل مع المشاريع والقضايا الكبرى خصوصا في لحظات الاصطدام والتوتر السياسي، من خلال برامجها وأنشطتها، إذ في المجمل، تعتبر الوسائط السياسية حلقة وصل حيوية في المجتمع، حيث تعزز السلم الاجتماعي من خلال تعزيز الحوار والمساواة والمشاركة السياسية، وتسلط الضوء على القضايا الهامة.

وفي غياب هذه الوسائط، ولأن السياسة مثل الطبيعة، لا تقبل الفراغ، فإن المخاطب في سياق نظامنا السياسي يصبح هو الملك، وهو أمر لا يحمل عيبًا، كما عبّر عن ذلك الملك نفسه في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية حيث قال:

“يقال كلام كثير بخصوص لقاء المواطنين بالملك، والتماس مساعدته في حل العديد من المشاكل والصعوبات. وإذا كان البعض لا يفهم توجه عدد من المواطنين إلى ملكهم لحل مشاكل بسيطة، فهذا يعني أن هناك خللاً في مكان ما. أنا بطبيعة الحال أعتز بالتعامل المباشر مع أبناء شعبي، وبقضاء حاجاتهم البسيطة، وسأظل دائمًا أقوم بذلك في خدمتهم. ولكن هل سيطلب مني المواطنون التدخل لو قامت الإدارة بواجبها؟”

على نفس المنوال، لو كانت الأحزاب تقوم بدورها، والحكومات تتحمل مسؤوليتها، هل كان المواطنون سيتوجهون للملك بشكل مباشر؟ وإلى متى ستبقى الأحزاب السياسية تنتظر مشروعًا ملكيًا جديدًا لتقدم أنفسها كأفضل من يمكنه “تنزيل” المشاريع الملكية؟

إن المطلوب من الأحزاب السياسية، قبل أن تبدأ في تحركاتها المعتادة، أن تفهم أنها أمام وضع غير اعتيادي، فقبل أن يظهر لنا “ديناصورات” الأمانات العامة بأسطواناتهم المشروخة، يجب أن يفهموا أن العديد من المغاربة مشكلتهم مع بعض الوجوه قبل المؤسسات، وبشكل يكاد يكون نفسي، بل من طبيعة المغربي انه مقبل على العمل السياسي والحزبي.

لذلك، على الأحزاب أن تغير الواجهات قبل البرامج، قد يبدو هذا الاقتراح تافهًا، لكنه قد يكون جزءًا من الحل في انتظار حل جذري وحقيقي لأزمة الحياة الحزبية في المغرب.