story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

في الحاجة إلى تحرير الفكر السياسي الإسلامي من أطروحتي الغلبة والتغلب

ص ص

بوعشرين الأنصاري

ثمة اطروحتان تهيمنان على الفكر السياسي الإسلامي التاريخي وترخي بظلالها على اجتهادات الفكر السياسي الإسلامي المعاصر:

أولها أطروحة فكر الغلبة السلطاني، وخلاصة ما أفضت إليه هذه الأطروحة التاريخية أن ليس في الإمكان أفضل من القبول بالسلطوية المتغلبة بالقوة، وأن أية محاولة للتخلص منها ستجر على الأمة الويلات.

ثانيها أطروحة فكر التغلب القهري، والتي أسست لتقابل تعسفي قاتل بين إرادة الأمة وحاكمية مفهوم معين للشريعة ذاتها، وكان من نتائج ذلك أن ترسخ لدى روادها الاقتناع بضرورة “حشد العدد والعدة”، من أجل تغليب فكرتهم المغلوطة بانتهاج نهج التغلب.

هل فعلا ينحصر الفكر السياسي الإسلامي الذي يستمد منطلقاته من أصول الإسلام الثابتة فيما أفضت أطروحة الغلبة وأطروحة التغلب، من تبرير للظلم والاستبداد ومخاصمة كل دعوات التحرر و الحرية والكرامة والعدالة؟

أليس ثمة طريق آخر للتأسيس لفكر سياسي إسلامي ينتصر لأطروحة التعاقد الاختياري الحر، حيث سريان مبادىء التداول الفعلي على السلطة وإعمال المحاسبة لكل من له سلطة فعلية، وكفالة الحقوق والحريات لكل أفراد المجتمع؟

أليس الإكراه ضررا يفقد الإنسان تحت وطأته حريته في الاختيار والتقرير؟

أليست الضرورة مقيدة زمانا ومكانا وظروفا ومطلوب تجاوزها حتى لا تتأبد وتتأبد بفعلها كل تداعياتها السلبية على حرية الإنسان وكرامته وكل حقوقه الشرعية؟

أطروحة فكر الغلبة السلطاني وتأبيد الاضطرار

أصحاب هذه الأطروحة ظلوا يتوارثونها جيلًا بعد جيل وكتبًا بعد كتب، وأعينهم كلها منصبة على “صفين” و”الجمل” و”كربلاء” و”سيف الحجاج” ومحنة الأصوات الحرة التي حوصرت، بينما أدواتهم في التأسيس لهذه الأطروحة مبنية أساسًا على “الاضطرار” الذي ولد شرعًا للاستثناء، فأضحى عندهم هي الأصل وهي الباقية إلى يوم الدين ولن يستطيع أحد رفعها.

في حين غفلوا عن أن االاضطرار هو مرتبط بالإكراه، والإكراه حالة مقيدة زمانًا ومكانًا وظروفًا، ومطلوب تجاوزها لأنها ليست نهاية التاريخ والجغرافيا والإنسان، ولأن الإكراه ضرر يفقد فيه الإنسان حريته في الاختيار وفي القرار، والضرر يزال شرعًا، فإن السعي نحو رفعه مهمة شرعية وإنسانية بامتياز، وكلما كان السعي حثيثًا نحو رفعه كلما توسعت مساحة الحرية، وبالتالي كلما بدأت هذه الضرورة

بالزوال، والسؤال هو ليس في الضرورة بل في مدى السعي المصر نحو رفعها.

هذه الطامة الأولى هي التي أعطتنا فقهاء “يسبحون” بحمد “السلطان” وهم “مطمئنون” ل”استدلالاتهم ولموازناتهم الشرعية”، وهي التي قتلت في طائفة من هذه الأمة كل إرادة للتحرر وكل أمل في امتلاك قرارها واختيارها، وهي التي صنعت لنا أحزاب “زور وتعمية” هنا وهناك، ومؤسسات “دينية” تحت رعاية السلطان “الحافظ لدين الله وظله في الأرض” هنا وهناك وبمسميات مختلفة وبمضمون سلطوي واحد، وهي التي أعلت من أولوية وحدة الوطن والأمة على حساب عدل الحاكم وحرية المواطن، وهي التي جعلت طائفة من “النخب” تنهال

باللوم الشديد للأمة فهي المتواكلة وهي لا يصلح لها سوى هذا النوع من الحكم المطاع.

أطروحة فكر التغلب والعداء مع إرادة الأمة

الأطروحة لثانية هي المتعلقة بكون جزء آخر من الدارسين للتراث السياسي

الإسلامي، لم يروا في هذا التراث سوى النصوص التي تفضي إلى التغلب، فأضحت فكرة استبدادية تغلبية، والتبست لديهم مفاهيم التحرر مع هذه النزعة التغلبية، وأضحت هذه المفاهيم لديهم تناقض تمامًا ما يعتبرونه واجبًا شرعيًّا في “إعلاء كلمة الله وتحكيم شريعته” ولو بهذا التغلب.

لقد أسسوا لتقابل تعسفي قاتل بين إرادة الأمة و”حاكمية مفهوم معين للشريعة” ذاتها، وكان من نتائج ذلك أن ترسخ لديهم الاقتناع بضرورة “حشد العدد والعدة”، من أجل تغليب فكرتهم المغلوطة بانتهاج نهج التغلب.

نتائج ذلك عشناها تاريخيًّا مع استقواء فئة بالدين وتغلبها على من سبقها، وفرض حكمها بعصبيتها من أجل “دينها” وأمامنا الأمويون والعباسيون هناك، والمرابطون والموحدون هنا وهلم جرًّا، وعشناها وما زلنا نعيشها معاصرًا مع طالبان وداعش والقاعدة و”جماعة ولاية الفقيه”..

طريق التحرر

ثمة طريق آخر وأمل آخر من شأنه أن يضيء هذا الظلام، ظلام الاستبداد الذي شرعن له فقه الغلبة، وظلام الاستبداد الذي يأتي من فقه التغلب، ومن حقنا أن نعيش هذا الأمل، لأنه أمل من نور هذا الدين الذي أظلم فهمه من تأخر عن تجديد أمره وتحرير هذا التراث.

إننا بحاجة إلى تأسيس فكري للتعاقد الذي له أصوله الدينية الثابتة لأنه نقيض

الإكراه، والإكراه ليس موجبًا للمحاسبة لا في الدنيا ولا في الآخرة، بما أنه ينتج عنه كسب لا اختياري، ولأن الرضا شرط في أي اختيار حر للدين أو للدنيا، والرضا ينتفي مع الإكراه، فلنصنع هذا الأمل ولنُضِئْ مصابيح الهدى حقًّا وفعلًا، فبالتأكيد لن يكون قدر الأمة محصورًا بين تيار تبرير الغلبة وتيار فرض التغلب..