فين غادا بينا الحكومة؟
خرج مؤخرا أعضاء هيئة المحامين في إضراب ضد سياسات الحكومة، لينضموا إلى جحافل القطاعات المضربة في المغرب منذ تنصيب حكومة عزيز أخنوش قبل أزيد من سنتين ونصف. ومعه يطرح السؤال عما إذا كانت هذه الحكومة قادرة على قيادة شؤون البلاد والوفاء بالتزاماتها الانتخابية، أم أنها أعلنت بشكل ضمني تخليها عن التزاماتها تجاه المغاربة وممثليهم.
الحكومة الحالية وعدت المغاربة بحلول إبداعية في التسيير، خصوصا من أجل رفع مداخيل الدولة، لكنها على أرض الواقع لم تقم بشيء إبداعي بتاتا. بل استمرت في سياسات الحكومات السابقة، والتي لا تتجاوز الاقتراض داخليا ومن المؤسسات المالية الدولية، وسن ضرائب جديدة على فئات اجتماعية هشة كالمقاولين الذاتيين، وعدم التدخل للحد من التضخم المهول الذي ينخر جيوب المغاربة ويكبح قدرتهم على الإنفاق.
الحكومة الحالية شنت حربا ضد قطاعات مهمة في المغرب بدعوى الإصلاح، خصوصا ضد الأساتذة والأطباء وموظفي قطاع العدالة. لا يمكن للمرء أن يكون ضد إصلاح أي قطاع، لكن أي إصلاح لا يضم في بلورته أناسا من القطاع ذاته لا يمكن اعتباره إيجابيا. وهذا للأسف ما خاضته الحكومة الحالية ضد هاته القطاعات.
في الأخير، ماذا كانت النتيجة؟ تراجعت الدولة عن النظام الأساسي للتعليم بعد أن ضحت بأزيد من ثلاثة أشهر من الدراسة للتلاميذ، خصوصا أنه لن تُلمس آثار هذا الهدر المدرسي الكاملة إلا بعد سنين. وها هو نفس الأمر يحصل مع طلبة الطب المهددين بسنة بيضاء بعد إضرابهم عن اجتياز امتحاناتهم.
من الطبيعي أن تبحث الحكومة عن حلول لمشكل النقص الحاد في موظفي قطاع الصحة. لكن لا يمكن أن يكون ذلك على حساب التكوين الكامل والضروري للأطباء من أجل القيام بدورهم في دينامية التغطية الصحية على كامل وجه. وها هو الدور يأتي على قطاع العدالة (كتاب الضبط والمحامون بالتحديد)، لتشمل الإضرابات الثالوث المقدس لكل تنمية بشرية مستدامة: التعليم، الصحة، والقضاء.
في ملف آخر، وعدت أحزاب الأغلبية الحكومية بضخ كفاءات جديدة في الجسم السياسي وتخليق الحياة السياسية. لكن ومنذ 2021 رأينا متابعة واعتقال عدد كبير من المنتخبين التابعين للائتلاف الحكومي. يحتل حزب رئيس الحكومة الصدارة في عدد المتابعين قضائيا، حيث يضم ثمانية برلمانيين متابعين في قضايا فساد وتبديد أموال عمومية، فيما يتابع خمسة من أعضاء حزب وزير العدل بنفس التهم. هذا دون احتساب عشرات المنتخبين المحليين من ذات الحزبين.
أوَ هذا هو تخليق الحياة السياسية التي وعد به عزيز أخنوش خلال الحملة الانتخابية؟ أهذه هي النخب السياسية التي طالب بها الملك محمد السادس في أكثر من خطاب؟ أبهذه النخب سيتم تنزيل الاستراتيجيات الكبرى التي انخرط فيها المغرب؟ كل هذه الأسئلة وجب أن تجد لها جوابا من طرف الحكومة.
أخيرا، تم الإعلان قبل أيام عن حصيلة حقينة ملء السدود والتي نزلت دون عتبة الثلاثين بالمائة، وهي حصيلة كارثية بكل المقاييس. هذا القطاع أكثر ارتباطا بالحكومة الحالية كون رئيس الحكومة عزيز أخنوش كان على رأس وزارة الفلاحة منذ سنة 2007. يبدو أن الحكومة الحالية لا تتوفر على استراتيجية واضحة فيما يتعلق بالسياسة المائية ولا السياسة الفلاحية ولا الصيد البحري.
هذا فقط غيض من فيض الأمثلة التي تظهر بشكل جلي تخلي الحكومة الحالية عن وعودها الانتخابية التي أعلنت للمغاربة عن عزمها الالتزام بها. لازال من عمر الحكومة الحالية ما يزيد عن سنتين، لذلك فلديها من الوقت للتراجع عن هذا التعنت تجاه المغاربة قاطبة وقطاعات متعددة على وجه الخصوص.