فينيسيوس جينيور.. راقص الصامبا المثير للجدل
“كنا نضحك كثيرا بشكل دائم عندما نستمع إلى آباء لاعبي الخصم، اعتادوا القول إن الطريقة الوحيدة لإيقاف فينيسيوس هي دراجة نارية”، هكذا يتذكر كارلوس أبرانتيس الملقب ب “كاكاو” الذي يعتبر مكتشف نجم ريال مدريد فينيسيوس جينيور في بداياته الأولى مع كرة القدم في أحد الأحياء الفقيرة بمسقط رأسه بالبرازيل .
بمراوغاته المتمايلة وسرعته الجسورة، نجح فينيسيوس جوزيه بايشاو دي أوليفيرا جونيور في أن يصبح “اللاعب الأكثر نجاعة في العالم”، حسب مدربه الإيطالي كارلو أنشيلوتي، ليكسب قلوب مشجعي ناديه الملكي، وكثير من عشاق كرة القدم الإحتفالية عبر العالم.
إبن ولاية ريو دي جانيرو
وُلد فينيسيوس جونيور أو فينيسيوس جوزيه بايكساو دي أوليفيرا جونيور في الثاني عشر من يوليوز من عام 2000، بمدينة ساو غونتشالو التابعة لولاية ريو دي جانيرو بالبرازيل، وبدأت علاقته بكرة القدم في سن مبكرة، بشوارع الأحياء الفقيرة بمدينته.
وفي السادسة من عمره، التحق بإحدى المدارس الكروية التابعة لنادي فلامينغو البرازيلي، القريبة من حي “ميتيوا” الذي كان يقطن فيه، حيث بدأ فينيسيوس ممارسة كرة القدم بمركز ظهير أيسر، قبل أن يغيّر أحد مدربيه مركزه من مدافع إلى جناح أيسر، مستغلا قدراته المهارية الكبيرة التي جعلت منه نجما عالميا.
وقد كان الفتى البرازيلي منذ صغره، شغوفا جدا بلعب كرة القدم، لدرجة أنّه في الفترة ما بين 2007 و2010، كان يلعب لفريقين مختلفين في رياضتين مختلفتين، وهما أحد فروع نادي فلامينغو لكرة القدم ونادي ساو غونتشالو لكرة القدم داخل القاعة.
وبدأ فينيسيوس يمارس لعبته المفضلة بنادي فلامينغو مع فئة أقل من 11 سنة، وكانت لحظتها مرحلة مفصلية في مشواره الرياضي، إذ إن المركز التدريبي “نينهو دو أوربو” التابع لنادي فلامينغو، كان يبعد 70 كيلومترا عن حي”ميتيوا” حيث تسكن عائلة فينيسيوس.
وعاشت العائلة مع ابنها فترة من المعاناة، بسبب بعد المسافة وضعف الإمكانيات، في مقابل تحقيق حلم فينيسيوس الصغير بالاحتراف في أقوى الأندية العالمية، إذ كانت والدته فيرناندا هي التي ترافقه حتى بلدة “جافيا”، التي توجد في منتصف الطريق، ليستقل الحافلة الثانية إلى “نينهو”، حيث يوجد مركز التدريب، وتظل في انتظاره لأكثر من 4 ساعات حتى يعود، وفي الوقت نفسه كان والده يذهب للعمل في ساو باولو البعيدة لكسب قوت عيش أسرته.
وكان والده يشتغل في مجال المعلوميات، وبالكاد يستطيع توفير الحاجيات الأساسية لأسرته الصغيرة، المكونة من الأب والأم و3 أطفال بينهم فينيسيوس الصغير، لكن رغم ذلك كان يطمح لتحقيق حلم ابنه. يقول الوالد “لقد رأيت شيئا رائعا في ابني عندما يلمس الكرة، وعندما كان يراوغ أكثر فأكثر، لقد ولد من أجل هذا”.
ويذكر مدربه ومكتشفه “كاكاو” أنه “كان عليه أن يستقل حافلتين للوصول إلى هناك، وكلفة الرحلة حوالي 6 دولارات، وهو مبلغ مكلف بالنسبة لأسرة فقيرة، وبسبب هذه التكاليف قررت الأسرة أن ينتقل فينيسيوس الصغير إلى العيش مع عمه، في منزله الموجود ببلدة قريبة من مركز تدريبات نادي فلامينغو”.
ولعبت كرة القدم داخل الصالات دورا كبيرا في تطوير مستوى فينيسيوس، وخاصة في المراوغات داخل المساحات الضيقة، وتحسين سرعة ردة فعله وخفة حركاته، وهو ما أثر بشكل كبير على مسيرته الاحترافية في ممارسة كرة القدم داخل المستطيل الأخضر.
فلامينغو النادي الأم
بعد تجارب واختبارات ناجحة مع نادي فلامينغو لكرة القدم (وليس المدارس التابعة له)، نجح فينيسيوس أخيرا في الانضمام إلى النادي في غشت عام 2010، وهو في العاشرة من عمره، فكان لا بد له من التخلي عن ممارسة كرة القدم داخل القاعة، والتركيز على تجربته الجديدة مع نادي فلامينغو لكرة القدم، بعدما كان يمارسها بمدرسة إسكولينها لكرة القدم، وهي أحد الفروع الـ125 لنادي فلامينغو، بمدينته ساو غونتشالو.
وبدأت موهبة فينيسيوس مع نادي فلامينغو لأقل من 11 سنة، حينما شارك في كأس ريو بونيتو سنة 2010، حيث أبان عن مؤهلات كبيرة ومهارات عالية، فأعطي قميصا يحمل رقم 8 تشبيها بأسطورة نادي فلامينغو في سبعينيات وثمانينيات القرن الـ20، اللاعب أديليو الذي يشبهه، وكان يحمل هو الآخر الرقم نفسه.
ورغم ظروف حياته الصعبة، فإن فينيسيوس بدأ يشق طريق النجاح في عام 2015، حينما رفع كأس بطولة “كوبا فوتورانتيم”، إحدى بطولات كرة القدم تحت 15 عاما الرائدة في البلاد، وفاز بلقب دوري ولاية “ريو دي جانيرو” أثناء لعبه مع فئة النادي تحت 17 سنة.
وكان أحد أفضل اللاعبين في مسابقة كأس ساو باولو للشباب، وهي أكبر مسابقة كرة قدم تحت 20 عاما، ما جعل عمالقة أوروبا بما في ذلك نادي برشلونة، يبدون اهتمامهم بالفتى البرازيلي.
وفي عام 2017، تأهل فينيسيوس الذي أصبح أحد النجوم الواعدين للكرة البرازيلية، ليلعب مع الفريق الأول لنادي فلامينغو، ومنحته إدارة النادي أول عقد احترافي وهو في سن الـ16.
وفي شهر ماي من العام نفسه، ارتدى فينيسيوس أول مرة القميص الأحمر والأسود مع الفريق الأول، ولعب 8 دقائق فقط أمام نادي أتليتيكو مينيرو، لكنها لم تكن كافية له للاستمتاع باللعب ضد مثله الأعلى، اللاعب روبينهو، الذي كان يلعب في الفريق المنافس، وبعد نهاية المباراة ذهب لرؤيته وأخذ قميصه وقال “لقد تحقق حلمي”.
وبعد هذه المباراة بيومين مدد نادي فلامينغو عقد نجمه الصاعد فينيسيوس حتى عام 2022، ورفع قيمة شرطه الجزائي من 30 إلى 45 مليون يورو، وذلك بهدف تأمينه لتفادي خطف “الجوهرة” البرازيلية من طرف أحد الأندية الأوروبية الكبيرة.
وكان ناديا ريال مدريد وبرشلونة الإسبانيان من بين الأندية الأوروبية المهتمة بالتعاقد مع فينيسيوس، وبعد أسبوع من تمديد عقده مع نادي فلامينغو البرازيلي، نجح ريال مدريد في شراء عقد فينيسيوس أوائل صيف عام 2017، في صفقة بلغت قيمتها 45 مليون يورو.
وكانت ثاني أعلى صفقة في تاريخ كرة القدم البرازيلية بعد صفقة اللاعب نيمار دا سيلفا، إضافة إلى كون هذا المبلغ هو أعلى مبلغ يدفعه ناد من أجل الحصول على خدمات لاعب كرة قدم تحت سن 19 سنة.
وانتظر النجم البرازيلي عاما كاملا حتى ينتقل فعليا إلى نادي ريال مدريد، لأن عمره حينها كان 17 سنة، وبالتالي لا يسمح له باللعب خارج البرازيل التي تمنع اللاعبين قانونيا من الاحتراف خارج البلاد، قبل بلوغهم 18 سنة.
جوهرة في النادي الملكي
وفي يوليوز من عام 2018، أكمل فينيسيوس عامه الـ18، وأصبح الطريق نحو العاصمة الإسبانية معبدا أمامه، وبعد 68 مباراة و14 هدفا و4 تمريرات حاسمة، ترك فينيسيوس ناديه الأم فلامينغو، متوجها إلى ناديه الجديد ريال مدريد، وهناك قُدم رسميا لاعبا للنادي، ومنح الرقم 28 مع الفريق.
وقبل مغادرته للبرازيل، قال في آخر مؤتمر صحفي لجماهير فلامينغو والدموع تغالبه “آمل دائما أن نلتقي يوما ما”. وبعد أيام قليلة من وصوله إلى العاصمة الإسبانية، قرر زين الدين زيدان مدرب ريال مدريد آنذاك ترك منصبه التدريبي في الفريق، وهذا القرار أثر نوعا ما على فينيسيوس، الذي كان يتمنى اللعب تحت قيادة زين الدين زيدان وهو ما لم يتحقق له.
وظهر فينيسيوس لأول مرة مع الفريق الرديف لريال مدريد تحت قيادة المدرب سانتياغو سولاري أسابيع قليلة بعد التحاقه. يقول سولاري: “وصل فينيسيوس كجزء من خطة استراتيجية للنادي لمحاولة التعاقد مع أفضل اللاعبين قبل أن تنفجر مواهبهم”. وأردف “لقد أصبح سوق كرة القدم سيئا. والآن ترى ثمار استراتيجية النادي هذه. كان مطلوبا الكثير من الشجاعة، وأيضا عين جيدة جدا للموهبة. لذا فإن المديرين والمؤسسة يستحقون الثناء على ذلك”.
لم ينتظر “فيني” الكثير، في الدربي أمام أتليتكو مدريد للشباب سجل ثنائية في سبتمبر 2018، وصاحبها حديث من الصحافة العالمية والمحلية وخاض أيضا 12 دقيقة تحت قيادة خولين لوبيتيغي في الدوري الإسباني مع الفريق الأول.
بعد رحيل لوبيتيغي إثر الخسارة بخماسية في الكلاسيكو ضد برشلونة أصبح سولاري مدربا للفريق الأول لريال مدريد ومعه قرر الاعتماد على الفتى البرازيلي. يقول في حوار مع صحيفة آس: “الطريقة الوحيدة لمعرفة ما إذا كان اللاعب جاهزا هي خوض المباريات، استطعت أن أرى أنه يستحق فرصة لإظهار ما يمكنه فعله”.
رحل سولاري وانضم زيدان في الموسم الموالي وشارك معه فينيسيوس في 7 مباريات فقط بشكل كامل وساهم بتسجيل 5 أهداف وصناعة 4 في 38 مباراة بجميع المسابقات. وبدأ زيدان يفضل الاعتماد على هازارد رغم إصاباته المتكررة، تارة يشرك فيني في مركز الجناح الأيمن أو يبقيه على مقاعد البدلاء. لكن الشرارة كانت في مباراة بوروسيا مونشنغلادباخ الألماني بدوري الأبطال، عندما التقطت الكاميرات كريم بنزيمة وهو يطلب من مواطنه فيرلاند ميندي بألا يمرر للبرازيلي قائلا “إنه يلعب ضدنا”.
عانى فينيسيوس كثيرا من أجل الإندماج في منظومة لعب ريال مدريد، وتطوير عطائه التقني حتى يصبح أكثر فعالية مع زملائه وأمام المرمى، حتى عاد المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي للإشراف على النادي الملكي وبدأ العمل على تطوير اللاعب، وطلب منه على وجه الخصوص تسديد الكرة في وقت مبكر وتقليل اللمسات حول منطقة الجزاء. في الغالب كان الأمر يتعلق باستعادة فينيسيوس ثقته بنفسه، والشعور بالأهمية مرة أخرى. وسرعان ما ظهر مفعول السحر على عمل “المستر” كارلو وأصبح فينيسيوس يشكل مع كريم بنزيمة ثنائيا هجوميا يصعب إيقافه وحقق به الكثير من البطولات والإنتصارات، الشيء الذي جعل إبن ريو دي جانيرو واحدا من أفضل نجوم الكرة الحاليين وأبرز المرشحين لنيل الكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم.
نجم في السيليساو
على مستوى المنتخبات، لعب فينيسيوس لمختلف فئات المنتخب البرازيلي، إذ استدعي لأول مرة لفئة أقل من 15 سنة وهو في سن 13 سنة.
وفي مارس عام 2015، لعب فينيسيوس أول مباراة له مع هذه الفئة، تحت قيادة المدرب كلاوديو كاسابا، أمام المنتخب البلجيكي لأقل من 16 سنة، في مباراة ودية انتهت بالتعادل.
وفي السنة نفسها، فاز فينيسيوس مع المنتخب البرازيلي لأقل من 15 سنة بلقب بطولة الكونمبول، حينما انتصروا في المباراة النهائية بضربات الترجيح على المنتخب الأوروغواياني، واختير فينسيوس خلال هذه البطولة ثاني أحسن هداف بـ6 أهداف، خلف مواطنه اللاعب فيتينهو.
وفي يونيو عام 2016، استدعي لفئة أقل من 17 سنة، ولعب أول مباراة له مع هذه الفئة ضد المنتخب التشيلي في المباراة الودية، التي جمعت بينهما وانتهت بفوز المنتخب البرازيلي بـ4-2، سجل منها فينيسيوس هدفين.
وفاز مع هذه الفئة هي الأخرى بعدة ألقاب أبرزها لقب بطولة الكونمبول لأقل من 17 سنة، واختير خلال هذه البطولة أحسن لاعب وأحسن هداف بـ7 أهداف.
وفي يونيو عام 2018، استدعي فينيسيوس لفئة أقل من 20 سنة من طرف المدرب كارلوس أمادو، استدعي لأول مرة للمنتخب البرازيلي الأول من طرف المدرب تيتي، لخوض مباراتين وديتين أمام كل من منتخب التشيك ومنتخب بنما، لكن الإصابة التي تعرض لها بعد هذا الاستدعاء، أمام نادي أجاكس أمستردام الهولندي في مسابقة دوري أبطال أوروبا، حرمته من أول ظهور له بقميص المنتخب الأول، إلى حين شفائه واستدعائه من جديد في المعسكر اللاحق ليحقق حلمه بارتداء قميص المنتخب البرازيلي الأول في مباراة إعدادية أمام منتخب البيرو.