فيضانات الراشيدية تضر بـ”خطارات” الواحات ومنشآت المستثمرين “تفاقم المأساة”
يوم وراء آخر تتكشف الأضرار المأساوية لضحايا فيضانات الجنوب الشرقي، التي اجتاحت عدة أقاليم بالمنطقة بينها ورزازات والراشيدية وطاطا وتزنيت وغيرها مخلفة خسائر بشرية ومادية جسيمة، شملت حتى ما يُعرف محلياً بـ “الخطارات” أقدم نظام ري في التاريخ بالمغرب، والتي بالإضافة لكونها موروثاً ثقافياً تحافظ عليه الساكنة منذ قرون، تعد أحد أهم العوامل في استمرارية نظام الري لتزويد الواحات بحاجتها من الماء.
والخطارات عبارة عن قنوات مائية مرتبطة بالآبار وتمتد أفقياً تحت الأرض لبضع كيلوميترات، مهمتها تجميع المياه لفترة أطول ومن ثم توزيعها بعد ذلك على الواحات المتواجدة بالمنطقة وفق نظام ري معين.
“لولاها لهاجر سكان المنطقة منذ زمن طويل”. يقول يونس القادري عضو اللجنة الإدارية بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الراشيدية، ويضيف في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن الخطارات تضررت بشكل كبير جراء الفيضانات الطوفانية الأخيرة التي لم يسلم شيء اعترض طريقها منذ مساء السبت 7 شتنبر 2024 بعدد من الأقاليم، بينها إقليم الراشيدية الذي راح فيه 3 ضحايا بينهم أجنبيان.
وشدد القادري على أن جميع الخطارات ذهبت مع السيول، مشيراً إلى أنها حاجة أساسية في المنطقة، باعتبارها تشجع مواطني الراشيدية وضواحيها على الاستقرار في المنطقة، حيث تعد عاملاً مهماً في انتعاش واحات تافيلالت، ولولاها ما كان السكان ليبقوا في هذا المكان.
واسترسل قائلاً: “الماء هو الذي يجعل الحياة مستمرة في إقليم الراشيدية”، ويضيف: “أجهدت الاستثمارات الهائلة التي سمحت بها السلطات هنا فرشتنا المائية”، لافتاً إلى أنه بعدما انتعشت هذه الأخيرة بفضل تساقطات الأسبوع الماضي تسبب المستثمرون ذاتهم في الكارثة الإنسانية بالإقليم، والتي تضرر على إثرها موروثه الثقافي، “الخطارات”.
ويوضح يونس القادري نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بإقليم الراشيدية، في حديثه مع صحيفة “صوت المغرب”، كيف أسهمت الاستثمارت الكائنة بإقليم الراشيدية، من خلال ملاحظاته الميدانية، في تفاقم معاناة السكان خلال فيضانات الجنوب الشرقي التي استمرت إلى ليلة الأحد 8 شتنبر 2024.
ويرى القادري أن سبب ذلك، إقامة منشآت هذه الاستثمارات بمجاري الوديان في المنطقة، وبالتحديد على منابع الخطارات، بعد منح المستثمرين الإذن للعمل هناك في الوقت الذي تعد فيه تلك المنطقة محرمة كونها تقع في مجرى وادي البطحاء، وهو ما نتج عنه ارتفاع حجم الخسائر خاصة بمنطقة الجرف ونواحيها.
وذكر المتحدث ذاته، أن إعاقة بنايات هذه الاستثمارات لمجرى الوادي ولّد ضغطاً على جدار وقائي كانت قد شيدته الجهات المختصة لحماية سكان المنطقة من أي فيضان لواد البطحاء، ما أدى لانهياره وتحول مسار السيول حيث يتواجد المواطنين والمجمعات السكنية، إلا أنه “لحسن الحظ” يضيف المصدر “كان الوقت نهاراً، مع وجود لجان شبابية سهرت على عملية تتبع مسار السيول لتنبيه الساكنة بأي خطر يهددها، وبالمسالك التي يمر منها الفيضان”.
ولولا هؤلاء الشباب، يرى الناشط الحقوقي “لن يكون تدخل السلطات كافياً”، مشيراً إلى أن “أدوار السلطات المحلية، التي لا يجب أن تختصر في انتشال الجثث، تكون ناجعة عندما تتخذ خطوات استباقية فوراً عند إصدار النشرة الإنذارية من أجل حماية السكان، وليس بعد وقوع الكارثة”.
وعدّد القادري مجموعة من الخسائر التي نتجت عن تحول مسار الواد، بما في ذلك “سقوط المنازل بمناطق نواحي الإقليم بينها منطقة أملاكوي والجرف، وبلوغ السيول مجمعاً سكنياً، والوسط الحضري في الجرف التي سلكت عبر الشارع الرئيسي لأول مرة، كما بلغت السيول للمرة الأولى أيضاً قصر البوية”، حسب المصدر ذاته الذي ذكر أن “شباب المنطقة استمروا لما يزيد عن 48 ساعة لرصد وضع السيول وفتح مسالك ومسارات أسهمت في تحويل مجرى الفيضان إلى المسار الطبيعي لواد غريس ما ترتب عنه تخفيف الآثار والحيلولة دون تفاقم الكارثة”.
والسؤال الأهم الذي يطرحه سكان إقليم الراشيدية، يقول الناشط الحقوقي: “من أعطى الحق للمستثمرين في إنشاء مشاريعهم بذلك المكان؟، ما أدى إلى الضغط على الجدار الوقائي وانهياره ووصول السيول إلى قلب الوسط الحضري”.