فعالية أم حكامة؟ أسئلة حول مشروع قانون “مغرب 2030”

بينما ينخرط المغرب في سباق مع الزمن استعدادًا لاستضافة كأس العالم 2030، يبرز مشروع قانون إحداث «مؤسسة المغرب 2030» كخطوة يبدو أنها ترمي قبل كل شيء إلى ضمان سرعة الإنجاز ونجاعة التنفيذ.
لكن خلف هذا التوجّه المشروع، تلوح تساؤلات أساسية: كيف يمكن الجمع بين الفعالية التي يفرضها ضغط المواعيد الدولية، وبين مبادئ الحكامة الجيدة التي تُؤسّس لشفافية التدبير وترسيخ الثقة في المؤسسات؟ وهل يكفي التعويل على الاستثناءات لتسريع وتيرة العمل، دون أن يترتب على ذلك إضعاف آليات الرقابة والمشاركة؟
هذه القراءة لا تقف عند حدود التشخيص، بل تحاول أيضًا طرح بدائل تُمكّن من الحفاظ على روح المشروع الوطني دون المساس بالضمانات الدستورية، حتى يظل تنظيم كأس العالم فرصة لتعزيز الثقة في المؤسسات، لا اختبارًا لها.
يقدّم مشروع القانون رقم 35.25 المتعلق بإحداث “مؤسسة المغرب 2030” نفسه كأداة لتجاوز بطء المساطر الإدارية التقليدية، مستلهمًا مبادئ «التدبير العمومي الجديد» (New Public Management) التي تشدّد على المرونة واعتماد أساليب القطاع الخاص لتحقيق النجاعة.
لكن التمعّن يكشف عن مفارقة جوهرية: هذه الفعالية المرجوّة تُبنى عمليًا على تقليص آليات الرقابة والمساءلة التي تُعد ضمانة أساسية لتحقيق المصلحة العامة. ومن المنصف القول إن هاجس التحرر من القيود البيروقراطية مفهوم تمامًا في سياق احترام آجال دولية صارمة؛ غير أنّ التوازن بين السرعة والرقابة يظل ضروريًا لتفادي الانحرافات.
وتبرز هذه المسألة بوضوح في المادة 15، التي تُخرج المؤسسة من نطاق تطبيق القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة، وتُحيل الرقابة إلى «اتفاقية خاصة» لم يُبيَّن مضمونها تفصيلًا. علمًا أنّ هذا القانون يُعد إطارًا مرجعيًا لضبط الصرف المالي وضمان رقابة قبلية وبعدية على المال العام، مما يطرح تساؤلًا حول مدى كفاية البديل المقترح.
يُعزّز هذا القلق ما تطرحه نظرية الحوكمة من «معضلة الوكالة» (Agency Problem): إذ تقتضي الحكامة أن تظل المؤسسات التي تتصرّف في الأموال العامة موصولة برقابة مستقلة من «الأصيل» (الدولة والمجتمع) لتقليل مخاطر الانحراف عن المصلحة العامة.
وهنا يمكن الاستفادة من تجارب دولية؛ حيث ساهم ضعف الرقابة والشفافية في أزمات مالية كبرى، مثل تلك التي صاحبت تحضيرات كأس العالم بالبرازيل 2014، بما تضمنته من تجاوزات مالية أثّرت سلبًا على صورة المشروع.
وتتعمّق هذه الإشكالية أيضًا في تركيبة الأجهزة المسيرة للمؤسسة: فالمجلس التنفيذي يحتكر صلاحيات القرار والتنفيذ بطابع يغلب عليه التمثيل الحكومي، فيما يُحصر دور المجلس الاستشاري في إبداء الرأي غير الملزم، بما يُقلّص من فعالية المشاركة المجتمعية.
ولتجاوز هذه الصعوبات، يمكن التفكير في مقترحات عملية تضمن التوازن بين سرعة الإنجاز وحماية المال العام:
- تعديل المادة 15 لتنص في القانون ذاته على المبادئ الأساسية للرقابة، بما يضمن ألا تقلّ الاتفاقية الخاصة رقابةً وفعاليةً عما يوفره القانون 69.00.
- إقرار رقابة برلمانية عبر إلزامية عرض الاتفاقية الخاصة على اللجان البرلمانية المختصة قبل اعتمادها، بما يعزز الإشراف الديمقراطي.
- تفعيل الشفافية من خلال نصّ يُلزم المؤسسة بنشر تقارير مالية وتقارير إنجاز نصف سنوية موجَّهة للعموم، تطبيقًا للحق الدستوري في الحصول على المعلومة.
وفي الختام، يتضح أن النقاش الحقيقي حول مشروع «مؤسسة المغرب 2030» لا ينبغي أن يُختزل في مفاضلة بين الفعالية أو الحكامة، بل في كيفية بناء توازن دقيق يجمع بينهما.
فنجاح هذا المشروع الوطني لا يُقاس فقط بما يُنجَز على الأرض من ملاعب وبنى تحتية، بل أيضًا – وبالقدر نفسه – بدرجة الشفافية والرقابة والمشاركة التي تُؤطر هذا الإنجاز.
إنّ الرهان اليوم ليس مجرّد سباق مع الزمن، بل اختبار لقدرتنا على أن نُثبت للعالم، ولأنفسنا أولًا، أنّ المغرب قادر على الجمع بين سرعة التنفيذ ورسوخ قواعد الحكامة الجيدة. فهكذا فقط يتحول هذا الحدث العالمي من مجرد ورش بنيوي إلى ورش ثقة وطنية متجددة.