فرنسا تنهي القيود على التأشيرات الممنوحة للمغاربة
أعلن السفير الفرنسي بالرباط كريستوف لوكورتي عن رفع كل القيود المفروضة على إصدار التأشيرات من قبل السلطات الفرنسية لصالح المواطنين المغاربة، منهيا بذلك أزمة كانت قد أكملت عامها الثاني، بدأت باتخاذ فرنسا لقرار تقليص التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف.
وقال لوكورتييه، في حوار أجراه أمس الإثنين مع راديو “دوزيم”، إن قرار تقليص التأشيرات الممنوحة للمغاربة شكّل “خسارة” وأضر بعمق صورة فرنسا، مشددا على أن تدبير علاقات خاصة مثل تلك التي تجمع المغرب بفرنسا لا يمكن أن يتم بمنطق حسابي.
ووصف لوكورتييه ما تعرض له المغاربة بتقليص التأشيرات الفرنسية الممنوحة لهم بـ”الإهانة” وقال: “سنحتاج وقتا لمحو هذه الإهانة، وعديدون من أحسوا بأنفسهم مهانين بسبب هذا القرار”.
وعن الخطوة الجديد، أكد لوكورتييه على أنه “لا يوجد أي قيد على منح التأشيرات”، وأن كل من تتوفر فيه الشروط المطلوبة سيحصل على تأشيرته لدخول الأراضي الفرنسية.
سياق انفراج
تصريحات السفير الفرنسي التي وضعت حدا لأزمة عمرت طويلا، تأتي في سياق بوادر انفراج بين المغرب وفرنسا، ظهرت بملامح أقوى خلال الشهر الأخير.
لوكورتييه أعلن هذا الإجراء الفرنسي الجديد، بعدما استقبله الملك محمد السادس وتم اعتماده رسميا سفيرا لفرنسا في الرباط، كما أنه أعلن عنه في مؤسسة إعلامية مغربية شبه عمومية، بعدما كان المسؤولون الفرنسيون في المغرب، يشتكون إلى وقت قريب مما يصفونه بالحصار المضروب عليه من قبل القنوات المغربية.
المغاربة بآخر الصف
ومنذ شهر شتنبر من سنة 2021، خفضت باريس بنسبة 50 في المائة عدد التأشيرات الممنوحة للجزائر وتونس والمغرب، بحجة الضغط على حكومات هذه البلدان التي تعتبرها باريس غير متعاونة في ملف استعادة مواطنيها المطرودين من فرنسا.
وبعد سنة من القرار، بدأت فرنسا في تجاوز هذا التقليص بالنسبة للمواطنين التونسيين والجزائريين، حسب ما كانت قد أعلنت عنه وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، فيما واصلت حرمان المغاربة من التأشيرات.
وتواصلت شهادات المئات من المغاربة الذين رفضت فرنسا منحهم تأشيرة زيارتها، على الرغم من استيفائهم لكافة الشروط القانونية لذلك.
إجراء غير مبرر
التشديد الفرنسي في منح التأشيرة للمغاربة كان قد أثار غضب المسؤولين في الرباط، ومنهم وزير الخارجية ناصر بوريطة الذي وصف الإجراء الفرنسي بـ “غير المبرر لمجموعة من الأسباب”، خصوصا بعدما ربطته باريس برفض المغرب استعادة مواطنيه المقمين بطريقة غير قانونية في فرنسا.
وبحسب بوريطة، فإن المغرب “كان دائما يتعامل مع مسألة الهجرة وتنقل الأشخاص بمنطق المسؤولية والتوازن اللازم بين تسهيل تنقل الأشخاص، سواء طلبة أو رجال الأعمال، وما بين محاربة الهجرة السرية، والتعامل الصارم حيال الأشخاص الذين هم في وضعية غير قانونية”.
ولفت إلى أن السبب الثاني يتعلق بكون “المغرب من منطلق هذه المسؤولية أعطى تعليمات واضحة لاستقبال عدد من المواطنين الذين كانوا في وضعية غير قانونية بفرنسا؛ مشددا على أن حرمان المغاربة من التأشيرات “غير مناسب؛ لأن البلاد تعاملت بشكل عملي وصارم مع المهاجرين غير القانونيين”.
احتجاجات حقوقية
وكان تقليص فرنسا لتأشيراتها الممنوحة للمغاربة قد أثار غضب هيئات حقوقية، ومنها من احتجت أمام مقر الاتحاد الأوروبي في العاصمة الرباط ضد هذا الإجراء الذي وصفته بـ”التعسفي”.
ومن بين الهيئات التي كانت قد احتجت بمراسلة المسؤولين الفرنسيين والأوروبيين، نجد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والتي قالت إن “اتخاذ الدولة الفرنسية لقرار خفض عدد التأشيرات بالنصف، ليس له تفسير إلا حساباتها الاستعمارية والابتزازية”.
واتهمت الجمعية فرنسا بتطبيق هذا الإجراء على التأشيرات من أجل الضغط على الدول التي طالها “لفرض المزيد من الإذعان لمصالحها العسكرية والاقتصادية والجيواستراتيجية”.
وطالبت الجمعية رئيس الدولة الفرنسية وحكومتها بوضع حد لمعاملة المواطنين والمواطنات المغاربة بـ”العجرفة الاستعمارية”، والتزامها باحترام مبدأ حرية التنقل كما هو منصوص عليه في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
هل تنتهي الأزمة الدبلوماسية؟
تمر العلاقات بين المغرب وفرنسا بتوتر مفتوح وأزمة معلنة منذ أكثر من سنتين ونصف السنة، على خلفية ملفات متعددة، لا تمثل أزمة التأشيرات سوى جزء منها.
ومن بين النقاط الخلافية التي تشكل ملف الأزمة الأخيرة بين البلدين، قضية الصحراء المغربية،وإشكالات استخباراتية مثل التجسس، وآخرها الجدل الناتج عن رفض المغرب المساعدات الفرنسية في الزلزال الذي ضرب مناطق في المغرب في الثامن من شتنبر الماضي.
وعلى الرغم من الخلافات، يبقى البلدان مضطران لإيجاد مساحات توافق، لتدبير علاقات إنسانية واقتصادية عميقة، حيث أن حوالي 1.5 مليون فرنسي مغربي في فرنسا، وأكثر من 50 ألف فرنسي في المغرب.