story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
أمن وعدالة |

فؤاد عبد المومني: التباسات الاعتقال

تم توقيف الفاعل المدني فؤاد عبد المومني في سياق ملتبس جدا
ص ص

لا يوجد أي خبر صادر عن جهة رسمية عن سبب التوقيف، إلا ما نشرته مواقع قبل التوقيف عن بحث أمرت به النياية العامة بخصوص تعليقه على تدوينة للناشط سابقا في حركة 20 فبراير حمزة محفوظ.

تعرض فؤاد لحملة تشهير منظمة وممنهجة، مست حياته الشخصية، وكانت حملة حافلة بأحط وأقذر عبارات السباب والحط من الكرامة الإنسانية، والتي مست كذلك أفرادا من عائلته، دون أن تتدخل النيابة العامة باعتبار اختصاصها في تحريك الدعوى العمومية، أو أن تتدخل جهة ما نافذة لها علاقات بهذه المواقع للجمها عن هذا الانحدار، خصوصا أنها في التقارير الحقوقية الدولية يتم تصنيفها على أساس أنها مقربة من الدولة، بما في ذلك تقارير الخارجية الأمريكية عن وضع حقوق الإنسان.

تم اتهام فؤاد في هذه المواقع على انه ينفذ أجندات دول اجنبية (مرات فرنسا، وأخرى الجزائر،،،)، وكان الواجب يحتم على النيابة العامة فتح تحقيق في هذه الادعاءات، لأن الأمر له علاقة بالأمن الخارجي للدولة.

ولأن النيابة العامة ربما كانت تدرك أن تلك الادعاءات لا أساس لها من الصحة، وأنها جزء من حملة ممنهجة ضد الرجل، آثرت غض البصر، رغم أنها تبادر للأمر بفتح تحقيقات حول ادعاءات أقل خطورة من هذه.

ما كتبه حمزة محفوظ وتقاسمه فؤاد هي معطيات مازال ينشرها الإعلام الدولي، وخصوصا الفرنسي لحد اليوم، وللمفارقة فجريدتا لومانيتي ولوموند أعادتا التذكير بتلك الاتهامات يوم خطاب ماكرون في البرلمان المغربي، وبصيغة الجزم، واعتبرتاها أساس التوتر المغربي الفرنسي السابق على عودة العلاقات لدفئها.

وما كتبه محفوظ عن المكالمة المتوترة بين الملك وماكرون بخصوص احتمال التجسس على هاتف الأخير، كان الطاهر بنجلون اول من قاله في حوار تلفزيوني، الطاهر بنجلون الذي كان عضوا في الوفد المرافق لماكرون.

حين تنشر وسائل الإعلام الكبرى معطيات بغض النظر عن صحتها كليا أو جزئيا، أو عدم صحتها، فإن المتلقي حر في تصديقها أو تكذيبها، وفق ما توافر له من قرائن أو سوابق مرتبطة بذلك الموضوع، وأغلب ما ينشر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من معطيات لها علاقة بالسياسة أو الحروب أو الاقتصاد أو الفن أو الرياضة، هي مبنية على معلومات صدرت في الإعلام، وتكون صدقيتها نابعة من صدقية ومكانة المنبر الذي نشرها أول مرة، فمثلا في الحرب الإسرائيلية الحالية على فلسطين ولبنان، يتم تداول بسرعة كبيرة كل ما يصدر عن موقع أكسيوس، والذي يبقى موثوقا به إلا أن يظهر ما يفنده من معطيات أكثر إقناعا.

إذا كان محفوظ وفؤاد مثلا مالا إلى تصديق ما نشرته كبريات المنابر الإعلامية الدولية (لوموند، الواشنطون بوست، الغارديان، إلباييس،،،،)، فهما والحالة هذه لم يختلقا أي اخبار كاذبة، بل نشرا ما يروج في جزء معتبر من الإعلام الدولي.

وحين تقدم الدولة المغربية روايتها، فليس واجبا على كل مواطن أن يصدقها كليا أو جزئيا، فلكل واحد الحق في مقارنة الروايات، واستنتاج ما يراه الأقرب للحقيقة.

والحالة هذه، فالدولة يجب أن تواجه المصدر الأصلي لتلك الادعاءات، والتي هي صحف دولية مرموقة، والتي لا زالت تكررها، وإذا كان تقرير للاستخبارات الإسبانية موجه للبرلمان المحلي أقر بعدم وجود دليل دامغ على تورط مغربي في التجسس على إسبانيا، فإنه لم يصدر أي نفي واضح من المصالح الفرنسية المعنية.

هذا لا يعني التسليم بما نشرته تلك المواقع، واعتباره قرآنا منزلا، بل فقط يعني أن فؤاد وحمزة وغيرهما، لا يتحملان أي مسؤولية في تصديق تلك الروايات، ما داما لم يقتنعا بردود المؤسسات الرسمية المغربية، إلا إذا كان هناك قانون لا نعرفه، يلزم كل مغربي بعدم إصدار أي موقف، أو بتجريم أي تحليل، أو بكتابة أي معطيات، بناء على معلومات صادرة عن الإعلام الأجنبي تم نفيها من طرف السلطات المغربية.

إن مثل هذه الوقائع، هي أشبه بمكارثية جديدة، وقريب منها ما تعرض له نشطاء في مناهضة التطبيع، عبروا عن عدم اقتناعهم بالمزاعم التي أطلقها وزير الخارجية المغربي، والناطق الرسمي السابق باسم الحكومة مصطفى الخلفي، المتعلقة بالتوفر على دلائل تفيد تورط حزب الله اللبناني في تدريب ميليشيات البوليساريو.

وحين يطالب هؤلاء الناشطون بتقديم هذه الأدلة، وحين ينطلقون من تحليل يفيد باستحالة ألا تصنف الولايات المتحدة جبهة البوليساريو منظمة إرهابية إذا ثبت تسليحها وتدريبها من طرف حزب الله، يتم مواجهتهم بمقولة “ماكارثية”: كيف تصدقون شيعيا لبنانيا وتكذبون مسؤولا مغربيا؟

هل كان على الأمريكيين مثلا أن يظلوا مصدقين لاقتراب صدام من التوفر على القنبلة النووية، بعدما تبينت سخافة كل تلك الاتهامات التي سبقت اجتياح بغداد، فقط لأنها صدرت عن الرئيس الأمريكي ووزيري خارجيته ودفاعه؟

إن الدولة القوية والواثقة من مواقفها وخياراتها، لا تضيق ذرعا بأي معطيات تنشر حولها، صادقة كانت أم كاذبة، فتفند الكاذب منها، وقد تنفي حتى الصادق منها (فالسياسة ميدان للإنكار كذلك)، دون أن تقيم محاكم التفتيش، ولكن إذا ثبت بعد ذلك كذبها على مواطنيها، فإن المسؤولين يتحملون نتائج ذلك اعتذارا واستقالة إذا اقتضى الأمر.

لا تتساهل الدول القوية إلا مع الأخبار التي لها خطورة على الأمن القومي، والمرتبطة بأسرار الدولة الواضح تجريم الكشف عنها في قوانين صريحة ودقيقة، ما عدا ذلك، فإن المؤسسات الحكومية والأمنية والعسكرية والسياسية إما تتجاهل ما ينشر حولها من معلومات، أو تقوم بالنفي، أو بالرد المتضمن لمعطيات لها كفاية إقناعية.

أما وصف الدولة بالهزيلة أو المتخلفة أو غير ذلك من الأوصاف، فمما هو دارج يوميا عالم الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ومناقرات السياسيين في الدول “الديموقراطية”.

لقد وصف إريك زيمور المرشح السابق للرئاسة الفرنسية بلده بالمنحط، بل جعله عنوان كتاب له، وفي المظاهرات يتم وصف الدولة بالمجرمة، والمسؤولين باللصوص، وهي أوصاف تعتبر جزء من حرية التعبير، والتي لا تعني تشكيكا في الذمة المالية أو الأخلاقية للمسؤولين باعتبارهم أشخاصا، بل تعني التعبير عن الاستياء من السياسات القائمة.

مع العلم أنه بالعودة لتدوينة فؤاد عبد المومني، يتضح أن وصف الدولة بالهزيلة كان في سياق بيان كيف ينظر للدول الضعيفة من طرف الدول الكبرى.

لقد كان فؤاد عبد المومني خارج الوطن حين تم نشر خبر مطالبة النيابة العامة بفتح تحقيق حول تدويته وتدوينة حمزة محفوظ، ومع ذلك عاد إلى وطنه، مما يدل على أن لا مشكل له في الاستجابة لأي استدعاء قد يتوصل به من أجل التحقيق معه، فلماذا سيتم توقيفه واقتياده ووضعه تحت تدابير الحراسة النظرية؟ والحال أنه كان يمكن استدعاؤه والاستماع له بشكل عاد؟

وثمة نقطة أخيرة، مرتبطة بتوقيت الإيقاف والوضع تحت تدابير الحراسة النظرية، وهي المتعلقة بتزامن يوم تقديمه أمام النيابة العامة غدا الجمعة، مع إضراب المحامين، فهل هي مصادفة فقط؟ أتمنى صادقا أن تخيب ظنوني.

تحدث رئيس مجلس النواب المغربي خلال ترحيبه داخل قبة البرلمان بماكرون كثيرا عن الديموقراطية المغربية، وعن احترام الدولة لحقوق الإنسان، وأسهب في ذلك، فهل يستقيم والحالة هذه منع وقفة أما قنصلية فرنسا بالدار البيضاء، بمجرد مغادرة ماكرون المغرب، ثم توقيف فاعل مدني معروف بسبب تدوينة تضمنت ما كتبه جزء من الإعلام الفرنسي المعروف أثناء الزيارة نفسها؟

ألا يعد هذا تشويشا بعديا على الزيارة؟