story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رياضة |

غزلان الشباك.. الكرة بصيغة المؤنث

ص ص

في سن الخامسة والثلاثين، ارتدت عميدة المنتخب الوطني للإناث غزلان الشباك ثوب الـتألق من جديد في بطولة كأس إفريقيا للأمم 2025 التي يحتضنها المغرب، وسجلت حضورا لافتا في المباراة الافتتاحية ضد المنتخب الزامبي، عندما سجلت هدف التعادل 2-2 في الأنفاس الأخيرة من المباراة، ثم عادت في المباراة الثانية أمام الكونغو لتسجل “الهاتريك” وتتصدر قائمة هدافات البطولة حتى الآن مناصفة مع لاعبة المنتخب السنغالي نيغينار نداي بأربعة أهداف.

غزلان الشباك ذات المسار الرياضي الطويل والتجارب المتعددة مع أندية وبطولات مختلفة لازالت ترى في نفسها القدرة على إعطاء الإضافة المؤثرة من قائدة الفريق، مستفيدة من تجربتها الطويلة، ومن ممارستها في المستويات العليا لكرة القدم النسوية في أوروبا.

بداية بطعم الرفض

كان اللاعب الدولي المغربي السابق في فترة الستينات والسبعينات، الراحل العربي الشباك، أكثر تفهما وليونة مع ابنته الصغيرة غزلان، عندما كانت تبدأ أمها في توبيخها، بسبب إهمال دراستها واهتمامها الزائد بممارسة كرة القدم مع ذكور الحي في ملاعب “الحمري”، حتى أنه حسم الأمر ذات مرة وتدخل بهدوء مخاطبا زوجته: “خلي البنت على خاطرها، راه هي اللي غتهز سميتي فالكرة”.

تقول غزلان الشباك عميدة المنتخب الوطني للإناث لموقع “تاجة سبور”: “كان أبي يدعمني بقوة منذ صغري. كان يرى فيّ اللاعبة الموهوبة التي تصلح لأن تكون لاعبة كرة قدم في المستقبل ”فهو من سمح لها وهي طفلة، بأن تلعب كرة القدم في أزقة مدينة الدار البيضاء مع أبناء الحي. ولم يقف في وجهها أو يمنعها من ممارسة هوايتها، بل كان يشد على يدها ويشجعها على ذلك.

غزلان من مواليد 22 غشت 1990 بمدينة الدار البيضاء، ترعرعت غزلان وسط عائلة رياضية، الشيء الذي جعل حُب المستديرة ينمو بداخلها ويغدو شغفا، إذ تقول في إحدى اللقاءات الإعلامية السابقة: “لم تكن لإخوتي سلطة تحُد من حريتي في لعب كرة القدم أو تمنعني من ممارسة هوايتي المُفضلة، ولاسيما بعد أن لفتت انتباههم قدراتي الفنية، لقد ساعدوني كثيرا” مشيرة إلى أن والدها لم يكن قلقا عليها منذ البداية، لأن انطلاقتها الأولى كانت بجانب إخوتها.

وتزيد غزلان، في لحظة بوح صادق، “كُنت الفتاة الوحيدة التي تلعب مع الأولاد في الحي، كان ذلك غريبا في مجتمعنا المغربي الذكوري الذي يزداد استغرابه لما يراك تمارسين رياضة تصلح في ظنه للرجال فحسب، وأنا أساسا كنت أظن بداية أنني الفتاة الوحيدة في العالم التي تلعب كرة القدم، قبل أن أنفتح على الميدان أكثر، وأكتشف أنني واحدة من فتيات كثيرات تُداعبن الساحرة المُستديرة”.

مسار من التحديات

أولى الفرق التي تلقّت فيها غزلان، أول تدريب مُحترف، كان “فريق دفاع عين السبع” بالدار البيضاء وكان آنذاك مدرب الفريق يسمح لها باللعب إلى جانب اللاعبين الفتيان لكي يزداد مستوى المنافسة لديها، بحيث أنه لم يكن فريقا للفتيات، فتقول غزلان “اللعب مع الفتيان مكنني من تعميق فهمي لكرة القدم، لقد استطعت استيعاب دور اللاعب في الفريق وأثناء المباريات، وكيف يمكن له أن يلعب بطريقة جيدة في مختلف المراكز داخل الملعب”.

مضت غزلان، التي تلعب في وسط الميدان، للانخراط في صفوف فريق “الرشاد البرنوصي” بالدار البيضاء، الذي كان يضم فريق كرة قدم نسائي، الشيء الذي جعلها تكتشف لاعبات أخريات يشاطرنها الحب والشغف للكرة المستديرة، فتعربُ عن سعادتها بالقول: “كنت سعيدة حين لمحت لاعبات كرة قدم أخيرا، وازداد منسوب سعادتي لما علمت بأن هناك فرقا نسائية أخرى سنواجهها وسنلعب أمامها”.

من فريق إلى آخر، مشت غزلان على مسار درب الاحتراف الكُروي، فكانت قادرة على تنظيم وقتها ما بين الدراسة والكرة، إلا أن ذلك لم يستمر طويلا، بحيث أنها بالتحاقها بصفوف المنتخب الوطني لأول مرة سنة 2007، أصبح لزاما عليها البقاء في المعسكرات التدريبية لفترة تتراوح ما بين أسبوعين إلى ثلاث، فلم تكن آنذاك قادرة على الالتحاق بمقاعد الدراسة، على غرار باقي زميلاتها بالفريق، لأن المعسكرات تكون مُغلقة وتتطلب تركيزا عاليا للمقابلات والاستحقاقات المقبلة.

بأسف تتحدث غزلان، عن هذه المرحلة من حياتها، إذ كان لزاما عليها الاختيار بين الاستمرار في الدراسة أو مُعانقة الدائرة المستديرة، غير أن الغصّة سرعان ما ذابت، فكان التحاقها بالمنتخب الوطني “لبؤات الأطلس”، خير عزاء لها، فتقول “سررت عندما تم الاتصال بي لأول مرة لحمل قميص المنتخب المغربي الذي أعتبره فخرا كبيرا، والذي سجلت أكثر من 20 هدفا لصالحه، لكن السعادة الأكبر كانت لأمي وأبي اللذين تعبا من كلام الناس عني وعن ممارستي لكرة القدم، لقد استطعت إسعادهما أخيرا بعد أن شاركاني همومي وساعداني ماديا ومعنويا كي أصل لمبتغاي”.

بين الأندية والمنتخب

كانت البداية الفعلية لغزلان من فريق نادي الرشاد البرنوصي النسائي، ثم تنقلت بعد ذلك بين عدة أندية، منها: الوداد والرجاء البيضاويين، والنادي البلدي للعيون، ثم نادي النسيم الرياضي في سيدي مؤمن، وأكسبتها هذه التجارب خبرة كبيرة لتتمكن من حجز مقعدها في صفوف المنتخب المغربي للمرة الأولى عام 2007، وسجلت حضورها الدولي الأول أمام فرنسا في مباراة تجريبية عام 2008.

وخاضت غزلان تجربة احتراف خارجية قصيرة في مصر عبر بوابة فريق مصر المقاصة موسم 2010-2011، قبل أن تعود مجددًا إلى دوري بلادها عبر نادي الجيش الملكي عام 2012، وبعد ذلك خاضت تجربة احتراف في نادي ليفانتي الإسباني الذي لازالت تمارس فيه إلى الآن، وقد كسبت فيه احترام مكونات الفريق بالنظر لانضباطها واحترافيتها وتجربتها الطويلة في الملاعب.

وحققت غزلان خلال مسيرتها الكروية العديد من الإنجازات غالبيتها مع الجيش الملكي، حيث فازت معه بالبطولة الوطنية المغربية 9 مرات، ونالت 8 ألقاب في مسابقة كأس العرش، كما حققت مع الفريق المركز الثالث في النسخة الأولى من دوري أبطال أفريقيا للسيدات الذي احتضنته مصر في نوفمبر 2021.

وعلى صعيد الجوائز الفردية، تربعت قائدة المنتخب المغربي على عرش هدافات البطولة الوطنية للمحترفين في الموسم الرياضي 2013-2014، بتسجيلها 54 هدف في 20 مباراة، كما حصلت على لقب وجائزة أفضل هدافة في البطولة الوطنية للمحترفين للموسم الرياضي 2019-2020، إضافة إلى مساهمتها في فوز المنتخب المغربي بوصافة بطولة كأس أمم إفريقيا 2022، والتأهل إلى كأس العالم للسيدات 2023 للمرة الأولى في التاريخ.

كاريزما القيادة

يرى عبد الله هيدامو اللاعب الدولي السابق، ومدرب غزلان الشباك في الفريق النسوي للجيش الملكي، أنها تملك مقومات اللاعبة المحترفة والموهوبة، فهي تطبق كل ما يطلب منها أثناء التدريبات بسلاسة وسهولة وبتفوق واضح على بقية زملائها.

ويكشف هيدامو في تصريح لصحيفة “لومتان سبورت”: “أن غزلان في الكثير من الأحيان تتفوق على الرجال في لعبة التهديف ويقول: “في مواقف تستلزم رد فعل فوري وذكي، تفاجئني غزلان بحركات فنية أمام المرمى يعجز الكثير من الهدافين الرجال عن اتقانها، فهي تتقن حركة رفع الكرة على الحارسات (بيشنيت) كلما انعدمت زوايا التسديد أمامها، كما تتقن المراوغات وتطورها وهو ما يجعلها هدافة من طراز نادر، حيث سيطرت على لقب الهدافة لست سنوات متتالية بمعدل ما بين 38 و40 هدفا، وست ألقاب متتالية للبطولة و5 لكؤوس العرش”.

ويؤكد هيدامو أن ما يساعد غزلان هي شخصيتها المرحة مع بقية زميلاتها والطاقم التقني، فضلا عن استيعابها للنهج التكتيكي الذي يضعه المدرب، بحيث تطبق ما يطلب منها داخل رقعة الملعب سواء على مستوى الأداء أو على مستوى التموقع والتحرك، مشددا على أن سرعتها الكبيرة وتقنياتها العالية تضع دفاع الخصم في ورطة أمامها”.
رمز للكرة النسوية

وعن مستوى كرة القدم النسوية في المغرب تقول غزلان الشباك لموقع “تاجة سبور”: “إن اللاعبات لازلن يعانين من بعض المشاكل التقنية. الجانب التكتيكي مهم كذلك ومعه طريقة افتكاك الكرة من الخصم”. كل هذا في نظر غزلان، يجب على اللاعبة أن تتعلمه وتتقنه وهي تلعب في الفئات الصغرى كما نظرائهن من الذكور، الذين نجدهم مكتملين فنيا وبدنيا وتكتيكيا عندما يبلغون الدوري الممتاز”.

“النقص على المستوى التقني يعد من بين أسباب عدم تأهلنا لكأس العالم لكرة القدم للسيدات 2019 نحن وباقي المنتخبات العربية”، تقول شباك الفائزة بجائزة أفضل لاعبة مغربية عدة مرات.

“لو كانت البطولة الوطنية احترافية قبل سنوات طويلة، وكانت هناك مواكبة إعلامية جادة لكرة القدم في شقها النسوي، وكان هناك تدريب عالي المستوى يقدم منتوجا يستطيع المنافسة، لكنا في المغرب قد وصلنا إلى المستوى الأوروبي منذ زمن بعيد”.

لهذا، تتمنى غزلان أن تتفادى الأجيال القادمة ما وقع فيه الجيل الحالي من لاعبات كرة القدم، وتقول في هذا السياق، “أوجه دائما رسالتي أولا للآباء، ادعموا بناتكم إذا كان لديهن اهتمام بالرياضة. لأنهم إذا لم يدعموا بناتهم في ممارستهن للرياضة، فإنه ستصعب عليهن مواجهة المعيقات التي تصادفهن، وسيفشلن. هذا ما استنتجته من تجربتي، لو أن والداي لم يقفا بجانبي لما كنت لاعبة كرة قدم، ولبقيت محصورة في سجن المجتمع المعيق وأحاديثه”.

“نحن في الطريق الصحيح كي نصبح في مستوى كرة القدم الذكورية. لن نرمي بأسلحتنا جانبا ولن نستسلم أبدا”، التفاؤل بارز على نبرة صوت غزلان التي ترغب في أن تصبح كل فتيات المغرب قادرات على فرض أنفسهن وإثبات قدراتهن الرياضية.