عيد بلا أضحية.. كيف يحتفل المغاربة بعيد الأضحى هذه السنة؟

أثناء العودة من صلاة عيد الأضحى، يوم السبت 7 يونيو 2025، لا رائحة للعيد ولا طعم. المصلون يقفلون راجعين إلى منازلهم دون عجلة من أمرهم، لا أصوات غثاء غنم، ولا دخان فحم يعلو البيوت، ولا دماء أمام المنازل التي اعتاد أصحابها على ذبح أضحياتهم أمامها. لا شيء يشبه سنوات ألف فيها المغاربة أجواء مختلفة بهذه المناسبة.
قد يكون المشهد مألوفاً لدى مواطنين، لكنه ليس كذلك بالنسبة لكثيرين، فمعظم من ولدوا خلال السنوات العشر التي أعقبت آخر مرة ألغي فيها عيد الأضحى بالمغرب (1996)، تجاوزت أعمارهم العشرين، أما من كان عمره حينها عاماً واحداً، فقد بلغ اليوم الثلاثين.
لكن لا بد أن يكون لهذا اليوم ما يميّزه عن سائر الأيام العادية، فحتى لو ألغيت شعيرة ضمن مناسبة دينية لدى المسلمين، تبقى روح هذا اليوم في المجتمعات العربية والإسلامية. ومن ذلك صلاة العيد صباحاً بما فيها من شعائر، وخطبة الإمام، وما أعقبها من وقفات تضامنية مع غزة يحرص المغاربة على تنظيمها في كل عيد منذ بداية العدوان الإسرائيلي على أشقائهم الفلسطينيين في القطاع المحاصر.
وكذلك صلة الأرحام وتبادل الزيارات، وقضاء أيام عطلة كاملة مع الأسرة في سفر أو استجمام، تفي محاولة لعيش أجواء العيد رغم تعذر ذبح الأضحية هذه السنة. ولعل ما يكمل المشهد، حرص العديد من المواطنين على شراء اللحوم، إلى جانب ما تتطلبه المناسبة من خضروات وتوابل وأواني ليعيشوا عيدهم بحفلات شواء أو ولائم يجتمع فيها الأقارب والأصدقاء، ولو ليوم أو يومين.
أما على المستوى الرسمي، فقد حرص الملك محمد السادس على أداء شعيرة الأضحية نيابة عن المواطنين، بصفته أميراً للمؤمنين، إذ ظهر بجلبابه وطربوشه الأحمر وسط خدم القصر الملكي، وهو يذبح كبش العيد في مدينة تطوان حيث يقضي عيد الأضحى المبارك وعطلته الصيفية.
وكان الملك قد وجّه، في فبراير 2025، رسالة سامية دعا فيها الشعب المغربي إلى عدم القيام بأضحية العيد، قائلاً: “من منطلق الأمانة المنوطة بنا، كأمير للمؤمنين والساهر الأمين على إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، وما يقتضيه واجبنا في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير، والتزاما بما ورد في قوله تعالى: ‘وما جعل عليكم في الدين من حرج’، فإننا نهيب بشعبنا العزيز إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة”.
وأضاف: “سنقوم إن شاء الله تعالى بذبح الأضحية نيابة عن شعبنا وسيراً على سنة جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عندما ذبح كبشين وقال: “هذا لنفسي وهذا عن أمتي”.
التزم المواطنون، بحسب ما يبدو عليه الوضع، بدعوة العاهل المغربي، حتى وإن أقبلوا بشكل لافت على شراء اللحوم خلال الأسبوع الأول من شهر ذي الحجة، في الوقت الذي برزت فيه أصوات تنتقد الطريقة التي تم بها تنفيذ القرار، خاصة مع تبني السلطات “مقاربة أمنية” لمنع بيع الأضاحي، مقابل ارتقاع الإقبال على لحومها، وهو ما اعتبره مراقبون “سكباً للماء في الرمل”.
ومع غياب شعيرة الذبح، يشعر كثيرون بأن هناك شيئاً ناقصاً غير الأضحية ذاتها. فجلود الأكباش التي اعتاد المارة رؤيتها معلقة على الأسطح أو متراكمة في الأزقة الشعبية غابت، كما غابت تجمعات الشباب لـ “شيّ الرؤوس” التي كانت تدر على ممارسيها الموسميين دخلاً لا يقل عن 20 درهماً للرأس الواحد مع الأرجل. كما خلت الشوارع من مخلفات الذبح التي كانت ترهق عمال النظافة الذين نادراً ما كانوا يشعرون بطعم العيد.
إلى جانب ذلك، اختفت مهن موسمية أخرى مثل “فنادق الخروف” (أماكن خاصة لحراسة الأضاحي خلال الأيام القليلة التي تسبق يوم النحر)، وبائعي التبن والفحم، ومسني السكاكين، وغيرها من المظاهر التي اعتاد المغاربة حضورها في هذه المناسبات.
ومع ذلك، لا يزال المواطنون يعيشون عيد الأضحى بروحه وقيمه وفرحه. لعل معنى من معاني العيد تتجسد اليوم، من خلال التضحية بشعائره ومظاهره تعبيراً عن سلوك تضامني لتجاوز آثار الجفاف ونقص رؤوس الأغنام في المملكة.
يقول العاهل المغربي في رسالته الملكية: “إن الاحتفال بهذا العيد ليس مجرد مناسبة عابرة، بل يحمل دلالات دينية قوية، تجسد عمق ارتباط رعايانا الأوفياء بمظاهر ديننا الحنيف وحرصهم على التقرب إلى الله عز وجل وعلى تقوية الروابط الاجتماعية والعائلية، من خلال هذه المناسبة الجليلة”.
ويتابع قائلاً: “إن حرصنا على تمكينكم من الوفاء بهذه الشعيرة الدينية في أحسن الظروف، يواكبه واجب استحضارنا لما يواجه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية”. ويضيف “لهذه الغاية، وأخذاً بعين الاعتبار أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، فإن القيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضرراً محققاً بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود”.