عمالة الأطفال بالمغرب تثير استياء حقوقياً وتجر السكوري إلى المساءلة

عبر فاعلون برلمانيون وحقوقيون عن استيائهم من الوضع المقلق المرتبط بظاهرة تشغيل الأطفال في المغرب، محملين المسؤولية للجهات الحكومية، وذلك بعد التقرير الذي أصدرته المندوبية السامية للتخطيط، بداية الأسبوع الجاري، والذي كشف عن استمرار عمالة الأطفال في المغرب بأرقام تتجاوز 100 ألف طفل، 60 في المائة منهم يزاولون أعمالاً خطرة.
في هذا الصدد، طالبت البرلمانية عن فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، نادية تهامي، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس السكوري بتوضيح التدابير والإجراءات التي تعتزم وزارته اتخاذها للحد من هذه الظاهرة.
ومن جهة أخرى، اعتبر عمر أربيب نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن المسؤولية تعود في المقام الأول، إلى الدولة، مشيراً إلى أن استمرار هذه الظاهرة يبرز “فشل المقاربة الاجتماعية”.
معطيات صادمة
وشددت النائبة البرلمانية نادية تهامي، في سؤال كتابي وجهته للوزير، على ضرورة الحد من عمالة الأطفال، بالتنسيق مع باقي القطاعات والمؤسسات المعنية، على ضوء مقتضيات مدونة الشغل، وفي إطار احترام التزامات المغرب الدولية بشأن حماية الطفولة، ومكافحة الاستغلال الاقتصادي للقاصرين.
ونبهت تهامي إلى المعطيات التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط بخصوص تشغيل الأطفال في المغرب، معتبرة إياها “صادمة ومقلقة”. بينما اعتبر أربيب أن الرقم المعلن لا يعكس حقيقة واقع “عمالة الأطفال”. ويرجح أن يكون عدد الأطفال العاملين يفوق ما هو مصرح به.
ويوضح أربيب أن الإحصائيات الرسمية “لا تأخذ في الحسبان الأطفال الذين يصعب الوصول إليهم من الذين يعملون لفائدة عائلاتهم في أعمال غير مأجورة، ويُصنّفون كمتعاونين”، مشيراً إلى أنه ينبغي التعامل مع عمل الأطفال بكونه “محظوراً وخرقاً لحقوق الطفل، بجميع حالاته”، مبيناً أن هذه الظاهرة منتشرة في العالم القروي، وعلى مستوى الحرف التقليدية.
ويرى الناشط الحقوقي أن مسؤولية الدولة تتمثل في “عدم تعميم الحماية الاجتماعية”، لافتاً إلى أن التعويضات العائلية “لا يستفيد منها سوى الآباء الذين يشتغلون في القطاع العام أو الخاص المهيكل، والمصرّح بهم في صناديق الحماية الاجتماعية”، بينما يتم إقصاء الأطفال الذين “ينتمي آباؤهم للقطاع غير المهيكل أو العاطلين عن العمل، فلا يستفيدون من التعويضات”.
ويعتبر أن هذا الوضع “يُعمّق الهشاشة، كما أن الظروف الاقتصادية تجبر الأسر على دفع أبنائها للعمل عوض الدراسة”.
وتابع أربيب قائلاً إن “الدعم الذي كان ب هدف التشجيع على التمدرس كان أفضل بكثير”، مشيراً إلى أن “الانقطاع عن الدراسة تتحمل فيه المسؤولية الدولة ككل، وليس وزارة التربية الوطنية فقط، لأنها لم توفر بنية حاضنة اجتماعية تشجع على التمدرس”.
شباب “النيت”
وأضاف أن هؤلاء الأطفال الذين يشتغلون في سن مبكرة حتمت الظروف الاقتصادية عليهم الانقطاع عن الدراسة”، ما جعل نسبة الانقطاع تتجاوز نسباً عالية، معتبراً أن الشباب الذين يحسبون ضمن وضعيت “النيت” (NEET)، سيكون بينهم بالتأكيد أطفال يتوجهون إلى العمل غير المهيكل.
وفي سياق متصل، وقفت النائبة البرلمانية نادية تهامي بدورها عند الأرقام التي سبق أن كشف عنها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول فئة “النيت” (NEET)، أي الشباب الذين هم خارج التعليم والتكوين وسوق الشغل، فضلاً عن ظاهرة الهدر المدرسي التي تطال سنوياً ما بين 280 ألف و300 ألف طفل، إلى جانب واقع الاقتصاد غير المهيكل الذي يضم أكثر من مليوني وحدة إنتاجية لا تحترم الضوابط القانونية.
وفي رأي نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عمر أربيب أنه يمكن معالجة الظاهرة، مقترحاً تعميم التعويضات العائلية لفائدة جميع الأطفال دون استثناء، وربط الدعم الذي تمنحه الدولة بأهداف محددة، من بينها الحفاظ على المقعد داخل المدرسة، منبهاً إلى أنه عندما كان يُمنح دعم “تيسير”، “كان الأب مجبراً، حتى وإن أبى الطفل الدراسة أو احتاجه في الفلاحة، على إرساله إلى المدرسة، لأن ذلك الدعم كان يبدو بالنسبة لهم مهماً.
ودعا أربيب إلى حظر عمالة الأطفال وتعزيز المراقبة، وزجر الذين يُشغّلون الأطفال، مشدداً على أنه “لا بد من مقاربة ردعية بالنسبة لمن يشغّلون الأطفال في ظروف غير إنسانية قد تؤثر على صحتهم أو نفسياتهم أو نموهم البدني”.
كما دعت النائبة البرلمانية عن فريق التقدم والاشتراكية نادية تهامي الحكومة إلى تفعيل المقتضيات القانونية التي تجرّم تشغيل الأطفال، مؤكدة أن استمرار هذه الظاهرة يُعد تهديداً لمستقبل الأجيال الناشئة ولأسس التنمية المستدامة التي تنشدها البلاد.
معطيات المندوبية
وتشير المعطيات التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط إلى أن الأطفال العاملين يشكّلون 1.3% من مجموع القاصرين ضمن هذه الفئة العمرية، ويعيش الغالبية منهم في المناطق القروية، إذ تبلغ نسبتهم 2.5% (حوالي 78 ألف طفل)، مقابل 0.5% فقط (حوالي 23 ألف طفل) في المناطق الحضرية.
ويُعدّ عمل الأطفال أكثر انتشاراً في الوسط القروي، كما أنه أكثر شيوعاً بشكل كبير بين الذكور. إذ بلغت نسبة الذكور من بين الأطفال العاملين 84.6% في 2024، 89% منهم تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة. كما أن 77.5% منهم يعيشون في المناطق القروية.
ومازال 10.7% من الأطفال العاملين متمدرسين، بينما انقطع 87.7% عن الدراسة، و1.6% لم يلتحقوا بها قط. ويعمل غالبية الأطفال في المناطق القروية في أنشطة القطاع الأولي. إذ تشير المندوبية السامية للتخطيط إلى أن 70.3% من الأطفال العاملين في القرى يشاركون في الزراعة، والغابات، والصيد البحري. أما في المدن، فإن الأطفال العاملين ينشطون بشكل رئيسي في قطاع الخدمات (58.8%) والصناعة (26.1%).
أما بخصوص مزاولة أعمال خطرة، فسجلت المندوبية أن حوالي 62.7% من الأطفال العاملين (نحو 62 ألف طفل) يزاولون هذه الأعمال، ومن بين هؤلاء، يعيش 73.1% في المناطق القروية، و89.8% من الذكور، و84.4% تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة.
ووتنتشر هذه الأعمال بشكل خاص في قطاعات البناء والصناعة. ويواجه 74.4% من الأطفال العاملين في البناء ظروفاً خطرة، مقارنة بـ88.6% في الصناعة، و71.1% في الخدمات، و51.7% في الزراعة، والغابات، والصيد.
هذا ويؤثر عمل الأطفال على 73 ألف أسرة مغربية، أي ما يعادل 1% من مجموع الأسر على الصعيد الوطني. وتوجد غالبيتها بالوسط القروي (51 ألف أسرة)، مقابل 22 ألفاً في الوسط الحضري. وتُدير النساء حوالي 7.6% من هذه الأسر.