على مدى 13 سنة.. روح الـ”20 من فبراير” تجسدت في 4 حراكات
انتهى حراك “20 فبراير” في المغرب إلى ما انتهى إليه، إلا أن روحه بقيت، وتجسدت على مدى 13 سنة في حراكات أخرى في مدن عدة، تفرقت شعاراتها ومآلاتها، منها من حقق أهدافه ومنها من انتهى نشطاؤه في السجون وأخرى لا زالت مستمرة، غير أن ما وحدها، هو المطالب المرتبطة بتحقيق العدالة والكرامة والحرية، مرة ضد الظلم ومرة للمطالبة بالتنمية
في هذا التقرير، نرصد أهم أربع حراكات اجتماعية عرفها المغرب ما بعد 20 فبراير، ونقف عند ما انتهت إليه، في مشاهد موزعة على أزيد من عقد من الزمن، في مدن متفرقة، بين الشمال والجنوب، لكنها كلها رفعت نفس الشعارات، مثل الشعارات التي أطلقت أول مرة، في 20 فبراير من سنة 2011، في ساحة باب الأحد وسط العاصمة الرباط، في يوم طبع تاريخ مسار الاحتجاجات في المغرب.
حراك الريف.. الجرح الذي لم يندمل
كانت شرارة الاحتجاجات الأولى في 28 أكتوبر 2016، بعد مقتل محسن فكري بائع السمك، حيث صادرت السلطات المحلية داخل ميناء مدينة الحسيمة سلعة الشاب، وكخطوة احتجاجية صعد محسن ورفاقه إلى شاحنة النفايات لمنع عملية إتلاف السلعة، غير أن تشغيل آلة طحن النفايات أدى إلى ابتلاعه، فكانت صورة جثته مسحوقا والتي تم تداولها على نطاق واسع النار التي أشعلت الغضب.
بدأ الحراك بملف مطلبي صاغه شباب المدينة، ضم مجموعة من المطالب التي يرونها عادلة ومشروعة مثل متابعة كل المتورطين في مقتل محسن فكري، وإنشاء مستشفى لمعالجة مركز السرطان وجامعة متعددة التخصصات وتنمية المدينة.
واستمرت احتجاجات الساكنة ليلا لأشهر في مشاهد حبست أنفاس المتابعين بعدما استطاعت إخراج الآلاف من ساكنة المدينة وضواحيها بشكل شبه يومي للاحتجاج، في صور تظهر السلمية وتناقلتها وسائل الإعلام الدولية.
نقطة التحول كانت يوم اعتقل عدد كبير من نشطاء الحراك، وسيق أشهرهم إلى محكمة الدار البيضاء، ووزعت المحكمة عليهم 300 سنة سجنا، خرج عديدون على مدى السنوات القليلة الماضية بعفو ملكي أو بانتهاء العقوبات القصيرة، غير أن أبرز وجوه الحراك، المحكومون بسنوات سجن طويلة، لا زالوا في المعتقلات.
على المستوى الرسمي، تفاعل الملك مع الاحتجاجات آنذاك بإقالة ثلاثة وزراء “بسبب التأخير في برنامج التنمية”، كما تم تغيير المسؤولين محليا، لإعطاء دفعة جديدة للتنمية في المنطقة.
ثماني سنوات بعد الحراك، لا زالت ملامحه ظاهرة في الريف، وبين شبابه، على الرغم من أن المدينة لم تعرف احتجاجات كبيرة بعده، في مشد يخيم عليه اليأس والخوف.
تقارير كثيرة تحدثت عن توجه عدد كبير من شباب الريف نحو الهجرة غير الشرعية يأسا وطمعا في مستقبل أفضل بعيدا عن أرض لم تحقق أحلامهم، آخرون لا زالوا في السجون يأملون طيا لهذا الملف، وبينهم عائلات مكلومة.
“حراك جرادة” يوقده “شهداء الفحم”
انطلق حراك جرادة في دجنبر من عام 2017، ذات ليلة باردة في هذه المدينة المنجمية، بعد وفاة شقيقَين كانا يعملان في واحدة من آبار الفحم العشوائية التي تشتهر بها مدينة جرادة، إذ امتلأت بئرهما بالمياه وغرقا وسميا “شهيدا الفحم الحجري”.
لم يكن الشقيقان أول الضحايا ولا آخرهما، لكن جنازتهما ومراسيم تشييعهما كانت أولى شرارات الغضب في المدينة، لتتحول إلى مدينة احتجاجات يومية لا تتوقف، استمرت من شهر دجنبر إلى شهر مارس من سنة 2018، بعدما بدأ الأمن تدخلاته وتم توقيف المتظاهرين واعتقال النشطاء.
على المستوى الرسمي، كانت الحكومة قد أطلقت سلسلة جلسات استماع لساكنة المدينة، وأعلنت عن مشاريع لتحسين ظروف تشغيل المنجميين في المنطقة، إلا أن حوادث الوفيات في المناجم لا تتوقف لا في جرادة ولا في نواحيها من المناطق التي يعيش أهلها على نفس النشاط الاقتصادي، ولا زالت إلى اليوم، مدينة مشلولة.
غير أن حراك جرادة كان أوفر حظا من حراك الريف، حيث تم طي ملف معتقليه سنة 2021، بإنهاء جزء منهم لعقوباتهم السجنية، واستفادة آخرين من العفو الملكي.
“ثورة العطش” بزاكورة
بعد “حراك الريف”، أخرج العطش سكان مدينة زاكورة في شتنبر 2017 للاحتجاج، بعد سنوات من معاناتهم من نقص المياه، محملين كلا من المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ووزارة الفلاحة التي كان يتحمل مسؤوليتها رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش المسؤولية المباشرة عن الأزمة، ومطالبين السلطات الإقليمية بالتدخل.
وخرج السكان على مدى أشهر في مسيرات ولت وجهها صوب مقر عمالة الإقليم للاحتجاج على ما اعتبروه تماطلا للسلطات المختصة في التدخل لإيجاد حل لأزمة العطش التي تهدد حياتهم، الأمر الذي أسفر عن اعتقال ما يقارب 23 مشاركا تابعتهم النيابة العامة بزاكورة بتهمة “التجمهر والانخراط في مسيرة غير مرخص لها”، ما خلق حالة استياء عارم لدى هيئات حقوقية مغربية، باعتبار المعتقلين لم يخرجوا إلا للدفاع عن حقهم في استغلالهم للماء الصالح للشرب الذي عانوا من ندرته لما يقارب 17 سنة.
ومن بين الذين تمت متابعتهم في احتجاجات زاكورة آنذاك قاصرون، ليسدل الستار بعد ذلك على هذا الملف بأحكام تراوحت ما بين أشهر وخمس سنوات سجنا، في حق نشطاء الحراك، غير أن عطش المنطقة لم يتوقف، على الرغم مما تم الإعلان عنه آنذاك من مشاريع لتوفير الماء الشروب للساكنة.
المسيرات البيضاء لـ”حراك فيكيك”
آخر الحراكات والذي لا زال مستمرا إلى اليوم، يحتضنه أقصى شرق المغرب على حدود مع الجزائر، حيث تخوض ساكنة فيكيك منذ أكثر من 100 يوم احتجاجات متواصلة، للمطالبة بالتراجع عن قرار المجلس الجماعي للمدينة بإسناد توزيع الماء الصالح للشرب إلى مجموعة الجماعات الترابية “الشرق للتوزيع”، وهو ما يرى فيه المحتجون خوصصة لهذا القطاع الحيوي.
كل شيء بدأ نهاية أكتوبر، حين عقدت دورة استثنائية للمجلس الجماعي للمدينة، تدارست ثلاث نقاط، من بينها نقطة حول الانضمام إلى مجموعة الجماعات الترابية “الشرق للتوزيع”، لتكليفها بتوزيع الماء الصالح للشرب والتطهير السائل والكهرباء، لكن المجلس رفض بالإجماع الانضمام للمجموعة، وبالتالي استمرار الجماعة في تولي مهمة توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء على الساكنة، غير أن المدلس عاد للالتئام بعد يومين واتخذ القرار.
وخرجت الساكنة خلال ثلاثة أشهر، في مسيرات احتجاجية تقودها النساء، لم تسنيهن أعمارهن على الخروج للمطالبة بالحق في الماء، في مسيرات بيضاء، يطغى عليها لون “الحايك” التي تدثر به نساء أهل البلد.
ويأخذ الحراك اليوم منحى تصاعدي، بعدما أدانت المحكمة الابتدائية بفجيج، مساء أمس الإثنين، ناشطا في الحراك الرافض لـ”خوصصة المياه” بـ3 أشهر حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها ألف درهم.