على خطى المساعي الأمريكية.. ميستورا لأول مرة في الصحراء
حل المبعوث الشخصي للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة إلى الصحراء، الإيطالي ستيفان دي ميستورا، عصر الاثنين 04 شتنبر في مدينة العيون جنوب المغرب، وذلك في أول زيارة له إلى الإقليم المتنازع عليه منذ تعيينه في هذا المنصب قبل عامين.
وتأتي هذه الزيارة التي يرتقب أن تدوم ثلاثة أيام موزعة بين مدينتي العيون والداخلة، وتتزامن مع جولة يقوم بها نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي المكلف بشمال أفريقيا في المنطقة؛ قبيل الاجتماع المرتقب لمجلس الأمن الدولي، شهر أكتوبر المقبل، لإصدار قرار جديد حول ملف الصحراء، بعدما مدّد القرار السابق (القرار رقم 2654) ولاية بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء، حتى نهاية أكتوبر 2023.
ثمرة تفاوض عسير
ستشكل تفاصيل هذه الزيارة إلى جانب المحطات المقبلة التي ينتظر أن تشمل كلا من الجزائر ونواكشوط وتندوف، جزءا من التقرير الذي سيوجهه الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن الدولي متم شهر شتنبر الحالي، والذي يتخذ مجلس الأمن الدولي على أساسه قراره الجديد الخاص بالبعثة الأممية إلى الصحراء.
وفي الوقت الذي ألغى الدبلوماسي الإيطالي زيارته التي كانت مرتقبة إلى الإقليم في الفترة نفسها من العام الماضي، قالت مصادر خاصة لـ”صوت المغرب” إن قيام المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بالزيارة من عدمه، يرتبط بالعملية التفاوضية التي تجري بينه وبين السلطات المغربية، حول شكليات الزيارة وبرنامجها، وهو ما يجعلها مهمة عسيرة.
امتناع منظمة الأمم المتحدة عن الإعلان المسبق عن الزيارة، وإصرار المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في لقائه الصحافي ليوم الجمعة 01 شتنبر على أن مهمة دي ميستورا تواجه الكثير من الشائعات، وإن شيئا رسميا لم يتقرر بعد بخصوص زيارته إلى الصحراء؛ تجد تفسيرها في هذا التفاوض الصعب الذي يسبق هذه الزيارات.
وجاءت تصريحات منسوبة لمصادر رسمية نقلتها وسائل إعلام مغربية قبيل الزيارة، تنفي برمجة هذه الزيارة بشكل رسمي، لتؤكد الترتيبات المعقدة التي سبقت الزيارة، وحرص السلطات المغربية على عدم تحويلها إلى فرصة للنشطاء الانفصاليين للتظاهر والاحتجاج تزامنا مع وجود المسؤول الأممي.
اصطدامات سابقة في الأذهان
زيارة دي ميستورا إلى العيون هي الأولى لمبعوث أممي منذ تلك التي قام بها الرئيس الألماني السابق هورست كوهلر، الذي استقال من منصبه مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة شهورا قليلة بعد زيارته المنطقة عام 2018.
وتثير زيارات المبعوثين الأمميين إلى الصحراء في العادة، قدرا من الحساسية لدى السلطات المغربية. هذه الأخيرة تحرص على إحاطة هذه الزيارات بمظاهر السيادة الكاملة للمملكة المغربية على المنطقة، بينما يصرّ موظفو المنظمة على الاحتفاظ بقدر من الاستقلالية، والبقاء في “الحياد” على اعتبار أن القرارات والتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، تصنف الصحراء ضمن الأقاليم التي لم تقرر بعد مصيرها.
وفي الوقت الذي كان المبعوث الأممي الأسبق، الأمريكي كريستوفر روس، موضوع قرار مغربي بالمنع من زيارة الصحراء على خلفية توتّر حاد في علاقات الطرفين، كانت جولة ميدانية قام بها الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة، بان كي مون، إلى المنطقة مستهل العام 2016، وقال خلالها عندما كان في ضيافة جبهة البوليساريو بمحافظة تندوف الجزائرية إن هناك حالة “احتلال” في الصحراء؛ وراء تفجير توتّر حاد بين المغرب والأمم المتحدة، بلغ حد طرد المملكة لموظفي البعثة.
توتّر محدود في الشارع
شوارع مدينة العيون شهدت في اليومين السابقين لوصول المبعوث الأممي، إنزالا كثيفا للقوات الأمنية، وهو ما فسّره مصدر مقرب من السلطات في حديث لـ”صوت المغرب”، بكونه “أقل كلفة مقارنة بتحركات غير منضبطة للانفصاليين، رغم ما يمكن أن ينجم عن هذا الحضور الأمني الكثيف من أضرار معنوية”.
ورغم الترتيبات الأمنية المسبقة، شهدت مدينة العيون عقب وصول الدبلوماسي الإيطالي إليها، بعض التحركات الاحتجاجية التي قامت بها مجموعات صغيرة لأنصار البوليساريو، وذلك في محيط حي “معطى الله” والقرب من شارع “السمارة”.
وفيما سارعت منصات إعلامية موالية لجبهة البوليساريو إلى إعلان قائمة من اعتبرتهم ضحايا لتدخلات أمنية عنيفة، أكدت مصادر “صوت المغرب” أن الاحتكاكات بين الجانبين كانت محدودة ولم تتطلب استخدام القوة.
كما ظهرت تشكيلات أمنية جديدة في صفوف القوات المغربية، تتألف من عناصر نسائية، وذلك تحسبا للاحتجاجات التي تقوم بها مجموعات نسائية موالية للبوليساريو، وتشكل مصدر إحراج للسلطات أثناء مواجهتها.
وبينما يشكل الاجتماع بنشطاء موالين لجبهة البوليساريو أكبر النقط الخلافية بين المغرب ومبعوثي الأمم المتحدة إلى الصحراء، قالت مصادر “صوت المغرب” إن برنامج زيارة دي ميستورا يتضمن إلى جانب لقاءات مع ممثلي السلطات المغربية المحلية، اجتماعا مع نشطاء موالين لجبهة البوليساريو، تتقدمهم الناشطة أمينتو حيدر.
شيوخ القبائل في الواجهة
وجد المبعوث الأممي وفدا رسميا يقوده والي جهة العيون الساقية الحمراء، عبد السلام بكرات، في استقباله لحظة وصوله إلى مطار الحسن الأول؛ سيلتقي ممثلي عدد من الفئات، الاقتصادية والاجتماعية والنسائية والشبابية، إلى جانب مسؤولين رسميين، معينين ومنتخبين، وبعض من شيوخ القبائل الصحراوية.
مصادر محلية مطلعة، قالت لـ”صوت المغرب” إن وجود شيوخ القبائل ضمن قائمة الوفود التي ستلتقي المبعوث الأممي، يحمل معان مختلفة، وقابل للتأويل بحسب المواقف التي تحملها الأطراف.
“من جهة يعتبر حضور شيوخ القبائل تأكيدا لاستمرار مهمة بعثة الأمم المتحدة المتمثلة في تنظيم استفتاء حول مصير الإقليم، ودور الشيوخ هو التأكد من هوية الأشخاص المشاركين في هذا الاستفتاء المحتمل، ومن الجهة الأخرى يعتبر حضور شيوخ القبائل المتمتعين بشرعية تقليدية، إلى جانب المنتخبين المحليين، تأكيدا من جانب المغرب على عدم احتكار جبهة البوليساريو لوظيفة تمثيل الصحراويين”.
الدور الأمريكي في خلفية المشهد
تأتي زيارة الدبلوماسي الإيطالي في سياق متصل بالمساعي الحثيثة التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية أخيرا، والمتمثلة في زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شمال إفريقيا، جوشوا هاريس، لكل من تندوف والجزائر العاصمة.
الدبلوماسي الأمريكي التقى يوم السبت 02 شتنبر بقادة جبهة البوليساريو في مقراتها الواقعة في منطقة تندوف الجزائرية، وألقى خلال هذا الاجتماع، حسب مصادر “صوت المغرب”، خطابا صارما “بل قاسيا” حسب المصادر نفسها، حيث دعا المسؤول الأمريكي قيادة الجبهة إلى التحلي بالواقعية، ودعم جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، في إشارة واضحة إلى حرص واشنطن على تمهيد الطريق أمام جولة ستيفان دي ميستورا.
جوشوا هاريس حلّ غداة دلك بالعاصمة الجزائرية، حيث التقى بالأمين العام لوزارة الخارجية، وحرصت الإدارة الأمريكية على ربط هذه الزيارة بمساعي دعم جهود منظمة الأمم المتحدة في تحقيق حل سياسي لقضية الصحراء.
وفي الوقت الذي يرتقب أن تشمل جولة المسؤول الأمريكي العاصمة المغربية الرباط، قالت مصادر مطلعة لـ”صوت المغرب” إن واشنطن تبدي حرصا كبيرا على إعادة نزاع الصحراء إلى مسار التسوية السياسية، بعدما أعلنت جبهة البوليساريو انسحابها الأحادي من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع المغرب منذ بداية التسعينيات، وذلك إثر العملية العسكرية التي قام بها المغرب أواخر العام 2020، لاستعادة السيطرة على معبر الكركرات الحدودي الرابط بين المغرب والأراضي الموريتانية.
أهمية الدور الأمريكي في هذا الملف تكمن، إلى جانب الأجندة الدبلوماسية الخاصة بواشطن، في كون أمريكا هي “حاملة القلم” داخل مجموعة الدول المعروفة باسم “أصدقاء الصحراء”، والتي تضم أكثر الدول اهتماما بهذا النزاع، وهي كل من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وروسيا.
ويسمح دور “حاملة القلم” لواشنطن بصياغة المسودة الأولية التي تتحول إلى مشروع قرار جديد لمجلس الأمن الدولي، مع ما يتطلبه ذلك من مشاورات قبلية وحرص على تحقيق التوافق حول المسودة.