عجلات الموت
أصبحت السياقة في شوارع المغرب هذه الأيام أكثر خطورة، ليس لأن إشارات المرور اختفت أو لنوبة غضب جماعي انتابت السائقين… بل لظهور مستعملين جدد يتقاسمون الطريق العامة مع السيارات والدراجات، ويسيرون بسرعة لا تختلف كثيرا عنهم، دون أن يتوفّروا على تأمين أو لوحات ترقيم أو يحملوا حتى خوذات تحمي جماجمهم من الصدمات المفاجئة.
هذه الدراجات (التروتينيت أو السكوتر)، لا تتوفّر بعد على أي تنظيم قانوني يسمح لها بالتحوّل إلى وسيلة للنقل تستعمل شوارع مدننا، ويفترض أنها تٌستورد بغرض الاستعمال كلعبة لها فضاءاتها الخاصة والمنظمة، فإذا بها باتت اليوم تزاحم الحافلات والسائقين المهنيين وغير المهنيين، وتتسبّب في حوادث تصيب أصحابها كما تورّط آخرين لا ذنب لهم سوى أنهم اصطدموا بجسم يسير بسرعة، ويتحرك خارج القانون.
قبل أكثر من سنة، شنّت السلطات الأمنية حملة ضد استعمال هذه الدراجات الكهربائية في الشوارع، على اعتبار أنها لا تحمل لوحة ترقيم تسمح بتحديد هوية صاحبها في حال تسببه في حادثة ثم فراره، كما لا تتوفّر على تأمين يسمح للمتضررين من حوادثهابالحصول على تعويض، ما يجعل مستخدمها متحملا للمسؤولية المدنية دون ضمانات بصرف التعويضات اللازمة عند الحاجة.
كنت أعتقد أن التخوّف خاص بي شخصيا، لأنني لاحظت في الفترة الأخيرة تزايد عدد هذه الدراجات في الشوارع، مع قشعريرة تنتابني كلما مررت بالقرب من إحداها، لأن مشهد إنسان أعزل يتحرك بكل تلك السرعة وهو واقف وبدون خوذة، تجعلني أتصوّر حجم الكارثة التي ستحصل عند أدنى احتكاك، مع ما يترتب عن ذلك من متاعب قانونية وقضائية، وإن لم يكن السائق الذي تورط في حادثة مع هذه الدراجات مخطئا…
خلال هذا الأسبوع وبعد استعمالي المتكرر لسيارات أجرة، لاحظت أن السائقين المهنيين يتقاسمون هذا الانزعاج أيضا. قد يقول البعض إن هؤلاء ينزعجون من كل ما يتحرك لرغبتهم في احتكار خدمة النقل، لكن المخاوف هنا مشروعة وواقعية ونتيجة حوادث وقعت بالفعل، أو كما عبّر لي عنها أحد السائقين، بالقول إن اصطدام أحد مستعملي هذه الدراجات به وإصابته بدنيا، يعني سحب رخصة السياقة المهنية منه، ومن ثم اضطراره للتسوّل رفقة أسرته.
هناك مشروع مرسوم نشرته الأمانة العامة للحكومة شهر غشت الماضي، يقضي بتوفير تعريف قانوني للدراجات الكهربائية باعتبارها وسيلة للتنقل، مع إلزام أصحابها بشروط للسلامة، من قبيل التوفر على عاكس ضوئي أبيض اللون في الجهة الأمامية، وضوء للوضع يستعمل ليلا، ومنبّه صوتي يمكن سماعه على بعد خمسين مترا…
لكن واقع الحال يقول إن هناك قانونا آخر يفرض سطوته على الطرق والشوارع، ويفرض هذه الدراجات كوسيلة نقل لا تتوفر لها المسالك الخاصة التي تجعلها آمنة في الدول التي تنتشر فيها على نطاق واسع، ولا حتى أدنى الشروط والضمانات القانونية اللازمة لحماية مستخدميها وحماية الآخرين من أخطارها.
من تكون هذه القوة التي تفرض قانونها على شوارعنا وتعرّضنا جميعا لخطر كبير؟ هل هناك من يجني ربحا ماديا من استيراد وتسويق هذه الدراجات ويجبرنا على التعايش معها بطريقة أقرب إلى المغامرة القاتلة؟ وما الذي يفرض على شرطة المرور تجاهل وسائل القتل هذه، (في غياب شروط الحماية والوقاية فهي أدوات قتل)، في مقابل استمرار حملات رصد وحجز الدراجات النارية التي تحمل لوحات ترقيم على الأقل؟
لابد من وضع حد لهذا الموت الذي يتجول في شوارعنا. وأي ترخيص لهذه الدراجات ينبغي أن يكون مقرونا بإلزامية ارتداء الخوذة كما هو الحال في العديد من الدول، مثل إسبانيا وفرنسا، والتي تفرض هذه القاعدة كإجراء أساسي لضمان السلامة، مع استعمال بلديات بعض المدن صلاحياتها لمنع هذه الدراجات أصلا من التجول في شوارعها.
كما ينبغي وضع سنّ أدنى كشرط لاستخدام السكوترات الكهربائية، 16 عامًا أو أكثر، كما هو معمول به في العديد من الدول الأوروبية. فهذا يضمن أن المستخدمين لديهم القدرة على التحكم في الدراجة والالتزام بالقوانين المرورية.
أما من حيث السرعة فهي في جل الدول الأوربية محددة في سرعة قصوى لا يمكن تجاوزها، وغالبا ما تكون سرعة 25 كيلومتر في الساعة، لتقليل مخاطر الحوادث عند الاصطدام مع المركبات الأخرى والراجلين.
وعلى غرار باقي المركبات والعربات، يجب أن يكون لدى المستخدمين تأمين يغطي الأضرار التي قد يتسببون فيها. كما يحمي التأمين المستخدمين والأطراف الأخرى في حالة وقوع حادث.
والأهم في لحظة شروعنا في استعمال هذه الدراجات وبالتالي تطوير قواعد وعادات خاصة بها، هو جعلها مقترنة بالقانون وبضرورة احترامه، لأن بعض مستخدميها يتصرفون حاليا كما لو أنهم غير معنيين بالقانون، فلا يتوقفون عند إشارة الضوء الأحمر أو “قف”، ولا يحترمون الأسبقية، ويجمعون بين السير في قارعة الطريق والسير على الأرصفة المخصصة للراجلين… بينما يفترض أن تكون هناك قيود على استخدام هذه الدراجات الكهربائية في الأماكن المزدحمة، مثل المناطق السياحية أو الأسواق الشعبية، حيث يمكن أن يشكل وجودها خطرًا على الراجلين.
نحن أمام طفرة جديدة تحققها الإنسانية، لها فوائد وايجابيات عديدة، لكننا ندخل إليها، كعادتنا، بطريقة تجعلنا أمام عجلات للموت، لا وسيلة لتحسين ظروف العيش كما هو مفترض.