story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

عبر الرحيم بوعيدة يكتب: حين تنجح الدولة وتفشل السياسة

ص ص

ليست ست وعشرون سنة من عمر الحكم سوى فصل من فصول التاريخ الحديث للمغرب، لكنها ليست مُجرد رقم في التقويم السياسي، بل هي “مرحلة تأسيسية” بامتياز، تميزت بإرادة ملكية صلبة أعادت رسم ملامح الدولة، وكسرت الجمود الذي لازم مؤسساتها منذ عقود..

فقد دُشّنت هذه المرحلة بإصلاحات مصيرية، انطلقت من هيئة الإنصاف والمصالحة، مروراً بتحرير المجال الإعلامي، وصولاً إلى تحديث البنية التحتية، والدبلوماسية المتقدمة في ملف وحدتنا الترابية..

لقد قاد جلالة الملك محمد السادس نصره الله مشروعاً تنموياً بصمت الواثقين، تنمية ليست صاخبة في خطابها ولكن عميقة في أثرها، جعلت من المغرب بلداً يتموقع بثبات في معادلة الإقليم والشراكات الدولية..

لم يعد المغرب يبحث عن الاعتراف، بل صار يصُوغ علاقاته بندّية ويجني ثمار سياسة خارجية متزنة وحازمة، خاصة في قضية الصحراء المغربية التي باتت محل إجماع دولي متنامٍ بفضل دبلوماسية القرب والوضوح..

لكنّ السؤال الجوهري اليوم هو: لماذا لم تُترجم هذه الدينامية الملكية إلى أداء سياسي ومؤسساتي متناغم معها؟ لماذا يبدو وكأن الملكية تسير في وادٍ، والنخب الحزبية والمؤسسات المنتخبة في وادٍ آخر؟

الخطابات الملكية، التي لطالما شكّلت خارطة طريق واضحة، غالباً ما تصطدم بجدار من الجمود السياسي، والتردد البيروقراطي، أو بغياب الجرأة لدى الحكومات المتعاقبة.. تعليمات صريحة في الاستثمار، الرقمنة، التغطية الصحية، وتجويد التكوين المهني، تواجهها أحياناً حكومة تفتقر للرؤية، وأحزاب تمارس السياسة بمنطق الانكماش لا بمنطق البناء..

لم تعد المسؤولية ملقاة فقط على عاتق المؤسسة الملكية، بل إن اللحظة الوطنية تفرض على الجميع، وخصوصاً الحكومة الحالية، أن تنتقل من تدبير يومي باهت إلى صناعة أفق وطني جماعي..

من التبرير إلى الإنجاز، من التردد إلى الفعل، من الشعبوية إلى صناعة السياسات العمومية الفعالة..

أما النخب السياسية، فبدلاً من أن تكون ذراعاً داعمة للدولة في مشاريعها الإصلاحية، تحولت في جزء كبير منها إلى عائق يُجهز على الثقة، ويُضعف الفعل السياسي، بل ويحرج الفاعل المركزي أمام المواطنين الذين ما عادوا يقبلون الخطابات بقدر ما يطلبون الأثر الملموس..

إن صمام الأمان الذي تمثله المؤسسة الملكية، لا يمكن أن يصمد وحده في غياب نخب سياسية ذات كفاءة ونزاهة، نخب تملك الشجاعة الأخلاقية قبل الذكاء السياسي، نخب تدرك أن زمن “السياسة للارتزاق” قد ولّى..

فالوطن لا يُبنى بالولاءات الفارغة، بل بالمسؤولية، وبالقدرة على اجتراح البدائل، والانفتاح على العصر بعقل وطني حيّ..

والخطر الحقيقي اليوم لا يكمن في التحديات الخارجية، بل في إصرار بعض النخب على البقاء في قوقعة الريع، والتكالب على المصالح الشخصية، على حساب المصلحة الوطنية..

وهي مفارقة صارخة في بلد يمتلك كل مقومات النهوض، لكنه يُبتلى بأدوات تسيير لا ترقى لطموح المرحلة..

لكن الوطن لا ينتظر كثيراً، والملكية ليست قصيدة تُلقى في حفل وتُنسى في الصباح، إنها المعنى حين تغيب المعاني، وهي السقف حين تتهدم الجدران.

أما النخبة، فقد نسيت أن السياسة عطاء لا غنيمة، وأن المناصب مقامات لا مقاصف…

  • هذا المقال هو جزء من ملف العدد 75 من مجلة “لسان المغرب”، لقراءة الملف كاملا يرجى الضغط على الرابط