story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

عبد المجيد بلغزال يكتب: من أجل جهوية سياسية

ص ص

تنطلق بشمال المملكة، أشغال المناظرة الثانية حول الجهوية الموسعة، وذلك على امتداد يومي 20 و21 من الشهر الجاري، المناظرة، تأتي في أعقاب سلسلة من المشاورات، وستنكب حسب الأرضية المتوفرة على تدارس المداخل التالية:

  1. الجاذبية الترابية.
  2. الاستثمار المنتج.
  3. تمويل البرامج التنموية.
  4. الحكامة المائية.
  5. النقل والتنقل.
  6. تطوير البنى التحتية.
    وعلى الرغم من كون المشاورات المسبقة للمناظرة، وقفت من خلال بعض الأوراق على بعض من السمات المميزة للسياق الذي تنعقد فيه المناظرة، خاصة التحدي المرتبط بطبيعة التحولات التي تعرفها بلادنا وما تستلزمه من تعزيز لورش الجهوية، باعتباره مدخلا للبناء المؤسسي للدولة وخيارا استراتيجيا للتنمية…. بيد أن المتأمل في طبيعة المناظرة على أهميتها، سيكتشف أنها تفتقد لأي تصور سياسي عميق، وأنها ارتبطت مع كل أسف ببعض القضايا التقنية التي لن توفر الفرص للنقاش الجوهري المتعلق بطبيعة ومضمون الجهوية بمعناها السياسي.
    شخصيا اعتقد انه أن الأوان لإطلاق نقاش جدي وهادئ حول خيار الجهوية بمعناها ومدلولها السياسي وذلك للاعتبارات التالية:
  7. المملكة المغربية مسنودة برصيد تاريخي ومقومات شخصية ضاربة في التاريخ، تؤهلها بعد هذه التجربة من إطلاق حوار جدي ومسؤول بشأن جهوية سياسية.
  8. التنوع الثقافي الذي يميز الهوية المغربية ويعزز وحدتها، لا يمكن إلا أن يكون أحد مداخل تجديد النخب وتعزيز الحكامة والمشاركة المواطنة وفتح أفق مبتكر للإدماج الاجتماعي ومسارات متجددة للتنمية المستدامة والمندمجة، علما أن هذا التنوع الثقافي المسنود اليوم بنص الدستور غير حاضر في أجندة النقاش الخاص بالمناظرة، مع أنه المدخل الأساسي لأي تفكير مبتكر سواء بالنسبة للرأسمال البشري أو بالنسبة لمداخل بناء وتصميم سياسات عمومية دامجة وكفيله بخلق الثروة وتقليص التفاوت المجالي.
  9. إن مطلب الجهوية بمضمون سياسي، يستند في الممارسة المغربية إلى تراكم نوعي انطلق في الأصل مع الراحل الحسن الثاني بمناسبة انعقاد المجلس الاستشاري الجهوي للجهة الوسطى الشمالية في 1984 وفي هذا اللقاء قال المغفور له الحسن الثاني:
    “واطمح كذلك في وضع هياكل جهوية، تكون لها من الامكانات، تشريعيا وماليا ما يجعلها قادرة، أن تقف على رجليها، وأن تعرف حاجياتها، وأن تقيم سلم أسبقياتها، وأن تعبر بصوت جماعي، بقطع النظر عن اختلاف الأحزاب او المشارب السياسية على الحاجيات والمطامح، وأن تكون هي الناطقة وهي المبرمجة وهي المخططة وهي البانية والمطبقة على أراضيها، وأقصد أرض الإقليم….”
    ثم أضاف الراحل الحسن الثاني:
    “فكرت أن أضع أمام أنظار البرلمان، مشروع قانون خاص بمجلس الجهات المغربية التي تكون لها سلطتها التشريعية وسلطتها التنفيذية الخاصة بها”
    لم يكن مطلب الجهوية بمضمون سياسي مجرد رأي عابر بقدر ما كان قناعة راسخة لدى الحسن الثاني، لذلك نجده في كتابه ذاكرة ملك يقول:
    “أن المغرب، بمثابة فسيفساء بشرية وجغرافية، لهذا الغرض أريد تحقيق اللامركزية لا ترك يوما الجهات تتمتع باستقلالية كبيرة على شاكلة المقاطعات الالمانية”
    وفي حوار مع جريدة لومند الفرنسية بتاريخ 4 غشت 1988، وفي رده عن سؤال بشأن احتمال، منح الصحراء حكما ذاتيا، قال الراحل الحسن الثاني:
    “ليس بالضرورة، ولقد قلت دوما أني أمل أن أترك لخلفي مغربا مبنيا على شاكلة المقاطعات الألمانية المسمات لاندرز، لأن بلدي له من التنوع ما يجعلني، لا أرغب في أضعف قوته”
    إن قناعة الراحل الحسن الثاني بالمضمون السياسي للجهوية، لم تكن مرتبطة بضغوطات ظرفية، بقدر ما كانت تستند على وعي عميق بما توفره الجهوية من إمكانات هائلة، للنهوض بأعباء التنمية المستدامة وربح رهان العدالة الاجتماعية والمجالية المستندة لغنى التنوع الثقافي.
    في هذا السياق قال الحسن الثاني في الرسالة الموجهة إلى المشاركين، في الأيام الدراسية حول الثقافة واللامركزية بتطوان ايام 25 و26 ماي 1993:
    “من واجب كل جهة، من جهات المملكة، السهر على الحفاظ على مقوماتها وخصوصياتها الترابية، حتى تضمن لنفسها الوجود الثقافي الذي يميز شخصيتها ويسهم بالتالي في إغناء الثقافة الوطنية”
  10. إن منظومة “الجهوية”، سواء بالنظر إلى طبيعة التراكم النوعي الحاصل خلال الألفية الثالثة سواء من خلال خطب جلالة الملك محمد السادس، وتوجيهاته المتصلة بالموضوع أو من خلال المبادرة المغربية للحكم الذاتي، باعتبارها، تندرج في سياق تقديم مشروع متقدم لجهوية سياسية، تستند إلى المعايير الدولية، خاصة تلك المتعلقة ببنيات الحكم الذاتي(سلطة تنفيذية/سلطة تشريعية/رئيس حكومة محلية، مالية محلية، وهياة قضائية للفصل في مواضيع الاختلاف بين جهة الحكم الذاتي والحكم المركزي).
  11. إن التراكم الحاصل اليوم، وإن كان يجري في سياق ما يسمى “بالجهوية المتقدمة أو الموسعة”، فإن الخلفية التي تؤطره، تقع في صلب الجهوية السياسية، ويكفي أن نذكر هنا خطاب جلالة الملك محمد السادس، بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية المكلفة بإنجاز تصور بخصوص الجهوية قال محمد السادس:
    “أن الجهوية الموسعة المنشودة، ليست مجرد إجراء تقني أو إداري، بل توجها حاسما، لتطوير وتحديث هياكل الدولة والنهوض بالتنمية المندمجة”
  12. الممارسة المغربية، خلال هذه الألفية وروح ونص الدستور، يوفر إمكانات حقيقية لإطلاق نقاش حقيقي بين جميع الفاعلين من أجل التحول نحو جهوية بمضمون سياسي.
  13. الدينامية التي يحظى بها مشروع مبادرة الحكم الذاتي من طرف عدد كبير من الدول، وما ترتب عن تقديمها من أحداث لنقلة نوعية في الإطار القانوي الموجه لطبيعة النزاع الإقليمي انطلاقا من القرار 1754(2007).
  14. مطالبة المنتظم الدولي سواء من خلال تقارير الأمين العام أو قرارات مجلس الأمن، المغرب بتقديم تفاصيل ومضمون مبادرة الحكم الذاتي.
    بناء على ما سبق، وبالنظر إلى كون المغرب، عمل خلال هذه الفترة الأخيرة على إعادة هيكلة الإقليم من الناحية المؤسساتية عبر مدخل الجهوية ومن الناحية التنموية عبر مدخل النموذج التنموي الجديد، وما وفره من إمكانات كبيرة لتعزيز التنمية الإنسانية وتعزيز جاذبية الأقاليم الصحراوية، وبالنظر إلى كون المغرب لا يمكن أن ينفد مبادرة الحكم الذاتي من جهة واحدة، كما أن التقدم بتفاصيل المبادرة، سيفرض بالضرورة على بلادنا مزيدا من التنازلات التي قد تكون مؤلمة.
    وتلافي لأي لبس أو استدراج، كما حصل في نهاية التسعينات، حين تدخلت أطراف عدة، لإقناع المغرب، في سياق التجاوب، مع نهج الأمين العام للأمم المتحدة، بشأن إمكانية تنازل المملكة على بعض من صلاحياتها باعتبارها “سلطة إدارية”، وبناء على حسن نية، وافقت المملكة على هدا النهج الذي أثمر ما سمي “بالاتفاق الإطاري”، وهو بالمناسبة وثيقة تفتقد للديباجة والاعتبارات، وتحول هذا الاتفاق الإطاري لاحقا إلى مدخل لصياغة ما سمي “خطة سلام من أجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية”.
    تلافيا لهكذا وضع، وانطلاقا من الروح التي وردت في خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية، سيكون من المفيد إطلاق نقاش مسؤول حول جهوية بمضمون سياسي، مع ما تقتضيه هذه الجهوية من مراجعة للتقطيع الترابي، وأعتقد أن دمج إقليم الصحراء في جهة واحدة بهيئات تشريعية وتنفيذية، سيوفر لنا جميعا بنية مؤسساتية لتعزيز وتسريع هيكلة الإقليم وامتلاك أدوات ومداخل جديدة للتنمية والحكامة والادماج الاجتماعي، كما يمكن أن يقوي من حضور مشروعية التمثيلية الديمقراطية في مقابل أوهام التمثيل بالسلاح، ويوفر شروط جديدة لمواجهة عمليات الابتزاز التي يتعرض لها المغرب من طرف بعض الشركاء تحث لافتة الاستشارة الشعبية.