story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
ثقافة |

عبد القادر مطاع.. فنان من زمن مضى يرحل تاركا إرثا لا يُنسى

ص ص

عرفه المغاربة بشخصية “الطاهر بلفرياط”، وفي كل بيت مغربي يتجسد حضوره، كأحد رموز الشاشة الذين رافقوا الأجيال بصدق وأصالة، بصوته الرخيم وملامحه المعبرة، ترك بصمة لا تمحى في تاريخ الفن بالمغرب، وظل مثالا للفنان الملتزم الذي أحب وطنه وفنه حتى آخر نفس، إنه الفنان الراحل عبد القادر مطاع.

لم يكن مجرد ممثل يعتلي خشبة المسرح أو يقف أمام الكاميرا، بقدر كونه فنانا ينبض بالحياة، متفانيا في تجسيده للأدوار، ويحول كل شخصية يلمسها إلى قصة يتذكرها الجمهور طويلا.

ولد عبد القادر مطاع سنة 1940 في درب السلطان بمدينة الدار البيضاء، في أسرة متواضعة، فقد والده مبكرًا فعاش طفولة صعبة رفقة والدته التي كانت تعمل طباخة في بيت أسرة فرنسية.

ظروف حياته الصعبة دفعته إلى الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة، إذ لم يتجاوز السنة الثانية من السلك الإبتدائي، قبل أن يشتغل في مهن بسيطة من قبيل النجارة، وإصلاح الدراجات، والعمل في مطحنة للملح، إضافة إلى بيع الخضر ومساعدة النساء في نسج الزرابي.

يقول المرحوم عبد القادر مطاع في إحدى اللقاءات التلفزيونية، إن طفولته كانت مليئة بالجمال والفقر، والاستعمار البغيض، وكراهية الجيش الفرنسي، وأكبر احتقار أحس به يوم نفي المغفور له محمد الخامس.

ويضيف أنه ولج مدرسة حرة لكنه فشل وغادرها في سنته الثانية، ورغم أنه لم يقرأ كثيرا، إلا أنه عشق قراءة المسرحيات، والأدوار، والشعر، والزجل.

بدايته كانت بسيطة، مع جمعية الكشافة، حيث اكتشف المسرح عبر عروض صغيرة، ومعها أدرك منذ اللحظة الأولى أن المسرح سيصبح حياته.

كانت أول تجربة حقيقية له على خشبة المسرح مع مسرحية «الصحافة المزورة»، تجربة صعبة، يقول عنها الراحل، امتزج فيها الخوف بالارتباك، حين نسي مطاع نص المسرحية وارتبك أمام الجمهور، لكن صفعة من المرحوم محمد الخلفي كانت كافية لإنطاق لسانه ومحو مفهومي الارتباك والخوف من قاموسه، وتحليقه في عالم المسرح والفن.

ومنذ تلك اللحظة، بدأ مطاع رحلة طويلة في عالم المسرح الاحترافي، متنقلا بين خشبات فرقة المعمورة والمسرح الإذاعي، وصولا إلى السينما والتلفزيون، حيث أصبح رمزا للجمهور في أدوار تراجيدية وكوميدية لا تنسى.

في السينما، ترك بصمته في أفلام مثل «وشمة» التي حصدت جوائز دولية، وفي التلفزيون، في سلسلة “خمسة واخميس”، أصبح “الطاهر بلفرياط” شخصية خالدة في ذاكرة المغاربة، وبها عرف المرحوم واشتهر قبل عقود خلت.

فيما تواصل حضوره الإذاعي عبر إذاعة ميدي 1، حيث كان صوته معلنا لبداية محطة جديدة، وكانت أول جملة قالها من استوديوهات مونتي كارلو معلنا بدء بث إذاعة البحر الأبيض المتوسط سنة 1980:

“سيداتي و سادتي، صحبة الوفاء، أنتم الآن في الاستماع إلى إذاعة جديدة، إذاعة كل الأجيال، إذاعة الشيب والشباب، إذاعة دولية، إذاعة تتميز بالخبر وإعطاء الخبر في حينه، إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية ميدي 1، امكثوا معنا الآن مع كشكول من الأغاني وبصحبتكم عبد القادر مطاع.”

وعلى الرغم من الإرث الكبير، لم يشعر مطاع يوما أنه قدم كل ما في جعبته، بل ظل يرى أنه لم تتح له الفرصة لتجسيد بعض الأدوار التاريخية التي حلم بها وأراد إيصالها للمغاربة مثل القاضي عياض، أبو العباس السبتي، سيدي يوسف بن علي، وغيرهم، كما جاء على لسانه.

ومع تقدمه في السن وفقدانه البصر، ابتعد الراحل عن الأضواء، لكنه ظل حاضرا في قلوب المغاربة، صوتا ووجدانا يروي قصة فن أصيل وشخصية لا تنسى.

وفي يوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025، سيترجل الفنان عبد القادر مطاع عن صهوة الحياة، عن سن تناهز 85 سنة بعد صراع مع المرض، تاركا فراغا كبيراً في قلوب المغاربة الذين تربوا على أعماله الفنية المميزة.

وبرحيله، يفقد المغرب أحد أعمدته الفنية، لكنه يترك وراءه إرثا حيا في المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة، يجعل كل جيل جديد يكتشف من خلاله معنى التفاني، الإبداع، والوفاء للفن المغربي.

*أكرم القصطلني.. صحافي متدرب