عام اليأس
للرياضة الحديثة، وخاصة كرة القدم، قدرة كبيرة على المساهمة في التنمية وتحفيز الاقتصاد ودعم السياسة بالقوة الناعمة التي تساعد على التعبئة والحشد والتأثير، لكن حذار من تعليق الآمال والطموحات كلها على “جلدة منفوخة بالهواء”، لأن السعادة التي تنتجها الإنجازات الرياضية تكون في بعض الأحيان شبيهة بتلك السعادة التي يولدها استهلاك بعض المواد المحظورة.
الدافع وراء هذا التنبيه ليس الرغبة في تثبيط العزائم أو التشويش على لحظة أمل جماعي مرتبط ببطولة كأس إفريقيا، بل هو مؤشر جديد صادر عن المندوبية السامية للتخطيط، حول الثقة لدى الأسر المغربية، يخبرنا بكل الأسف والقلق الممكنين، أنه سجّل أعلى معدل للتشاؤم لدى المغاربة، منذ إحداث هذا المؤشر سنة 2008.
دفعتني نتائج هذا المؤشر المتعلقة بالربع الأخير من 2023 إلى فتح التقرير الأخير للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية المتعلق بسمعة المغرب، فوجدت أن الوثيقة التي تطمئننا عن سمعة المغرب في الخارج، لأنها بخير ولله الحمد، تقول في المقابل إن مؤشر السمعة الداخلية للمغرب، والذي يعكس التصورات التي يكونها المغاربة عن بلدهم، انخفضت في سنة 2023 مقارنة بسابقتها، رغم أنها السنة التي تلت الإنجاز الكبير للمنتخب الوطني المغربي في كأس العالم قطر 2022.
ولأن الشيطان يسكن في التفاصيل، فإن الوثيقة الصادرة عن المعهد الموثوق والمرموق، تفيد بأن الجرعة الكبيرة من الأمل والتفاؤل التي عززنا بها فريق وليد الركراكي، أبطلتها المكونات الأخرى للمؤشر الذي يصدره المعهد.
كيف؟ يجيبنا التقرير أن سمعة المغرب في عيون المغاربة تراجعت في جميع مكوناتها باستثناء العنصر المتعلق ب”الترفيه والتسلية” وخاصة منه الجزء المتعلق ب” النجاح الرياضي”. ومقابل ارتفاع كبير في المؤشر المتعلق بالإنجاز الرياضي، وقف المعهد على تراجع باقي العناصر كلها، وتحديدا مؤشرات “الاستعمال الناجع للموارد العمومية” و”البيئة المؤسساتية والسياسية” و”الرفاه الاجتماعي”.
لنعد الآن إلى نتائج مؤشر الثقة لدى الأسر المغربية الذي نشرت المندوبية السامية للتخطيط نتائجه هذا الصباح. من خلال قراءة سريعة نجد أن هناك أرقام متباينة، لكن هناك معطى يستأثر بالاهتمام، يقارن بين قرابة 90 في المئة من المغاربة اليائسين بكل معنى الكلمة، وحوالي 10 في المائة ممن يحتفظون بأسباب الأمل والتفاؤل.
فقد بلغت نسبة الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال السنة الماضية 87 في المئة فيما لاحظت 9,2 % منها استقراره وأعلن 8,3 % تحسنه. ويعلن أكثر من 90 في المئة من المغاربة عجزهم الكامل عن القيام بأي ادخار مالي خلال شهور السنة الجديدة، و18 في المئة فقط من مجموع الأسر المغربية تتوقع تحسنا ما في وضعها المالي خلال هذه السنة، في مقابل تصريح 60 في المئة من الأسر أن وضعها المالي تدهور خلال السنة الماضية.
أكثر من 86 في المئة من الأسر المغربية تتوقع تفاقم البطالة في العام الجديد، وحوالي 80 في المئة يصرحون من الآن بعجزهم عن شراء “سلع مستديمة” مقابل تفاؤل أقل من 10 في المئة بالقدرة على ذلك. فيما استنزف أكثر من 42 في المئة من الأسر المغربية مدخراتها بالكامل ولجأت إلى الاقتراض، فيها حصل شبه إجماع (حوالي 98 في المئة) على أن أسعار المواد الغذائية قد عرفت ارتفاعا خلال 12 شهرا الأخيرة. أما انطباع المغاربة عن الخدمات العمومية الأساسية فيكشف أن 45 في المئة من الأسر لاحظت تدهور جودة خدمات التعليم، وشعور أكثر من 58 في المئة بكون الخدمات الصحية قد تدهورت أيضا.
لننتبه إلى أننا لا ننقل هنا عن تقارير المعارضة السياسية ولا الهيئات والمراكز المدنية، بل عن مؤسستين “رسميتين” إحداهما ملحقة بالديوان الملكي والأخرى هي بمثابة العقل الإحصائي للدولة. والمؤشر الجديد الذي تخبرنا المندوبية السامية للتخطيط اليوم بنتائجه المخيفة، أثبت اختبار خضع له في العام 2018 أنه لا يتأثر بالتغييرات الموسمية سواء الثابتة أو المتحركة.
ويحتسب هذا المؤشر على أساس سبع مؤشرات تتعلق أربعة منها بالوضعية العامة في حين تخص الباقية الوضعية الخاصة بالأسرة وهي كالتالي: التطورات السابقة لمستوى المعيشة؛ وآفاق تطور مستوى المعيشة؛ وآفاق تطور أعداد العاطلين؛ وفرص اقتناء السلع المستديمة؛ والوضعية المالية الراهنة للأسر؛ والتطور السابق للوضعية المالية للأسر؛ والتطور المستقبلي للوضعية المالية للأسر. والأسئلة المطروحة أثناء إنتاج هذا المؤشر تعتبر كيفية، وتتم الإجابة عليها بثلاثة خيارات: “تحسن” أو “استقرار” أو “تدهور”.
لنعد الآن إلى موضوع مشاعر السعادة والتفاؤل التي تخلقها الرياضة، بما أن المناسبة شرط، ولنعد أيضا إلى معطيات تقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية المتعلق بسمعة المغرب. يؤكد هذا الأخير أنه وعلاوة على الأداء الرياضي، كان لمعنويات المنتخب المغربي والقيم التي أحاطت به (التعاون والتفاني في العمل والشجاعة والعائلة…) تأثير إيجابي على مؤشر السمعة الخارجية للمغرب لدى الأشخاص المستجوبين من بلدان مجموعة الدول السبع وروسيا، ثم يعود لينبهنا إلى كون الأداء الرياضي، حتى وإن كان قادرا على المساهمة في تحسين شهرة البلد، “إلا أنه لا يشكل عنصرا أساسيا في بناء سمعته. فعلى الرغم من فوز الأرجنتين بلقب كأس العالم، سجل مؤشر سمعتها الخارجية تراجعا كبريا عام 2023، وعلى النحو ذاته، انخفض مؤشر السمعة الخارجية لفرنسا، وتراجع مؤشر بلد الضيافة، قطر…”.