طبيب نفسي لكل 100 ألف نسمة وحقوقيون: قصور يعيق حماية المرضى واحترام كرامتهم
أعاد التقرير الحديث للمجلس الأعلى للحسابات، إحياء مطالب تحسين منظومة الصحة النفسية وتعزيز جودة خدماتها لحماية المواطنين المغاربة، بعدما أظهر التقرير عددًا من الاختلالات بها، وتزايدا في المصابين من الاضطرابات العقلية.
“تقادم الإطار القانوني”
وتعليقا على الموضوع، قال علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، إن هناك إجماعا وطنيا على ضعف منظومة الصحة النفسية والعقلية في المغرب، مشيرا إلى معانتها من اختلالات هيكلية ونقص حاد في الموارد، في وقت يتزايد فيه عدد المصابين بالأمراض النفسية والعقلية وظاهرة الانتحار بشكل مقلق.
أوضح لطفي في حديثه لـ”صوت المغرب”، أن أحد أبرز التحديات يتمثل في تقادم الإطار القانوني الذي لا يواكب تطورات حقوق الإنسان ولا ينسجم مع الاتفاقيات الدولية، مضيفا أن “هذا القصور يعيق حماية حقوق المرضى وضمان علاجات إنسانية تحترم كرامتهم”، مشيرا في نفس السياق إلى ضعف التكوين في مجال الطب النفسي، الذي أدى إلى نقص الأطر المتخصصة.
وأضاف أن “المستشفيات المتخصصة في الطب النفسي قليلة ومحدودة التجهيزات، مما يؤدي إلى اكتظاظ المستعجلات ونقص الأسرة، خصوصًا في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، كما أن أسعار الأدوية الخاصة بالأمراض النفسية مرتفعة وغير متوفرة في بعض الأحيان، ما يزيد من معاناة المرضى”.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن الأطفال، المراهقين، وكبار السن هم الفئات الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية بسبب ضعف السياسات الوقائية وبرامج الصحة النفسية، مبرزا أن “الصحة النفسية لا تُدمج بشكل كافٍ في البرامج الصحية الوطنية، مثل الصحة المدرسية وصحة الأسرة، ما يتركز الاهتمام على الجوانب الجسدية فقط”.
“إرادة سياسية شاملة”
وأكد لطفي على ضرورة تكوين المزيد من الأطباء والممرضين المتخصصين في مجال الطب النفسي، مع زيادة عدد مقاعد التكوين في كليات الطب والمعاهد العليا للتمريض، مشيرا إلى أن “هذا النقص الحاد في الأطر الصحية المتخصصة ينعكس سلبًا على جودة الخدمات المقدمة للمصابين بالأمراض النفسية”.
وشدد على أهمية الاستثمار في بناء مستشفيات جديدة متخصصة في الأمراض النفسية والعقلية، وتجهيزها بشكل مناسب لتلبية احتياجات المرضى، وتقريب الخدمات الصحية من المواطنين في مختلف جهات المملكة، مؤكدا على ضرورة الرفع من الميزانية المخصصة لهذه المنشآت لتوفير بيئة علاجية لائقة.
ونبه لطفي إلى ضرورة ضمان توفر الأدوية الخاصة بالأمراض النفسية بأسعار مناسبة أو مجانًا للفئات الهشة، مشددًا على أن ارتفاع أسعار الأدوية أو انقطاعها في بعض الأحيان يؤدي إلى تفاقم معاناة المرضى وتعقيد حالتهم الصحية.
وأكد لطفي على أهمية إطلاق برامج وقائية تهدف إلى الحد من انتشار الأمراض النفسية، خاصة بين الأطفال والمراهقين، مع إدماج الصحة النفسية بشكل فعال في البرامج الصحية الوطنية، مثل الصحة المدرسية وصحة الأسرة، مشيرا إلى أن التركيز على الوقاية يمكن أن يقلل بشكل كبير من الضغط على المستشفيات ويعزز صحة المجتمع.
وشدد لطفي على أهمية رفع مستوى وعي المجتمع بأهمية الصحة النفسية وضرورة كسر وصمة العار المرتبطة بالأمراض النفسية، مؤكدا على ضرورة تشجيع المرضى على التحدث عن معاناتهم دون خجل أو خوف، لافتًا في نفس السياق إلى أن “الأمراض النفسية قابلة للعلاج تمامًا مثل الأمراض الجسدية”.
وخلص المتحدث ذاته، بالتأكيد على أن تحسين منظومة الصحة النفسية بالمغرب يتطلب إرادة سياسية قوية ورؤية استراتيجية وطنية شاملة، تهدف إلى تعزيز جودة الخدمات الصحية النفسية وتحسين حياة المواطنين، مع ضمان كرامتهم الإنسانية وحقهم في الرعاية الصحية الشاملة.
“نصف المغاربة مرضى نفسانيون”
وكان وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، قد كشف مؤخرا عن أرقام مقلقة تخص الصحة العقلية والنفسية بالمغرب، مسجلا أن ما يناهز نصف المغاربة يعانون أو قد عانوا من اضطرابات نفسية في فترة ما في حياتهم، مبرزا أنه في مقابل ارتفاع الأرقام المتعلقة بالصحة النفسية لا يتجاوز معدل الأطباء النفسيين 01 طبيب نفسي لكل 100 ألف نسمة.
وأوضح التهراوي، أن 26 بالمائة من الحالات النفسية المسجلة عانت من الاكتئاب، فيما 9 بالمائة من اضطرابات القلق، و5.6 بالمائة يعانون من اضطرابات ذهانية، ثم 1 بالمائة من مرض الفصام.
وأمام هذا النقص، أبرز الوزير أن معدل 01 طبيب نفسي لكل 100 ألف نسمة يظل أقل من المعدل العالمي المقدر بـ1.7 طبيب لكل 100 ألف، وأقل بكثير عن المعدل الأوروبي 9.4 لكل 100 ألف نسمة، مضيفا أن عدد المساعدات الاجتماعية لا يتجاوز 14 بالقطاع العام ونفس الشيء بالنسبة للأخصائيين النفسيين.