طاحونة الكرة !
نهاية الأسبوع الماضي عرفت الدوريات الأوربية لكرة القدم، حادث إصابة نجمين بارزين في مبارتي ناديهما، هما الألماني تير شتيغن، حارس وعميد نادي برشلونة، والإسباني رودري هيرنانديز لاعب خط وسط مانشستر سيتي الإنجليزي، وحسب التقارير الطبية فإصابتهما بليغة جدا ومن المرجح أنهما لن يعودا إلى الملاعب إلا في الموسم المقبل، إن صارت عملية استشفائهما دون مضاعفات.
تير شتيغن ورودري ينضافان إلى لائحة طويلة من اللاعبين المعطوبين الذي يوجدون في فترة راحة إجبارية، حيث أن جل الأندية تمتلئ مصحاتها بلاعبين تعرضوا لإصابات متفاوتة ويخضعون لبروتوكولات علاجية مكثفة لتأهيلهم للعودة إلى الملاعب في أسرع وقت ممكن.
ظاهرة تعرض اللاعبين لإصابات بليغة في الرباط الصليبي للركبة، والتمزقات العضلية الخطيرة، وتضرر الكاحل، في تزايد مستمر خلال السنوات الأخيرة، بعدما كانت شيئا ناذرا حتى حدود العقد الأول من الألفية الجديدة، وإذا أضفناها إلى الأزمات القلبية ووفاة اللاعبين فوق أرضية الميدان التي لم تكن تحدث مطلقا من ذي قبل، فيبدو أن الأمور بدت تقرع أجراس الخطر، وتدعو للتوقف قليلا للبحث في المسببات التي تطحن صحة اللاعبين وتهدد حتى قلوبهم عن التوقف.
رودري فيرنانديز الذي أصيب يوم الأحد الماضي إصابة بليغة، كان قبل أيام قد انفجر في ندوة صحفية، منددا بإجبار لاعبي كرة القدم على لعب مباريات كثيرة خلال موسم واحد، والزيادة المستمرة التي تقوم بها الهيآت الكروية العالمية والقارية في عدد المسابقات، والبحث الدائم عن عائدات إضافية من الإعلانات والنقل التلفزيوني، دون مراعاة لصحة اللاعبين النفسية والبدنية الآخذة في التدهور بسبب عدم وجود فترات راحة بين المباريات، بشكل أصبح معه الجميع معرضا للإصابات البليغة عند أو احتكاك مع الخصم أو فقط مع أرضية الملعب.
كثير من لاعبي كرة القدم المحترفين، ساندوا رودري فيما صرح به، وقالوا أيضا نفس كلامه، إذ رغم الأموال الطائلة التي يتلقونها من أنديتهم ومن الشركات الراعية، فقد أصبح لديهم وعي عام بأن الرزنامة المزدحمة لكرة القدم العالمية حاليا أصبحت فوق طاقتهم، وأن إيقاع المباريات النارية والتداريب الإستعدادية لها، هو سبب ما يتعرضون له من إصابات بليغة، حيث بدأت تنشأ في صفوفهم فكرة القيام بالإضراب عن اللعب والمطالبة بتقليص عدد المباريات السنوية إلى عدد مقبول، وإيقاف هذا الإستغلال البشع لهم في جلب المزيد من الأموال الفلكية، وزيادة أرباح الشركات والهيآت الكروية.
كرة القدم أصبحت طاحونة عملاقة لممارسيها في المستوى العالي، واللاعبون أنهكتهم الإصابات الخطيرة المتوالية، والمدربون صارت عليهم ضغوطات من كل الإتجاهات من أجل النتائج، وهذا الوضع لن يستمر طويلا، ومن المحتمل جدا أن نعيش بداية تمردٍ قد يوقف “البيضة فالطاس”, ويعرقل هذا السباق المجنون الذي تخوضه الشركات والهيآت الكروية، نحو جني المزيد من الأموال من كرة القدم.