story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

ضيوف “من الرباط”: الوقت مناسب لحلحلة ملف معتقلي حراك الريف

ص ص

يرى ضيوف برنامج “من الرباط”، الذي يُبث على منصات صحيفة “صوت المغرب”، أن الوقت أصبح مناسباً لإيجاد حل لملف معتقلي حراك الريف، مؤكدين أن استمرار هذا الملف دون معالجة يؤثر سلباً على الداخل المغربي وعلى صورة المملكة في الخارج.

وأكد المتحدثون أن الظروف الراهنة، بما فيها الخطاب المقتضب الذي ألقاه ناصر الزفزافي، بمناسبة خروجه الاستثنائي من السجن لتشييع جثمان والده أحمد الزفزافي، والزخم الشعبي الذي رافق الجنازة، توفر فرصة لإعادة فتح الحوار، وتبني مقاربة شاملة تراعي الأبعاد الاجتماعية والسياسية والتاريخية للملف، بما يسهم في تحقيق المصالحة وإغلاق صفحة طويلة من الاحتقان الجماهيري.

وفي هذا الصدد، قال رشيد أوراز، الباحث الرئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، إن ملف “حراك الريف” تمت معالجته منذ البداية “بطريقة خاطئة، وبشكل زاد من تعقيداته مع مرور الوقت”، مؤكداً أن التأخر في إيجاد حل سيُضاعف من عواقبه السياسية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن تأثيراته على النقاش العام في المغرب، سواء على المدى المتوسط أو البعيد.

وأوضح أوراز، في حديثه عن هذا الملف، أن الأغلبية الساحقة من المغاربة ما تزال تعتبر “حراك الريف” حراكاً اجتماعياً بالأساس، أي في إطار دينامية اجتماعية محلية انطلقت من مدينة الحسيمة بمطالب اقتصادية واجتماعية، وأيضاً سياسية.

ولمقارنة السياقات، استحضر أوراز تجربته مع “حراك سيدي إفني” الذي اندلع أولاً سنة 2005 وتجدّد سنة 2008، حيث تدخلت السلطات حينها بعنف، خصوصاً بعد انتشار صور الاعتداءات على النساء والأطفال والشباب، وهو ما خلّف ردود فعل قوية لدى الرأي العام واحتجاجات امتدت إلى مناطق أخرى وحتى خارج البلاد.

لكن، يضيف أوراز، تعاملت الدولة مع ملف سيدي إفني بمقاربة مغايرة، إذ أوفدت وفداً برلمانياً وشُكلت لجنة استمعت للساكنة في وقت ما تزال الأجواء مشحونة. كما أن النخب السياسية آنذاك كانت تملك بعض المصداقية، وكانت هناك دينامية سياسية حقيقية، الأمر الذي سمح بترميم العلاقة مع أبناء المنطقة.

وأبرز أنه ورغم أن بعض النشطاء حوكموا وسُجنوا، فإنهم خرجوا مع ظهور حركة 20 فبراير سنة 2011، وعادوا للمشاركة في الانتخابات وحصلوا على أغلبية غير مسبوقة، وصلت نسبتها إلى 80 و90% في بعض الجماعات، وبذلك طوي الملف بمقاربة مؤسساتية مختلفة تماماً.

وأعرب الباحث عن أسفه لكون منطق الدولة تغيّر بين سنتي 2008 و2018، حيث عولج ملف الحسيمة بأسلوب مغاير تماماً، رغم التشابهبين الملفين في كونهما نتاج دينامية اجتماعية محلية.

وختم أوراز بالتأكيد على ضرورة تبني مقاربة شمولية متعددة الأبعاد لمعالجة هذه الملفات، معبّراً عن ترحمه على أحمد الزفزافي، والد المعتقل ناصر الزفزافي، وعلى عائلات جميع المعتقلين، سواء من لا يزالون داخل السجن أو الذين استفادوا من عفو ملكي، مشددا في الوقت ذاته، على أن هؤلاء في حاجة إلى مواكبة نفسية واقتصادية من أجل الاندماج مجدداً في المجتمع واستعادة حياتهم الطبيعية.

من جانبه، قال ياسين اعليا، الخبير الاقتصادي ومقدّم برنامج “إيكوترند” الذي يبث على منصات صحيفة “صوت المغرب”، إن اللحظة الراهنة تستدعي العودة إلى مقاربة الحوار وفتح الباب للجلوس إلى طاولة النقاش حول موضوع معتقلي الريف، معتبراً أن الخطاب الذي ألقاه ناصر الزفزافي، والزخم الشعبي الذي رافق جنازة والده أحمد الزفزافي، يمثلان خطوة إيجابية ينبغي البناء عليها.

وأوضح اعليا أن هذه الجنازة كانت مؤشراً واضحاً على أن سكان الريف لم يتخلوا عن قضيتهم، رغم توقف الحراك الاجتماعي، مؤكداً أن المعتقلين الذين أفرج عنهم ما زالوا في حاجة إلى مواكبة نفسية واقتصادية، في وقت لا يزال فيه آخرون خلف القضبان.

وأشار إلى أن خطاب ناصر الزفزافي حمل رسائل مباشرة إلى الدولة، أبرزها أن المقاربة الأولى التي وُضع فيها الملف في خانة الانفصال والتخوين لم تكن صائبة، قائلا : “هناك شعاع من الأمل، نتمنى أن يضيء أكثر، وأن يفتح الباب نحو المزيد من المصالحة، لأنه لا أحد له مصلحة في أن يستمر الوطن في هذا السياق المتأزم”.

وأضاف أن الحمولة التاريخية للاحتجاج في الريف لا يمكن إغفالها، مبرزاً أن أحداث 1959 و1984 وما رافقها من تهميش للمنطقة ما زالت حاضرة في الذاكرة الجماعية لسكان الريف، معتبرا أن “المجتمع مثل الأفراد، له ذاكرة عاطفية جماعية، وحين يُعاد لمس الجرح، حتى بعد التئامه، تعود الآلام للظهور”.

وذكّر بأن الدولة حاولت في بداية عهد الملك محمد السادس القيام بمصالحة مع المنطقة، لكن أثر الماضي استمر في تغذية الشعور بالغبن، وهو ما جعل السكان يشعرون في لحظة ما أنهم قادرون على استعادة شيء من الاعتبار أو القيام بما سماه “انتقاماً رمزياً” من التهميش التاريخي، غير أن الدولة، حسب اعليا، واجهت هذا الوضع بمنطق القوة.

وأشار، بالمقابل، إلى أن إشكالية الاستمرارية تظل عاملاً مؤثراً، “فالحركات الاجتماعية لا تستطيع الاستمرار بنفس الزخم إلى ما لا نهاية، بينما السلطة تمتلك الإمكانيات والقدرة على الصمود والدعم، لأنها تدافع عن مصلحة واحدة موحدة، في حين تمثل الحركات الاجتماعية مصالح متعددة تتخللها خلافات داخلية حول الأولويات”.

وختم ياسين اعليا بالقول إن المغرب ما يزال يعيش مشاهد من “أدب السجون”، الذي كان يُعتقد أنه انتهى، لكنه ما يزال يُكتب اليوم، مضيفاً: “أتمنى صادقاً أن يجد هذا الملف حلاً قريباً”.

ومن جهته، اعتبر عمر الحياني، الخبير الاقتصادي والفاعل السياسي، أن الوقت قد حان لإغلاق ملف معتقلي الريف، حتى لا تبقى جراحه مفتوحة في الذاكرة الجماعية، “ولتجنب أن تظل الأجيال القادمة تتداول قصة أب ظل ينتظر خروج ابنه من السجن دون أن تتحقق أمنيته، وابنٍ سُجن لأنه طالب بمستشفى وجامعة ومطالب اجتماعية بحتة، لكنه حُكم عليه بعشرين سنة سجناً ظلماً، قضى منها سنوات طويلة”.

وأشار إلى أن هذا الملف يُستعمل أيضاً ضد المغرب في ملفات دولية أخرى، وعلى رأسها قضية الصحراء، مضيفاً أن المغرب اليوم يطرح مبادرة الحكم الذاتي، بينما خصومه، سواء انفصاليون أو من يُربطون بالجزائر، يحاولون الاستثمار في فكرة “الانفصال في الريف”، حتى وإن بدت فكرة واهية أو مثيرة للسخرية.

وأوضح الحياني أن هناك فئة من الانفصاليين يُطلقون على أنفسهم صفة “العقلانيين”، يستعملون ورقة الريف للقول: “قد نقبل بالحكم الذاتي في المغرب، لكن أين الضمانات بأن تكون هناك فعلاً دولة ديمقراطية تحمينا ومؤسسات تصون حقوقنا؟ انظروا ماذا فعلوا بسكان الريف!”.

وأكد المتحدث أن الحل يكمن في إغلاق هذا الباب وإثبات أن المغرب يسير في مسار ديمقراطي حقيقي، قادر على بناء حكم ذاتي شامل لجميع أبنائه، مشدداً على أن المشاركة في المشروع الوطني الموحد يجب أن تشمل الجميع.

وأوضح أن استمرار المشاكل الداخلية، سواء قضية معتقلي الريف أو قضايا الديمقراطية العامة، سيظل يُستغل ضد المغرب، قائلا : “حين نتحدث عن تحصين الجبهة الداخلية وبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات، فإن معالجة ملفات كهذه تساعد على مواجهة تحديات أكبر”.

وأضاف أن مرور خمسين سنة على المسيرة الخضراء لم يُنهِ ملف الصحراء على المستوى الدولي، وهو ما يجعل الوقت الحالي مناسباً لمعالجة قضية معتقلي الريف لبناء جبهة داخلية أكثر صلابة وتماسكاً.

وتقدم الحياني بالتعازي لأسرة أحمد الزفزافي، مؤكداً أن الرجل لم يُكتب له أن يرى ابنه حراً، وهو ما ساهم في اتساع وتعميق موجة التعاطف الشعبي، مضيفا أن “المرحوم أحمد الزفزافي قضى ثماني سنوات وهو يطالب ويناشد، في المغرب وخارجه، من أجل إطلاق سراح جميع معتقلي حراك الريف، لكنه رحل دون أن تتحقق هذه الأمنية”.

وأشار إلى أن أحمد الزفزافي، قبل أن يكون والد ناصر، كان مناضلاً في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خصوصاً في الحسيمة خلال الثمانينيات والتسعينيات، قبل أن يعتزل العمل السياسي ويعود للواجهة مع حراك الريف واعتقال ابنه ومجموعة من نشطاء المنطقة.

ولفت الحياني إلى نقطة مهمة غالباً ما يغفل عنها الكثيرون، وهي أن المرحوم أحمد توفي في المستشفى الإقليمي محمد السادس، الذي افتُتح السنة الماضية، مذكرا بأن “أبرز مطالب حراك الريف كان بناء مستشفى وجامعة ومدارس. وربما لو لم يخرج الحراك سنة 2017، لما تحقق هذا الإنجاز، ولكان على أحمد أن يسافر لتلقي العلاج في مدن أخرى بدل أن يتلقى الرعاية الصحية في مدينته”.

وأكد أن ما تلاه من برامج تنموية، والإعفاءات التي طالت وزراء ومسؤولين كبار، يمثل اعترافاً ضمنياً من الدولة بأن المحتجين كانوا على حق، وأن خروجهم لم يكن عبثاً، بل له أسباب موضوعية ومعقولة.

لمشاهدة الحلقة، يرجى الضغط على الرابط