شمول الأشخاص في وضعية إعاقة: ضرورة تنموية واجتماعية

في عالم يسعى لتحقيق العدالة والمساواة، يظل إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة في جميع البرامج التنموية والخطط القطاعية تحدياً كبيراً يتطلب وعياً عميقاً والتزاماً حقيقياً. فالأشخاص ذوو الإعاقة، الذين يشكلون جزءاً لا يتجزأ من نسيجنا المجتمعي، غالباً ما يواجهون عقبات تحول دون مشاركتهم الكاملة في الحياة العامة، مما يحرم المجتمع من طاقاتهم وإمكاناتهم الكبيرة. لذا، فإن استحضار منظور الإعاقة في كل سياسة تنموية أو قطاعية ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو استثمار في مستقبل أكثر شمولية واستدامة.
في الوقت الذي يخلد فيه المغرب، يوم 30 مارس من كل سنة، اليوم الوطني للأشخاص في وضعية إعاقة، فإنه من الضروري التذكير بالالتزامات الدستورية والوطنية التي تعهد بها المغرب تجاه هذه الفئة من المجتمع. فالدستور المغربي لسنة 2011، الذي يُعتبر إطاراً مرجعياً للنهوض بحقوق الإنسان، أكد في ديباجته على “حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس، أو اللون، أو المعتقد، أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان”. كما نص الفصل 34 من الدستور على أن “تقوم السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة”، مما يعكس التزاماً دستورياً واضحاً بضمان حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.
الالتزامات الدولية للمغرب
إلى جانب الالتزامات الدستورية، يظل المغرب من أوائل الدول التي وقعت وصادقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2008. هذه الاتفاقية، التي تعتبر إطاراً دولياً لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، تلزم الدول الأطراف بضمان تمتع هذه الفئة بحقوقها الكاملة والمتساوية في جميع المجالات، بما في ذلك التعليم، والصحة، والعمل، والمشاركة السياسية، والوصول إلى الخدمات العامة.
التوجيهات الملكية: رؤية ملكية لتعزيز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة
لطالما أولى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اهتماماً خاصاً بقضايا الأشخاص في وضعية إعاقة، مؤكداً في العديد من خطبه على ضرورة إدماج هذه الفئة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. ففي خطاب بمناسبة اليوم الوطني للأشخاص في وضعية إعاقة، أكد جلالته على أن “حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة ليست مجرد حقوق إنسانية، بل هي جزء لا يتجزأ من مشروعنا المجتمعي الذي يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة للجميع”.
كما دعا جلالته إلى “تعزيز الجهود الرامية إلى تحسين ظروف عيش الأشخاص في وضعية إعاقة، وضمان مشاركتهم الفعالة في الحياة العامة، وتوفير الفرص لهم للإسهام في بناء المغرب الحديث”. هذه التوجيهات الملكية تؤكد على أن قضية الإعاقة ليست قضية هامشية، بل هي في صلب الأولويات الوطنية..
لماذا يجب إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة؟
أولاً، لأن الإعاقة جزء من التنوع البشري. فكل فرد، بغض النظر عن قدراته الجسدية أو الذهنية، له الحق في العيش بكرامة والمشاركة الفعالة في المجتمع. ووفقاً لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن أي تمييز أو إقصاء على أساس الإعاقة يُعد انتهاكاً لحقوق الإنسان. لذلك، فإن إغفال احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة في الخطط التنموية يعني حرمانهم من حقوقهم الأساسية، مثل التعليم، والصحة، والعمل، والوصول إلى الخدمات العامة.
ثانياً، لأن الإدماج الكامل للأشخاص ذوي الإعاقة يعود بفوائد اقتصادية واجتماعية على المجتمع ككل. فعندما يتم تمكين هذه الفئة وتوفير الفرص لها، فإنها تسهم في التنمية الاقتصادية من خلال العمل والإبداع. كما أن تحسين إمكانية الوصول إلى المرافق والخدمات العامة يفيد الجميع، وليس فقط الأشخاص ذوي الإعاقة، مما يعزز جودة الحياة للجميع.
كيف يمكن استحضار الإعاقة في البرامج التنموية؟
- اعتماد نهج التصميم الشامل:
يجب أن تكون جميع المشاريع والخدمات مصممة منذ البداية لتكون قابلة للاستخدام من قبل الجميع، دون الحاجة إلى تكييفات لاحقة. هذا يعني مراعاة احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة في تصميم المباني، ووسائل النقل، وتكنولوجيات المعلومات، والخدمات العامة.
- تعزيز إمكانية الوصول:
يجب ضمان وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى جميع المرافق والخدمات على قدم المساواة مع الآخرين. وهذا يشمل توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة، مثل المنحدرات، واللغة الإشارة، والمواد المطبوعة بطريقة برايل.
- إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في صنع القرار:
لا يمكن تحقيق الإدماج الحقيقي دون مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم في تصميم وتنفيذ السياسات والبرامج التي تهمهم. يجب أن تكون منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة شريكاً أساسياً في كل خطوة، لضمان أن تكون الحلول ملائمة وفعالة.
- تبني نهج المسار المزدوج:
يجمع هذا النهج بين تعميم منظور الإعاقة في جميع السياسات العامة، وتنفيذ برامج محددة لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة. ففي حين أن التعميم يضمن مراعاة الإعاقة في كل المجالات، فإن البرامج الموجهة تساعد على تلبية الاحتياجات الخاصة لهذه الفئة.
- التوعية والتثقيف:
يجب العمل على تغيير الصور النمطية والمواقف السلبية تجاه الإعاقة، من خلال حملات توعوية تعزز فهم المجتمع لقضايا الإعاقة وتسلط الضوء على إمكانات الأشخاص ذوي الإعاقة.
الخلاصة
إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة في البرامج التنموية والخطط القطاعية ليس خياراً، بل هو ضرورة لبناء مجتمع عادل ومتكافئ. إن تجاهل احتياجات هذه الفئة يعني إهداراً لطاقات هائلة وإبقاء جزء كبير من المجتمع على هامش التنمية. لذا، يجب أن يكون استحضار منظور الإعاقة في كل سياسة أو برنامج أولوية قصوى، ليس فقط لأنها مسألة حقوق إنسان، بل لأنها أيضاً سبيل لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة تترك أحداً خلف الركب..
إن المستقبل الذي نريد هو مستقبل لا يُقاس فيه التقدم بمدى تطور البنية التحتية أو النمو الاقتصادي فحسب، بل بمدى قدرتنا على خلق مجتمع شامل، يعيش فيه الجميع بكرامة وفرص متساوية. وهذا لن يتحقق إلا بجعل الإعاقة جزءاً لا يتجزأ من كل خطوة نخطوها نحو التنمية.
إن تخليد المغرب لليوم الوطني للأشخاص في وضعية إعاقة في 30 مارس من كل سنة ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو تذكير بالالتزامات الدستورية والوطنية والدولية التي تعهد بها المغرب تجاه هذه الفئة. فمن خلال استحضار التوجيهات الملكية، والالتزامات الدستورية، والاتفاقيات الدولية، يمكن للمغرب أن يخطو خطوات كبيرة نحو تحقيق إدماج حقيقي للأشخاص في وضعية إعاقة، مما يعكس التزامه ببناء مجتمع أكثر عدلاً وشمولية..
إن مستقبل المغرب، الذي نريده جميعاً، هو مستقبل لا يُقاس فيه التقدم بمدى تطور البنية التحتية أو النمو الاقتصادي فحسب، بل بمدى قدرتنا على خلق مجتمع يعيش فيه الجميع بكرامة وفرص متساوية. وهذا لن يتحقق إلا بجعل الإعاقة جزءاً لا يتجزأ من كل خطوة نخطوها نحو التنمية.
*يدير اكيندي