شكرا حكيمي!
نستيقظ صباح هذا الأربعاء، آخر أيام يناير 2024، مثقلين بشحنة من غضب، ومن حقنا أن نغضب، فبقدر الآمال تكون الخيبات، وأملنا كان كبيرا بحجم التتويج بكأس لم نفز بها قط في السابق، تقريبا، وها نحن نخرج منها مجددا بخفي وليد.
هذا عن الصورة العامة، لكن ماذا لو نظرنا إلى مجموعة وليد الركراكي بمنظار فردي نركز فيه العدسة تواليا على المدرب ولاعبيه؟
سنجد أنفسنا حتما أمام رجال أحببناهم وأحبونا، ولا ينكر هذه المشاعر إلى جاحد أو مكابر.
لن نجد أمامنا غير البطل المنكسر، أشرف حكيمي، لنقوم بالواجب ونقول شكرا من حمل ألوان الوطن بكل ذلك الإخلاص والحب الطفولي، ونقول له: ما عليهش، وقعت مع غيرك من الأبطال ولا أظنك عشت، كما عشنا نحن الذين نكبرك سنا، تلك اللحظة الجنونية التي أرسل فيها روبرتو باجيو كرة ضربة جزاء ترجيحية فوق مرمى الحارس البرازيلي عام 1994، وأرسل معها أحلام الايطاليين برفع الكأس الثمينة كأبطال للعالم.
شكرا حكيمي وشكرا وليد وشكرا زياش وشكرا لكل من وقف واشتغل أمامهم أو خلفهم، بالقليل أو بالكثير. فقد صنعتم فرحتنا وأحييتم أحلامنا ورفعتم همتنا وجعلتم خروجنا، المعتاد والروتيني من كأس الأمم الأفريقية، حدثا استثنائيا يستغربه العالم.
ونحن نخرج اليوم من المنافسة القارية لا يمكننا أن ننسى أن هذه المجموعة التي يقودها وليد أهدتنا ما لم نحلم به ولم نخطط له ولم نعتبر أنفسنا يوما أهلا له.
لا يمكننا اليوم أن ننسى بكل أنانية أن وليد الركراكي تحمل مسؤولية المنتخب الوطني أسابيع قبل انطلاق المونديال، وكيف كنا نأمل بشبه يقين، خروجا مشرفا من الدور الأول، لتحدث المعجزة ونصبح بين مباراة وضحاها حديث العالم.
لكل ذلك علينا أن نتحلى بقدر كاف من الإنصاف والواقعية لنقول شكرا، ليس لأن ما تحقق في المونديال يعفي من التطلع إلى النجاح القاري، بل لأسباب أخرى عديدة، أولها أننا لم نفعل ما يجعلنا نستحق مكانة كروية من مستوى الأربعة أو حتى العشرة الكبار في العالم.
حتى لا نكون جاحدين مرة أخرى، دعونا نقول وبكل شجاعة شكرا أيضا لكل من دبّر ودعم وساند هذا المنتخب، ورافق تلك الشعلة التي أطلقتها سيقان أبناء جاليتنا المخلصة. نعم هو منتخب جاليتنا وعمالنا ومهاجرينا ممن توفرت لهم ظروف العيش الكريم والحريات الفردية وتوفر البدائل عن المسارات الدراسية غير الموفقة، لكن دعونا نسجل أيضا حسنة من قام بالتنقيب عن تلك المواهب والاتصال بها وتحفيزها على الالتحاق بمنتخبنا. لكن تعالوا نقوم بإطلالة قصيرة على الجانب الفارغ من الكأس.
لا أحد يتمنى لمنتخب بلاده الإقصاء أو الهزيمة، لكن ما حصل اليوم قد حصل، والنقمة تحمل، أحيانا، في طيها نعمة. خروجنا الصعب اليوم قد يكون فرصة لتصحيح المسار وتدارك الأخطاء، وأول ما ينبغي مراجعته هو التوصيف الدقيق للأوضاع.
لابد من القطع مع تلك الانتهازية التي دشنت مسار إبطال الحلم، وحاولت السطو على إنجاز وليد وفريقه، وسعت لرسملته وتحويله إلى رصيد في حساب الدولة وإقحام الملك والملكية في “لعب الدراري”، واصطناع كل تلك السردية الواهية حول “الأكاديمية” والعمل الطويل والتراكم في التدبير… ماذا ستفعلون اليوم مع هذا الإقصاء المؤلم؟ هل ستنسبونه للملك والرؤية المتبصرة؟
الملكية يا عباد الله في غنى عن فرق تفوز وتنهزم، كي تجدد أو تغذي شرعيتها. للملكية تاريخها وحاضرها ومستقبلها، وهي تتغذى في كل ذلك على رصيد لا ينضب من الشرعيات، ولا داعي لإقحامها بتلك الطريقة الفجة في محاولات البعض السطو على منجزات رياضية حققتها الصدفة وجهود بعض المخلصين.
لا شك أن وليد وفريقه ارتكبوا بعض الأخطاء، والرجل اعترف بذلك مباشرة بعد الهزيمة، وللمغاربة أن يتأملوا هذا السلوك في مقابل “نفخة” باقي المسؤولين الذين يراكمون الفشل وسوء التدبير دون أن يرف لهم جفن.
مشكلتنا مع الذين لم ولن يعترفوا بمسؤوليتهم، بينما هم من تطفلوا، وأقحموا المنتخب في أدوار ووظائف لا قبل له بها. مشكلتنا مع من لن يعترفوا ولن يستقيلوا ممن ظلموا رجلا اسمه لقجع فحاولوا تأليهه، بينما هو مسؤول عمومي يصيب ويخطئ، يأتي ويرحل، وظلموا وليد وأشرف وحكيم وسفيان حين حاولوا جعلهم أدوات للدعاية والتعتيم على الواقع البئيس وتسويق الوهم وتغذية شعور زائف بالتفوق والارتقاء.
من لن يعتذروا ولن يستقيلوا هم من ابتذلوا فكرة الدفاع عن القميص والألوان الوطنيين وأهانوا المغرب والمغاربة في إعلامهم وما يفترض فيه أن يكون سلطتهم الرابعة وعينهم التي لا تنام كي تسهر على مراقبة المسؤولين ومساءلتهم وحراسة المال العام… فساقوا الصحافيين بتلك الطريقة المخزية نحو الكوت ديفوار كما لو كانوا فرقة فلكلورية، بإصرار غريب على ضرب ما تبقى من استقلالية وكرامة الصحافة.
من لن يعتذروا ولن يستقيلوا هم من ساهموا في إدخال وليد وفريقه في فقاعة من الغرور والانفصال عن الواقع.. “الكرة تلعب بالأقدام بينما هي اليوم تلعب على مستوى الذهن… علينا أن نعيد وضع أقدامنا فوق الأرض وصفحة المونديال مرت ولن تتكرر” قال لنا أحد “حكماء” الكرة الحقيقيين، محمد الكرتيلي، ساعات قبل مباراة الإقصاء.
لكل هذا لابد من أن نقول شكرا لهؤلاء الشباب، ونقول شكرا لأمهاتهم وآبائهم، ونقول شكرا لكل من وثق فيهم وشجعهم ورأى ذلك النور المشع في عيونهم في لحظات الفرحة، وعاد ليعذر دموعهم وحسرتهم في لحظة الهزيمة والانكسار.