شخصية البطل
مبارتا إياب نصف نهاية كأس عصبة الأبطال الأوربية، تركتا كما كان منتظرا قدرا كبيرا من المتعة والإثارة والمستوى التقني والتكتيكي العالي من الأندية الأربعة، وأكدتا أن مسابقة “ذات الأذنين” هي أرقى ما يمكن أن يشاهده متتبعو كرة القدم عبر قارات العالم.
قد يطول الحديث عن المبارتين وإحصائياتهما، وما جرى فيهما من تفاصيل تقنية، وقد لا نتوقف إذا ما خصصنا تحليلا لأداء الفرق الأربعة وكيف تعاملت كل واحدة مع متغيرات مباراتها الحارقة، وكيف تصرف مدربوها ب”الكوتشينغ” اللازم لتحقيق التأهل إلى المباراة النهائية..
ولكن يمكن أن ننسى كل هذا ونتوقف على خلاصة مهمة أفرزتها المبارتان، وهي كيف تتصرف الأندية العريقة التي تراكم تاريخا طويلا مع الكؤوس والألقاب، مع اللحظات التي تكون متأخرة في النتيجة وفي أوقات ضاغطة وعصيبة، وكيف تحول هزائمها في رمشة عين إلى انتصار مبهر، لتتأهل في الأخير وتمضي في طريقها بكل ثقة نحو إحراز اللقب، وهي ببساطة إسمها التوفر على شخصية البطل.
شاهدنا نادي باريس سان جيرمان أمام دورتموند بملعبه وبجمهوره داخل حديقة الأمراء يعجز عن تسجيل هدف واحد طيلة 90 دقيقة، رغم أنه سيطر بالطول والعرض على مجريات المباراة، فيما الخصم الألماني من كرة واحدة استطاع تسجيل الهدف الثمين الذي حمله إلى المباراة النهائية في ملعب ويمبلي الأسطوري.
النادي الباريسي رغم توفره على عدد كبير من النجوم، وكل المقومات التقنية والمالية والإدارية التي تجعله يحرز اللقب تلو الآخر، إلا أنه يفتقد أهم خاصية من أجل تحقيق ذلك، وهي شخصية البطل التي لا تُصنع بالمال والإنتدابات والتسويق، بقدر ما تأتي بالتراكم التاريخي والتجربة التي تكتسبها المؤسسة ككل في التعامل مع المباريات الكبيرة، وبكيفية الحفاظ على الهدوء واللياقة الذهنية في الأدوار المؤدية إلى اللقب.
شاهدنا أمس مثالا عظيما حول ذلك مع ريال مدريد في مباراة الكلاسيكو الأوربي الحارق ضد العريق الألماني باييرن ميونيخ، وتتبعنا كيف ساهمت شخصية البطل في ألا يستسلم النادي الملكي رغم تلقيه هدفا في توقيت حرج كان بإمكانه أن يكون قاتلا لأي فريق آخر ويؤدي به إلى الإنهيار وتلقي أهداف أخرى، ولكن حنكة مدرب داهية مثل كارلو أنشيلوتي، وروح الإنتصار التي تبنى عليها هوية النادي الكروية قادته إلى إخراج ما تبقى من مخزون بدني لتوجيه الضربة القاضية لخصم كبير لا ينهزم بسهولة.
نادي ريال مدريد أعطى مجددا درسا للعالم في كيفية التركيز الذهني والصمود البدني لتحقيق الإنتصارات داخل المباريات المعقدة أمام الخصوم الوازنين.. وأكد أن لقب “نادي القرن العشرين” والأربعة عشر “خابية” وباقي الكؤوس والألقاب الموجودة في متحفها لم تكن هدية من السماء.