سفير جنوب إفريقيا لـ”صوت المغرب”: نسعى إلى دور إيجابي في قضية الصحراء
أدلى سفير جنوب إفريقيا في المغرب، إبراهيم إدريس، بتصريحات حصرية لصحيفة “صوت المغرب”، قدّم فيها رواية بريتوريا حول قيام المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، بزيارة إلى بريتوريا الأسبوع الماضي، استُقبل خلالها من طرف وزيرة خارجية جنوب افريقيا، ناليدي باندور، مما أثار غضب الدبلوماسية المغربية.
“حصلنا على رأي موضوعي”
نفى الدبلوماسي الجنوب إفريقي في مقابلة حصرية تتابعون تسجيلها الكامل زوال اليوم الخميس، عبر منصاتنا الرقمية، أن تكون بلاده بصدد التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، مضيفا أن حكومة بلاده دعت المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للقائها “لتحصل منه على وجهة نظر موضوعية”، وهو الرأي الذي قال إن حكومته حصلت عليه من دي ميستورا، موضحا بشأن تفاصيل الاستقبال: “لقد كان اجتماعًا فرديًا. لذلك أنا لست مطلعا على ما تمت مناقشته في ذلك الاجتماع”.
وغداة تصريحات قوية لوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، قال فيها إن جنوب إفريقيا كانت وستظل “فاعلا هامشيا” في قضية الصحراء المغربية، قال السفير إبراهيم إدريس إن بلاده أرادت أن تسمع كيف ينظر دي ميستورا إلى مسألة الصحراء، بعدما قام بزيارة الأطراف الأربعة المعنية كما تشير إلى ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي، في إشارة منه إلى كل من المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا.
وفيما اعتبر وزير الخارجية والتعاون الإفريقي المغربي، ناصر بوريطة، في تصريحات صحافية أدلى بها أول أمس على هامش المؤتمر الوزاري رفيع المستوى حول البلدان متوسطة الدخل، إن جنوب إفريقيا “لا يجب أن تأخذ أكبر من حجمها، وهي لم تستطع تغيير أي شيء منذ 2004 في ملف الصحراء” في إشارة منه إلى تاريخ اعتراف بريتوريا بجبهة البوليساريو، شدّد الدبلوماسي الجنوب إفريقي على أن مبادرة بلاده إلى دعوة المبعوث الأممي إلى الصحراء “مجرد قيام بما ينبغي لنا القيام به”، ولكون “آراء دي ميستورا مهمة للغاية”.
“لا ننكر دعم المغرب لمانديلا”
الدبلوماسي الجنوب إفريقي دعا في مقابلة أجريت معه زوال أمس الأربعاء، إلى عدم النظر إلى زيارة دي ميستورا إلى جنوب أفريقيا بطريقة سلبية، “بل ينبغي النظر إليها تحت ضوء أكثر إيجابية لأن هذه القضية كانت على جدول الأعمال طوال الخمسين سنة الماضية، ولم يكن ذلك بسبب جنوب أفريقيا، هل نريد أن تستمر لخمسين سنة أخرى؟”.
ودافع السفير عن حق بلاده في التواصل مع المبعوث الأممي، مبررا ذلك بكون بريتوريا ترتبط ب”علاقات كاملة” مع البوليساريو، وأن هذه الأخيرة كانت عضوا في منظمة الوحدة الإفريقية قبل أن تنضم إليها جنوب افريقيا سنة 1994.
كما استدل الدبلوماسي الجنوب افريقي بوجود المغرب داخل الاتحاد الافريقي إلى جانب البوليساريو، ليقول إن “من غير الممكن أن نتوقع من جنوب أفريقيا أن تفعل أشياء لا يفعلها المغرب في الواقع”.
عندما واجهت “صوت المغرب” السفير الجنوب افريقي بسؤال ما إذا كانت بلاده تتنكر للدعم الذي قدمه المغرب لنضال نيلسون مانديلا من أجل الحرية في جنوب افريقيا، قال السفير إن الأمرين منفصلين عن بعضهما البعض. وأضاف إبراهيم إدريس أنه زار شخصيا المنقطة التي كانت معسكرا لتدريب مانديلا وأتباعه بالقرب من مدينة بركان، وأن الزعيم التاريخي لجنوب افريقيا أقر بنفسه بهذا الدعم، “لكن لا يمكن الربط بين القضيتين. لسوء الحظ، إنهما مسألتان منفصلتان”.
“لن ننتظر 50 سنة أخرى”
شدد السفير على أن المنطقة المغاربية تعتبر من المناطق الأقل اندماجا في القارة، علما أن فيها الكثير من الإمكانات… لكن هذه القضية (قضية الصحراء)، لا يمكننا أن نجلس مكتوفي الأيدي كأفريقيا أو كأمم متحدة ونراقبها وهي تستمر ل50 عاما أخرى”.
وخلص الدبلوماسي الجنوب إفريقي إلى أن “من مصلحة الجميع أن يتم حل هذه المسألة بشكل مثالي من قبل الأطراف الأربعة كما أعلن في القرار، وكذلك من قبل القوى أو الدول الأخرى التي لها بعض التأثير على بعض هؤلاء الأعضاء”، مؤكدا أن بريتوريا ستقبل بحل النزاع أياً كان ما تقرره الأطراف”.
“المغرب يتطوّر وعلاقتنا به جيدة”
في مقابل دفاعه عن موقف بلاده في ملف الصحراء، تحدث الدبلوماسي الجنوب إفريقي عن علاقات ود وتعاون مع المغرب، موضحا أن بلاده ترى وتقدر ما وصفه بالخطوات الكبيرة التي قطعها المغرب في السنوات العشرين الأخيرة، “خاصة في عهد جلالة الملك محمد السادس، مع اعتماد الدستور الجديد، والنموذج الجديد للتنمية… نحن نرى التطور أمامنا، في البنية التحتية كمشاريع كبرى مثل ميناء طنجة المتوسط، وبرج محمد السادس الذي نراه على الجانب الآخر من الطريق (مقر السفارة يطل على نهر أبي رقراق)، لذلك هناك العديد من مجالات التعاون الجيدة التي أعتقد أنه ينبغي لجنوب أفريقيا والمغرب متابعتها في المستقبل”.
ووصف السفير علاقات بلاده مع المغرب ب”الجيدة”، مضيفا أن أكبر استثمار لجنوب أفريقيا في قارة أفريقيا موجود في المغرب، “كما تعد جنوب أفريقيا ثاني أكبر مصدّر في القارة نحو المغرب، بعد مصر”.
ودعا الدبلوماسي الجنوب افريقي إلى الاقتداء بالملك محمد السادس في الأخذ بزمام المبادرة، “عندما التقى رئيس جنوب أفريقيا في الكوات ديفوار، واتفق الطرفان على أن جنوب أفريقيا والمغرب، على الرغم من خلافاتنا حول هذه القضية (يقصد قضية الصحراء)، لا ينبغي أن يمنعنا هذا من إقامة علاقات سليمة ومتينة”، معبرا عن تفاؤله تجاه إمكانية تطوير العلاقات التجارية بين البلدين، واعتزامه المبادرة لاقتراح أحداث غرفة مشتركة لتشجيع التجارة بينهما.
خلفيات التصعيد
انطلق التصعيد الحالي بين المغرب وجنوب افريقيا يوم الثلاثاء 30 يناير 2024، عندما بادر الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إلى الإعلان خلال ندوته الصحافية اليومية في نيويورك، أن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا في طريقه إلى جنوب إفريقيا بدعوة من حكومة هذه الأخيرة.
في اليوم الموالي، استقبلت وزيرة الخارجية في حكومة جنوب أفريقيا المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، وخرجت عقب ذلك بتصريحات تحدثت فيها عن “اقتراحات” قدمها المبعوث الأممي، قالت إنها تحتاج إلى الوقت لاتخاذ الموقف منها.
بعد ذلك بساعات قليلة، استقبل مسؤول رفيع في وزارة الخارجية لجنوب أفريقيا ممثل جبهة البوليساريو الدائم في بريتوريا، محمد يسلم بيسط، ما أثار الكثير من التساؤلات حول علاقة استقبال دي ميستورا بمسارعة بريتوريا للاتصال بممثل البوليساريو لديها.
السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، خرج في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء ليقدم توضيحات حول ما جرى، وكشف أن المغرب علم قبل أسابيع ب”مشروع” الزيارة، وأنه عبّر رسميا للأمم المتحدة ومبعوثها الشخصي إلى الصحراء عن رفضه القاطع للمبادرة وعدم قبوله بأي دور لجنوب أفريقيا في الملف.