سفيان رحيمي ومحمد صلاح!
جل لاعبي كرة القدم تشعر أن لهم نصيبهم من الرغبة في الفوز والقتالية والإستماتة والتفاعل مع أطوار المباريات بكثير من الجهد والحماس.. ولكن هناك فصيلة أخرى من اللاعبين مختلفون تماما عن كل هؤلاء، ليس لأنهم لا يتوفرون على كل ما ذكرناه، بل لأنهم تشعر بهم يلعبون كرة القدم بأرواحهم، ويبللون أقمصتهم بالجري والسقوط والنهوض والإلتحام في النزالات الأرضية والهوائية، ومن أبرز من يتألق من هذه الفصيلة المحبوبة خلال الأيام الأخيرة، نجد إبننا لاعب العين الإماراتي سفيان رحيمي.
إبن الرجاء البيضاوي ومتوسط أبناء الحاج محمد رحيمي الشهير ب”يوعري”، عندما رحل إلى العين الإماراتي كنت من الذين لم يرقهم أبدا ذلك الإنتقال، ليس تماهيا مع الرأي الذي يقول بأن الدوريات الخليجية لا كرة فيها ولا مستوى تقني ولا احتراف ولا هم يحزنون.. بل كنت أرى فقط أن إمكانيات الولد أكبر من كرة الخليج، وأن مكانه الطبيعي هو أوروبا بالنظر إلى صغر سنه ومؤهلاته الفطرية المذهلة في السرعة والمراوغة وتسجيل الأهداف.
سفيان كان قد قام بالإختيار السهل الذي يمكن أن يقوم به أي لاعب قادم من منظومة هاوية ومن بيئة اجتماعية “على قد الحال” ماديا، أمام الإغراء الذي تصنعه عروض الأندية الخليجية، وكان هذا حقه الذي لا ينازعه فيه أحد، فالعمر الكروي قصير وفرصة “ترقيع الحالة” الإجتماعية للاعب ولأسرته وعائلته قد لا تأتي إلا مرة واحدة، وبالتالي رأى رحيمي التوقيع للعين الإماراتي أفضل من المغامرة في الإنتقال إلى أوروبا وخوض تجربة احتراف قد لا يصمد أمام ضوابطها الصارمة.
كانت أولى ضرائب انتقال سفيان رحيمي إلى الإمارات خلال قمة تألقه مع الرجاء والمنتخب المحلي، هو نزول مستواه قليلا وفقدانه لأجواء الحماس الجماهيري لمباريات مركب محمد الخامس، الشيء الذي أخرجه من مفكرة وليد الرݣراݣي أمام وفرة اللاعبين المغاربة الذين يمارسون في دوريات أوروبية قوية، وجاءت قصة “الوزن” ثم الغياب بفعل الإصابة، ليبدو في فترة من الفترات أن الولد قد انتهى مشوار تألقه في الميادين بشكل مبكر وأن اختياره اللعب بالخليج أنهى لديه كل رغبة في تطوير مستواه.
الفترة التي اشتدت فيها مطالب الجمهور باستدعائه للفريق الوطني، ربما كانت حافزا لسفيان لكي يشتغل على نفسه جيدا ويطور من مستواه البدني والتقني، فكان علينا أن ننتظر مباريات دوري آسيا لنتفاجأ بسفيان رحيمي آخر يوظفه المدرب الأرجنتيني هيرنان كريسبو كقلب هجوم صريح عوض اللعب في الأطراف، وطبعا لاءمه المركز ففجر فيه كل ما يختزنه من موهبة في المراوغة والحس التهديفي والروح القتالية والرغبة المجنونة في الفوز والإطاحة بالخصوم.. وعودته بعد ذلك للفريق الوطني فرضها فرضا على وليد الرݣراݣي الذي اقتنع أخيرا أن الولد يستحق فعلا مكانا في لائحته.
لكن رغم كل هذا التألق الذي يبصم عليه سفيان رحيمي مع الأشقاء الخليجيين والذي سيقوده لا محالة إلى الفوز بالألقاب مع ناديه الإماراتي وبالجوائز الشخصية الرفيعة، فلازلتُ على قناعتي الأولى التي مفادها أن كرة القدم المغربية ضاعت في لاعب عالمي كان بإمكانه أن يغامر قليلا في بداياته بالذهاب إلى أوروبا ويبدأ من الصفر ويجتهد ويصبر ويطور قدراته التكتيكية والذهنية، فبكل تأكيد كان سيصل إلى أن يضاهي النجوم الأفارقة الذين خرجوا من الكرة الفقيرة الهاوية، لكنهم وصلوا إلى قمة المجد مع أندية عالمية بدون مركب نقص.
النجم المصري محمد صلاح مثلا عندما كان يلعب في بداياته مع نادي المقاولون العرب وهو في سن العشرين، تلقى عرضين في نفس الوقت.. الأول من الأهلي السعودي والثاني من نادي بازل السويسري، لكنه اختار الذهاب إلى سويسرا حيث الحياة الأوروبية الباردة مناخيا واجتماعيا، وبراتب أقل كثيرا من الذي كان معروضا عليه من طرف السعوديين، وانتهى به الأمر بعد ذلك في أوروبا إلى التنقل بين أندية أخرى استفاد من مدربيها وأجوائها الإحترافية لتصنع منه في النهاية أحد أعظم المهاجمين عبر التاريخ.