سطوة المدربين الإسبان!
في الموسم الكروي الأوربي 2004-2005 كان الجميع قد سجل عودة نادي ليفربول إلى واجهة الألقاب عندما فاز بكأس عصبة الأبطال الأوربية بعد غياب تام لمدة 15 سنة كان فيها قد توارى وسط أندية مؤخرة الترتيب حتى كاد في كثير من المواسم أن يسقط إلى الأقسام الموالية.
عودة ليفربول لم تكن هي المفاجِئة ذاك الموسم، وهو النادي العريق الذي يراكم عقودا من الألقاب والكؤوس والبطولات، وكان فقط يمر بمرحلة فراغ طويلة تصيب كل الأندية.. المفاجئ هو وجود المدرب الإسباني رافاييل بينيتيز وراء هذا الإنجاز، وكان معروفا أن المدربين الإسبان لا ينجحون خارج بلادهم، وكل التجارب القصيرة المعدودة التي خاضوها انتهت بالفشل والعودة السريعة إلى إسبانيا.
وليس المدربون الإسبان وحدهم من كانوا قبل الألفية الحالية لا يعرفون طريق النجاح في البطولات الأخرى.. فحتى اللاعبون الإسبان في السابق لم يكونوا يجرؤون على خوض تجارب مختلفة في الأندية الإنجليزية والألمانية والإيطالية والفرنسية، وأتذكر كيف شكل انتقال لاعب ريال مدريد مارتين فاسكيز في منتصف التسعينات إلى نادي طورينو الإيطالي حدثا تم اعتباره وقتها سابقة ناذرة وشكلت صفقته يومها محور أحاديث وسائل الإعلام الأوروبية آنذاك، ولم يمر على فاسكيز وقت طويل في طورينو حتى عاد إلى بلاده بعدما فشل في التأقلم مع أجواء الكالشيو.
نجاح رافا بينيتيز في ليفربول أثار انتباه الأندية الأوروبية الكبيرة وفتح الباب للمدربين الإسبان الآخرين الذين كانوا يبرزون في دوري لاليغا وقتها، بأن تلقوا عروضا للتدريب في مختلف دوريات القارة العجوز وفي باقي بلدان العالم، وهكذا خرج خواندي راموس، وميتشيل، وكيكي سانشيز فلوريس، ولويس غارسيا بلازا.. ثم مع الموجة التي تلتها بعد ذلك وعلى مدار مواسم عديدة ويتعلق الأمر ببيب غوارديولا، وروبيرطو مارتينيز، وإيمري أوناي، وميكيل أرتيتا، وتشابي ألونسو، ولويس إنريكي، وأندوني إيراولا، ودييغو مارتينيز، وفيليكس سانشيز، وآخرون بالعشرات في أندية مغمورة في مختلف القارات.
هذا “الغزو” الكبير للمدربين الإسبان لأبرز الدوريات القوية وإشرافهم على الأندية العريقة التي تلعب دائما على الألقاب في بلدانها وفي المسابقات القارية، كسر هيمنة المدرستين الألمانية والإيطالية على سوق المدربين في العالم ، وغيّر المعطى الذي كان سائدا منذ ستينيات القرن الماضي والذي كان يقول أن أجود المدربين كانت تنتجهم هذين المدرستين الكلاسيكيتين، حتى وصلنا اليوم إلى أن معظم الأندية التي تتصارع على لقب الدوريات الاوروبية الخمس الكبرى يوجد على رأسها مدربون إسبان.
طبعا يبقى السؤال المطروح، لماذا وقع هذا الإكتساح، وما هي أسبابه؟
الإجابة حتما ستعود بنا إلى الوراء وبالضبط إلى منتصف التسعينات، حيث استفادت كرة القدم الإسبانية كثيرا من المخطط الرياضي الشامل الذي وضعه المجلس الأعلى للرياضة في إسبانيا والذي أنتج بعد سنوات من ذلك تألق الكثير من الرياضات الفردية والجماعية، وتشكلت قواعد واسعة من الممارسين ومن الأطر المشرفة عليها، ومنها كرة القدم في المقام الأول، مما ساهم في تطوير الإنتاج في مستواه الإحترافي، وبروز الكثير من الكفاءات التدريبية المنفتحة على مختلف المدارس الكروية وخصوصياتها التقنية، وإجادة اللغات الأجنبية الأكثر انتشارا، مما ساهم في نجاح هؤلاء المدربين خارج البلاد والإندماج في مختلف البيئات الثقافية والإجتماعية التي تمارس فيها كرة القدم.
اليوم أصبحت المدرسة الإسبانية في التدريب مطلوبة في مختلف بقاع العالم، وهو معطى يجب أن يضعه مسؤولو كرة القدم المغربية في الحسبان عند الحديث عن أي تخطيط مستقبلي، ونحن الذين دخلنا مع إسبانيا رهان تنظيم حدث كروي عملاق يتمثل في مونديال 2030، وأيضا عشرات اتفاقيات الشراكة والتعاون في مختلف المجالات والتي من غير المنطقي أن تبقى كرة القدم خارجها.