story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

سطوة البرّاني

ص ص

تتأثر السياسات الداخلية لجميع دول العالم بما يحصل في محيطيها الإقليمي والدولي، ولا يمكن تصور اختيارات اقتصادية واجتماعية وثقافية لدولة معينة، مهما كانت قوية وذات إمكانات استثنائية، لا ترتبط بشكل أو بآخر بالعلاقات الخارجية وتحالفات وخصومات الدولة.
لكن المغرب بات في السنوات الأخيرة، يبدو كما لو اختل توازن اختياراته الأساسية، ليضبط عقاربها بالكامل على إيقاع التأثيرات الخارجية، في مقابل غياب أو تغييب شبه كامل لتصريف التفاعلات الداخلية، عبر تعطيل أدوات إنتاج الاختيارات انطلاقا من الذات، كما لو أن المجتمع بات خارج معادلة إنتاج السياسات والاختيارات، بدءا من اعتماد توقيت “غرينيتش+1” ووصولا إلى الخريطة السياسية الداخلية والاختيارات الثقافية والتعليمية.
يكفي أن نقارن مثلا، وبشكل اعتباطي، بين حضور و”شعبية” ما يقوله أو يقوم به كل من وزيرا الخارجية والداخلية، لنلاحظ كيف بات ناصر بوريطة “نجما” له متبعون و”معجبون/ات” والكثير من المنصات الإعلامية والقنوات والصفحات التي تنشر وتناقش ما يقوم به، في مقابل وزير الداخلية الذي يكاد لا يتعرف عليه قسم كبير من الأجيال الجديدة، بينما ينخرط قطاعه في تدبير جل جوانب الحياة اليومية للمواطن، بدءا من الأمن ووصولا إلى الأسعار واستهلاك المياه…
لا علاقة للأمر بأسلوب التواصل أو السلوك الشخصي أو المصادفة، بل يبدو أن هناك نوع من الانسحاب الجماعي، الغامض والمثير للريبة، من كل ما يرتبط بنا كفاعلين مجتمعيين، وتفويض كل شيء للدولة المنشغلة بطبيعتها بتدبير حسابات “كبيرة” مع الخارج والحفاظ على توازن دقيق، حتى أصبح “البراني” يتدخل بشكل مباشر في أدق تفاصيل حياتنا اليومية ويقرر مصيرنا في غيابنا.
استوقفني مشهد صور التقطها صديق فيسبوكي من فيديو الندوة الصحافية التي عقدها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز في نهاية زيارته للمغرب قبل يومين، وكيف كان غيابنا صارخا حين بدا المسؤول الإسباني وهو يخاطب صحافيين إسبان في مقابل غياب شبه كامل للصحافة المغربية، كأن الأمر لا يعني سوى الإسبان.
يكفي أن مجرد حضور المسؤول الأجنبي وحيدا في ندوة صحافية تلت لقاءات ثنائية، يشعرنا نحن المغاربة بالغبن، كما لو أن المسؤول الأجنبي جاء ليتفقد مصالحه ويخاطب مواطنيه الذين يحتفظ لهم بحق الاطلاع والنقد والمساءلة، بينما نحن مجرد صفر على الشمال.
في اليوم نفسه، يتصدر قائمة نصوص العدد الجديد من الجريدة الرسمية، مرسوم لرئيس الحكومة، يقضي بالموافقة على قرض من الوكالة الفرنسية للتنمية بقيمة 130 مليون أورو، مخصص لماذا؟ لتنزيل خارطة طريق إصلاح النظام التعليمي للمغرب في الفترة من 2022 إلى 2026.
بحثت في المصادر المغربية والفرنسية سعيا إلى معرفة المزيد عن هذا القرض وتفاصيل بنوده، فلم أجد شيئا دقيقا، سوى أن الوكالة الفرنسية كانت منذ 2017 وراء تمويل عملية التخطيط للاستراتيجية الوطنية في مجال التعليم للفترة 2015-2030.
هكذا في وقت ينشغل جزء من المغاربة بخطاب شعبوي حول التخلص من الفرنسية وتعويضها بالإنجليزية والانعتاق من هيمنة المستعمر السابق… تتولى فرنسا التخطيط لمستقبل تعليمنا، في ظل غيابنا وسلبيتنا أمام “إغلاق” فعلي للمدرسة العمومة طيلة شهور مضت.
بين لقطة فرنسية وأخرى إسبانية، يخبرنا بلاغ لصندوق النقد الدولي مؤرخ في 21 فبراير الجاري، أن فريقا من خبرائه أنهى مشاوراته السنوية مع المغرب قبل أسبوع واحد، ويطلعنا على أهم ما انتهت إليه: توصيات بتسريع الإصلاحات الهيكلية والعمل على الرفع من المداخيل الضريبية للدولة وتعزيز حضور القطاع الخاص في الاستثمارات وإدماج جميع برامج الدعم الاجتماعي في منطق “الاستهداف” عبر السجل الاجتماعي الموحد والتقدم أكثر في إصلاح كل من التعليم والصحة والاجتهاد أكثر في الحد من انعكاسات “الإجهاد المائي” ورفع حصة الطاقات المتجددة عبر “تحرير” أكبر لسوق الكهرباء…
ألا تلاحظون معي أن الفقرة الماضية تكاد تغطي كل ما تزعم الحكومة أنها بصدد تنفيذه، وتصور لنا ذلك على أنه من بنات اختياراتها وتصوراتها “للنهوض بأوضاعنا” كما تقول لغة الخشب؟ ألا ترتبط طموحات أخرى تبشرنا بها الدولة بعوامل خارجية، مثل المشروع الأمريكي في المجال الأطلسي والصناعات العسكرية والتكنولوجية الإسرائيلية والتمويل الإماراتي ومشروع الطريق والحرير الصيني والوقود الروسي…؟