زواج المال بالسلطة : التهديد الاستراتيجي للدولة

هيمن في السنوات الاخيرة مصطلح سياسي بدلالات متعددة وتداعيات جذرية في الحقل السياسي المغربي، الامر يتعلق بثنائية زاوج المال بالسلطة، وهي الثنائية الأخطر من بين الظواهر السياسية التي تهدد أسس الدولة العادلة والمجتمع الديمقراطي. فعندما تختلط المصالح الاقتصادية بالمواقع السياسية، تتحول المؤسسات من أدوات لخدمة الصالح العام إلى أدوات لخدمة فئة ضيقة تمتلك النفوذ المالي والسياسي في آن واحد. هذا الزواج غير المقدس بين رأس المال والقرار السياسي يفرز نظاما حكوميا يقوم على الفساد، والزبونية، وتكريس اللامساواة، ويقوض مبدأ تكافؤ الفرص ويهدد السلم والتماسك الاجتماعيين .
فما المقصود بمفهوم زواج المال بالسلطة؟ يقصد بـ زواج المال بالسلطة تحالف أو تداخل مصالح بين رجال المال وأصحاب القرار السياسي، بحيث يُستخدم النفوذ المالي للتأثير في القرارات العمومية، أو تُستغل السلطة لتحقيق مكاسب اقتصادية شخصية.
وقد يتخذ هذا التحالف أشكالاً متعددة، مثل:
تمويل الحملات الانتخابية مقابل امتيازات اقتصادية أوتوظيف المناصب الحكومية لخدمة الشركات والمصالح الخاصة أو استعمال المال لشراء الولاءات السياسية والإعلامية.
كيف تتجلى هذه الظاهرة ؟اعتقد أن لها تجليات عدة يمكن اجمالها في :
- الفساد الاقتصادي والإداري:
حين يمتلك السياسيون مصالح مالية، يصبح القرار العام رهينا لمصالحهم الخاصة، مما يؤدي إلى تفشي الرشوة، وتضارب المصالح، ونهب المال العام وخذا لاحزنا في الكثير من الصفقات العمومية التي هيمن عليها فاعلين حكوميون مغاربة . - التحكم في الاقتصاد الوطني:
تتحول الثروة إلى وسيلة للهيمنة السياسية، فتُمنح الصفقات والامتيازات لمن يدورون في فلك السلطة، مما يضعف المنافسة الحرة ويقتل روح المبادرة. - إفساد العملية الديمقراطية:
المال السياسي يفرغ الانتخابات من مضمونها، إذ يشترى الناخبون، وتمول الحملات بطرق غير شفافة، فيتحول البرلمان إلى واجهة لحماية المصالح الخاصة بدل الدفاع عن المواطنين. - إضعاف ثقة المواطنين في المؤسسات:
حين يدرك المواطن أن من يحكمه ويسوس شؤونه هو نفسه من يملك الثروة، تتزعزع ثقته في العدالة والمساواة، فيميل إلى العزوف عن المشاركة السياسية أو إلى الاحتجاج والرفض.
وطبغا تنشأ على هذه الظاهرة جملة من الآثار الاجتماعية والسياسية كاتساع الفوارق الطبقية ، بحيث يصبح المجتمع منقسماً بين أقلية تملك كل شيء وأغلبية محرومة من أبسط الحقوق. واحتكار الإعلام والتأثير في الرأي العام من خلال المال الموجه من طرف السلطة يُستعمل لتجميل السياسات وتلميع الفساد. والاخطر هو تحويل الدولة إلى أداة ريع لا إنتاج فتضعف الكفاءة، ويستبعد الأكفاء، ويكافأ الموالون. مما يؤدي الى تهديد الاستقرار الاجتماعي ، مما يساعد على ولادة وتكور الظلم الاقتصادي والسياسي ويتحول الى شعور عميق بالغضب واليأس لدى فئات واسعة .
ونرى ان لا سبيل لتجاوز هذه المحاذير الا بالمواجهة والإصلاح وذلك من خلال فصل المال عن القرار السياسي عبر قوانين صارمة تمنع الجمع بين المسؤولية العمومية والمصالح الاقتصادية الخاصة. والعمل على تعزيز الشفافية والمحاسبة في الصفقات والتمويلات السياسية، وتفعيل مؤسسات الرقابة المستقلة مثل المجالس العليا للحسابات وهيئات النزاهة ودعم الإعلام الحر والمجتمع المدني لكشف مظاهر الفساد وتحالف المصالح، وسيادة وترسيخ ثقافة المواطنة والعدالة الاجتماعية في التعليم والإعلام.
خاتمة
إن زواج المال بالسلطة ليس مجرد ظاهرة فساد إداري، بل هو تهديد مباشر لجوهر الدولة الحديثة التي تقوم على المساواة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون.
فكلما تداخلت المصالح المالية مع القرار السياسي، ضاعت المصلحة العامة، وانهارت قيم العدالة. لذلك، يبقى الفصل بين المال والسلطة شرطاً أساسياً لأي مشروع إصلاحي يهدف إلى بناء دولة قوية، عادلة، وخادمة لمواطنيها لا لجيوب المتنفذين.