story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

زلزال وفيضانات.. وحكومة

ص ص

في مثل هذه الأيام من العام الماضي (8 شتنبر) هزّتنا فاجعة زلزال الحوز.. وفي هذه الأيام نشهد آثار الفيضانات التي ضربت الجنوب الشرقي. ومع كل كارثة، وحتى قبل أن ننسى التي سبقتها، نكتشف أننا بإزاء مغربين، لا مغرب واحد.

الفيضانات الأخيرة كشفت ضعفاً وهي تحصد أرواحا وتدمّر مساكن وطرقاً وكل ما صادف طريقها. تماما كما فضح زلزال الحوز الكثير من المُخبّأ والمستور عن تعاستنا الجماعية، وقد اكتشفنا أن تلك المناطق يسكنها البؤس والحرمان، ومواطنون من “زمن مغربي آخر”.

الفيضانات والزلزال عرّيا بعضا من هذا، وأوقفانا مرّة أخرى أمام المرآة لنرى بعض عيوبنا، وأن جزءاً من وطننا منسيٌ.

في المقابل، مغرب آخر بسرعة مغايرة.. مغرب الـTGV والتراموي والباصواي، والقناطر، والبنايات الضخمة، والمدينة المالية، والمولات، والملاعب، ومونديال 2030.

ولست أورد هنا فكرةً جديدة، لكن سيكون مفيدا التذكير بها باستمرار، لتضييق الفوارق وترسيخ مطلب أن المغاربة يجب أن يكونوا سواسية في وطنهم، وأن لا يُمارس ضد بعضهم، بشكل ممنهج، أي تمييز، يؤبّد المساحة الشاسعة بين المغربين. وإنَّ مشاهد وأحاديث نقلتها “جمعية نساء شابات من أجل الديمقراطية”، التي نظمت قافلة لدعم النساء الرحّل في إقليم تنغير تحت عنوان: “أصوات نسائية من خلف الجبل”، نهاية الشهر الماضي، تكشف مآسيَ وحجمَ معاناةٍ لا يمكن تصوّرها في المغرب المنْسي، إذ نقلن جزءا من فجائعية “حياة الماعز” المغربية وفقرٍ بلا قاع، وقد انقطعت أنفاس الناشطات صعودا إلى “آخر نقطة في البؤس”، حيث يوجد مغربٌ نشيح بأنظارنا عن أن نراه.

وعلى أساس هذا الشعور بالميْز أسأل مع السائلين بعد مرور سنة كاملة على تلك اللحظة التي اهتزت فيها أرض الحوز: “هل معقولٌ أن تكون حصيلة إعادة بناء المساكن المدمّرة الانتهاءُ من ألف منزلٍ فقط من أصل أكثر من 50 ألفاً؟”.

رقم هزيل وفاضح ومخجل أن يصدر عن حكومة ترمي الأرقام والمبالغَ في وجوهنا للإقناع أن “العام زين”، وقطعاً نُمعن، نحن أهل الصحافة، في الإساءة إلى أنفسنا بأن نتلقّف ونروّج مع الحكومة بلاغها بشأن برنامج إعادة البناء والتأهيل دون مساءلة ما يعنيه، مثلا، التصريح بأن “قرابة ألف أسرة أنهت بناء مساكنها”!!!

فضلا عن هزالة الرقم، البلاغ يستبطن إخلاءً للمسؤولية و”إدانة مُضْمرة” لباقي الأسر الـ54 ألفاً التي لم تبنِ مساكنها، وبما يرسّخ فكرة زائفة ومراوغة أن البناء مسؤولية المنكوبين، الذين لم يَبْقَ للبلاغ إلا أن يصفهم بالبطيئين.

وما يزيد الفكرة وضوحا هو تجاسُرُ الحكومة أكثر وهي تُحمِّل الأسر، فيما يُستقبل من أيام وشهور، ولربما سنوات، المسؤولية ضمناً، حين تورد في بلاغها أنها تحثّ على “ضرورة تسريع باقي الأسر المتضررة لأشغال إعادة بناء وتأهيل منازلها”!!!!

وإنْ واصلت الحكومة صرفَ المساعدات الاستعجالية لأكثر من 63 ألف أسرة، مع “تقدّم” (كم ستحتاج من سنة أخرى لتنتهي؟؟) أشغال إعادة تأهيل البنى التحتية من طرق ومستوصفات ودوائر سقوية وغيرها، فإن ذلك لا يمنع من تحميلها المسؤولية عن إعادة إسكان المنكوبين، لأنها المسؤول الأول، ولأنها الأقدر، لا أن ترمي الكرة بعيدا عنها وتتفرّج، وتمنح نفسها حقّ تنقيط المواطنين عبر الإشادة “بمن بنى” وحثّ “من لم يبنِ”، وباقي تلك اللغة التي لا تليق بمؤسسات مسؤولة واجبها أن تتدخّل لتسريع الوتيرة وحفظ كرامة مواطنيها، بكل المتاح.

الحقيقة التي تعنيني الآن أن 54 ألف مسكن كان يجب أن تكون مأهولة لم تُبنَ بعد عام من الزلزال، وأن 54 ألف أسرة عاشت كل فصول السنة الماضية في الخيام وفي ظل ظروف بئيسة، فيما الحكومة لا تشعر بأي حرج أو حاجة للاستدراك. وعند ترتيب المسؤوليات، فأنا غير معنيٍّ أن أحمّلها للمنكوبين حتى مع دعم إعادة البناء الذي يصلهم بالقطّارة، ويتعامل مع الفقراء هناك كشركات وفق دفتر تحمّلات، وصرفٍ على أساس مراحل إنجاز.

لربما يجب اعتماد استراتيجية أخرى، ولربما كان يجب إعلان مناقصةٍ لإعادة بناء ما تهدّم وفق معايير تسهر الدولة على مراقبة إنجازها، وتُلزم المنفّذين بآجال تعفينا من كل هذا العبث ورمي المسؤوليات بعيدا عمن يجب أن يتحمّلها، وبما يحقّق هدف إعادة البناء في ظرف زمني يحمي ضحايا الزلزال من العذابات التي يعيشونها، بدل أن تحوّلهم الحكومة إلى “مقاولين”.

حان الوقت، بعدما تأخرت الحكومة سنةً كاملة، لإعادة تقييم مسار إعادة الإعمار، خاصة ما يرتبط بالسكن لأهميته، وحتى لا نستسهل الكلام مرة أخرى ونحن نقرأ ونكتب، في نوع من تسويق الفشل كنجاح، أن “قرابة ألف أسرة أنهت بناء مساكنها”.

قصارى القول:

الناس تتوقّع من الحكومات أعمالاً وإنجازات وتدخلا في حالة وجود تعثّرات، وتنفيذَ مشاريع وقت الاضطرار والضيق، وبالطرق الأكثر كفاءة، لا أن تتحوّل، في الكوارث، إلى “شركة مناولة وتشغيل” تصرف مبالغ للمواطنين ليتكلفوا بإسكان أنفسهم فيما يعلم الجميع ظروف أهل المنطقة ومحدودية قدراتهم، وممكنات استغلالهم.