زكرياء كارتي يكتب: سنة الانفراج والتحدي

تميز العام الأخير بجملة من التحولات البارزة على عدد من المستويات. واصلت المملكة تعزيز موقعها إقليمياً ودولياً، خاصة في قضية الصحراء المغربية التي حصدت دعماً متزايداً، أبرزها الاعتراف الفرنسي بمبادرة الحكم الذاتي، في خطوة عملاقة قام بها الشريك السياسي الأهم للمغرب وللدول المعنية مباشرة بالنزاع، بما يشكّل إيذاناً ببداية نهاية هذا النزاع المفتعل ويفتح المجال أمام مواقف مماثلة من قوى دولية أخرى.
وقد تلت هذه الخطوة مواقف داعمة أو منسجمة مع الطرح المغربي، كالموقفين البريطاني والكيني، وهما دولتان كانتا، إلى عهد قريب، أقرب إلى الحياد السلبي أو حتى إلى التقاطع مع الطرح الجزائري.
كما تزامن عيد العرش للسنة الماضية مع حدث رمزي بالغ الدلالة تمثّل في العفو الملكي عن عدد من النشطاء والصحافيين، وهو ما اعتُبر إرهاصاً لفتح صفحة جديدة في ملف حرية التعبير، وإيذاناً بطيّ نهائي لقضية حراك الريف.
ورغم حساسية الملف وتعقيداته، فإن هناك شعوراً متزايداً بأن الإفراج عن معتقلي الحراك ليس سوى مسألة وقت، وقد يبدو الانتظار طويلاً وتتعدد الإشاعات والتكهنات بشأن عفو وشيك، لكن حدسي أن المسار يسير فعلاً نحو تسوية هادئة ومتدرجة لهذا الملف، والتي إن تحققت، ستجعل المغرب يخرج منتصراً حقوقياً، تماماً كما خرج منتصراً دبلوماسياً في قضية الصحراء.
شهد الوضع الاقتصادي في المغرب خلال سنة 2025 تحسناً واضحا في المؤشرات الماكرو اقتصادية، مدعوماً بارتفاع مداخيل السياحة والتحويلات وتراجع نسبي في العجز واستثمارات عملاقة في البنية التحتية مع توقعات بنمو يفوق 4.5%. إلا أن هذا التحسن لا يخفي استمرار هشاشة الطبقة المتوسطة واتساع التفاوتات الاجتماعية، في ظل ضغط متواصل على القدرة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار، خاصة الغذائية. لذلك، لم يعد التضخم – وخصوصاً الغذائي – مجرد ظرف طارئ، بل تحدياً وطنياً يستدعي إصلاحات عميقة في مسالك التوزيع، والهيئات البيمهنية، وسياسات التسعير، لضمان الإنصاف الاجتماعي والحفاظ على التماسك الوطني.
أتوقع استمرار وتيرة النمو الاقتصادي في المغرب خلال السنة المقبلة، مدفوعة أساساً بانتعاش الطلب الداخلي، وتسارع وتيرة الاستثمار في البنية التحتية، وعودة الثقة التدريجية إلى سوق البورصة. وتعزز هذه الدينامية إمكانية ترسيخ الاستقرار المالي وخلق فرص جديدة للنمو. غير أن هذا المسار، رغم إيجابيته، يظل محفوفاً بمخاطر إذا لم يتم إدماج الفئات والمجالات المهمشة ضمنه. فلا ينبغي للمركز أن ينسى “الهامش الصامت”، الذي قد يتحوّل في أي لحظة إلى بؤرة احتجاج اجتماعي!
*زكرياء كارتي: محلل اقتصادي ومالي