رمضان شاهد على ولادته وبطولاته ومماته.. أحمد الهيبة الذي حارب فرنسا حتى الموت

في مثل هذا اليوم قبل قرن و16 عاماً، فتحت مدينة مراكش أبوابها أمام مجاهد مغربي وجيشه قادماً من سوس، من أجل التصدي للفرنسيين الذين كانوا قد وقعوا حديثاً معاهدة الحماية التي تخول لهم إدارة المملكة.
وُلد في رمضان وتوفي فيه، وفي رمضان كَتب أولى أسطر المقاومة المغربية ضد سلطات الحماية الفرنسية. إنه البطل والمجاهد الشيخ أحمد الهيبة.
المولد والنشأة
أحمد الهيبة بن الشيخ ماء العينين، هو فقيه وشاعر ومتصوف وواحد من أبرز وجوه مقاومة الاستعمار بالمغرب، ولد يوم الأحد فاتح رمضان 1294 هـ، الموافق للتاسع من شتنبر 1877 م، في مدينة السمارة التي كان قد أسسها والده.
تربى على يد والده الشيخ ماء العينين، فأخذ علوم الشريعة الإسلامية وعلوم اللغة العربية، وصاحب كبار علماء محضرة والده من أمثال الشيخ سيديا بن الشيخ أحمد بن سليمان الديماني، واشتهر بعلمه الغزير وثقافته الواسعة واطلاعه وشعره الرائق.
وكان يصطحبه والده في أسفاره وفي وفاداته لدى الملوك العلويين بداخل البلاد.
والاسم الأصلي لأحمد الهيبة هو أحمد هبة الله، وفقاً لمؤرخين، وكان والده الشيخ ماء العينين يسميه “دليل الخيرات” ويكلفه بالمهام الكبرى مثل حمل الرسائل إلى السلاطين والأمراء واللقاء بهم، وهو ما أهله ليكون خليفة والده في المهام السياسية والروحية في منطقة سوس.
دخول مراكش
اتفقت العائلة حول أحمد الهيبة خليفة لأبيه في المشيخة الصوفية، وتنظيم أمور الجهاد والمقاومة، بعد وفاة الشيخ ماء العينين. فعمّ خبر ذلك بلاد المغرب الأقصى وشنقيط (موريتانيا حالياً)، لتتوافد عليه القبائل لمبايعته أميراً للجهاد، وكان أبرزها قبائل آيت با عمران، والأخصاص، وإفران، ومجاط، وجبال جزولة، وأقا.
بعد تنحية السلطان المولى عبد الحفيظ عقب توقيع المعاهدة التي نصت على دخول المغرب تحت الحماية الفرنسية، زحف الشيخ أحمد الهيبة ماء العينين، الذي أعلن نفسه سلطاناً، بجيش كبير من قبائل الصحراء وسوس نحو مراكش، التي دخلها يوم الخميس 5 رمضان 1330 هـ الموافق لـ 15 غشت 1912 م.
واستقبِل السلطانُ الأزرق -نسبة للباسه الصحراوي- بحفاوة عند دخوله مراكش. يقول المؤرخ الفقيه محمد بن أحمد المانوزي في وصفه هذا الحدث:
«أمر قادة جيشه بالمسير أمامه، فتقدموه في جيوش لا يحصيها غير خالقها، رافعين أعلامهم. ولما وصلوا إلى أبواب المدينة، انحشر أهلها إليهم رجالاً ونساء بالبارود والزغاريد وأنواع الزينة والحبور. وذهبوا به إلى دار المخزن، وفيها أبو بكر خليفة السلطان المولى عبد الحفيظ، فأهدى ما يناسبه، وأقره في داره ولم يتعرض له بسوء».
وكان عدد المقيمين الفرنسيين بمراكش في تلك الفترة 25 فرداً، غادر جلهم المدينة في اتجاه مدينة آسفي، باستثناء 6 فرنسيين اعتقل الهيبة خمسة منهم، احتفظ بهم كرهائن.
أولى معارك المقاومة
وفي أعقاب سيطرة أحمد الهيبة على مراكش، دارت أولى المعارك التاريخية بين جيش الاحتلال والمقاومة الشعبية بعد توقيع الحماية، وكان عددها ثلاث معارك كبيرة، الأولى في منطقة صخور الرحامنة القريبة من مراكش، والثانية بمنطقة بئر أوهام، قبل المواجهة الحاسمة في منطقة سيدي بوعثمان يوم 6 شتنبر 1912.
هُزمت قوات أحمد الهيبة، في هذه المعركة أمام الجيش الفرنسي الذين كان يقوده شارل مانجان، وتفرقت الجموع عائدين إلى مدينة تيزنيت مروراً من منطقة أسني وتيزي نتاست. وانسحب الهيبة من مراكش التي دخلها الفرنسيون.
ورغم الهزيمة التي منيت بها المقاومة، لم تكن معركة سيدي بوعثمان سوى بداية لمعركة طويلة دامت أكثر من عشرين سنة في منطقة الأطلس الصغير. بحيث استأنف الهيبة اتصالاته بقادة قبائل سوس بعد استقراره في مدينة تارودانت، التي لم يغادرها إلا حين اشتد القصف والحصار عليها واحتلت مدينة أكادير، المصدر الأول لتموين المدينة بحاجياتها. ثم تنقل بين عدة قرى في منطقة سوس محارباً المد الفرنسي، مع هدنة قصيرة خلال فترة الحرب العالمية الأولى.
وفاته
واستمر الشيخ أحمد الهيبة في مقاومته للفرنسيين دون استسلام، حتى وفاته رحمه الله تعالى يوم الثلاثاء 18 رمضان 1336هـ الموافق 26-27 يونيو 1918، ليواصل من بعده شقيقه الأصغر مربيه ربه النضال والجهاد ضد الاستعمار.
وتختلف الروايات حول سبب الوفاة، بين حديث عن موت طبيعي بسبب المرض، وبين فرضية السم الذي يحتمل أنه دس له من طرف خصومه. لكن الجميع مجمع على أنه ترك أثراً طيباً سواء بنضاله أو بفكره، الذي أنتج مؤلفات عدة، منها: “سراج الظلم في ما ينفع المعلم والمتعلم”، و”سرادقات الله الدافعة للبلايا”، ومصنف في الحديث، وأجوبة فقهية.