رفقا بالمقاولة يا سادة
ما حملني على كتابة هذه المقالة، هو شيء مما استقر في الوعي المهني لكل الفاعلين والمتدخلين داخل مجال الأشغال، من كون المقاولة لم تعد شريكا أساسيا من أجل إنجاح الورش، وإنما هي جهة مستهدفة تتحول عملية مراقبة جودة خدماتها، إلى رغبة في تتبع العثرات وتعجيز عمليات الفعل لصالح كل محاولات الابتزاز وتفريغ كفاءات المقاولة من حافز الإنجاز، العامل الأساسي لاستمرار العطاء بنَفَس متَّقد مفعم بالحماس والإتقان.
رفقا بالمقاولة يا سادة، فما عاد من الممكن الجمع بين رغبة الدولة في تشجيع الكفاءات وإلحاقها بالمؤسسات المهنية الكفيلة بالرفع من قوة الإنتاج، ثم بعد ذلك إذلال هذه الكفاءات عبر تأخير أداء مستحقاتها أو تحميلها كل مسؤوليات التقصير التي يعرفها المشروع من خلال التصميم والدراسة، وحملها على القبول بكل أشكال التعسف المستَحكم من قبل إدارة المشروع، وإلا فمسطرة قانون رد المظالم طويلة وشبح الإفلاس مهدد أساسي لاستمرار حياة المقاولة، وقتل المقاولة هو عطب في عجلة التنمية الاقتصادية للدولة.
هناك ثلاثة محددات ينبغي أن تحكم العلاقة المهنية بين صاحب المشروع، إدارة المشروع والمقاول (المفاعل):
- المحدد الأول: قلق النص
نصوص دفتر التحملات لا ينبغي أن تصير أوكارا تختبئ فيها التأويلات من أجل ضرب المقاولة وإخضاعها لكل عمليات الانتهاك الجسيم لمقدراتها، بشكل تعسفي واضح يرتكز على سياق وطني يعرف ضمورا اقتصاديا وتعذيبا رمزيا للمقاولة، يجعلها في ريبة حين ترغب في المشاركة في الصفقات، فتستدعي الفهم السائد من كون أهم عملية يتقنها معدوا النصوص التقنية والعامة هو النسخ واللصق، ثم تستمر هي الأخرى في عملية اللامبالاة، وإلا فشبح العطالة وعدم إبرام أي صفقة. ما يقود إلى لإفلاس الحتمي والفشل المخزي. هناك متنفس قضائي يسمى روح القانون في مقابل نص القانون كما أسس له مونتسكيو، يقول بأن القانون يتبع أعراف المجتمع وليس العكس، وصاحب المشروع، كما هيئة إدارته، ينبغي أن تكون لهم هذه الرؤية الاستباقية في توضيح كافة النصوص وعدم إخضاعها لأي محاولات تأويلية غالبا ما يكون ضحيتها المقاول، وإلا فروح القانون دائما لها وضعية اعتبارية أسبق من نص القانون. - المحدد الثاني: قلق الأداء
من بين أهم عوامل الإحسان في العمل، هو أداء المستحقات في وقتها، وأداء المستحقات يقابله تمرين مرهق من أجل جمع الأوراق وإمضائها والتطبيع مع الموقعين. في حين ينبغي أن يكون هاجس الأداء قيمة راسخة لدى صاحب المشروع قبل أن يكون لدى المقاولة، كي تهتم هذه الأخيرة بالعمل والجودة فيه وإنهاءه داخل الآجال المحددة وهي مطمئنة البال.
إن تأخير الأداءات أو تعقيد مساطر استحقاقها هو عامل أساسي لكل حالات الإمساك التي يعاني منها المشروع، فتمتلئ أمعاء الورش بكل الفضلات التقنية، ويعاني المقاول هو الآخر من أعراض الجفاف، ويصبح التشنج هو السمة السائدة التي تطبع العلاقات العمودية والأفقية داخل الورش، سواء بين المقول ومستخدميه، أو بين المقاول و باقي الشركاء، أو بين المقاول وصاحب المشروع. لهذا فقلق الأداء ينبغي أن يكون هاجسا يحكم صاحب المشروع ولجنة إدارته. - المحدد الثالث: قلق الشراكة
تعتبر المقاولة خلال مراحل الإنجاز، الشريك الاستراتيجي القادر على تنزيل مخططات المعماري وحسابات المهندس، وهي بذلك تكون العامل الأهم لترجمة الأوراق على أرض الواقع عبر ترسانة من التجهيزات وجيوش من العمال. ولا يمكن بأي حال اعتبار المقاولة ذلك “العطاش” أو “مول الشكارة” بدلالاته المجتمعية القابل لكل أنواع الإذلال في مقابل المال. فالعديدون يعتقدون أن الربح هو جزء كبير من رقم المعاملات، في حين أن هامش ربح المقاولة في ظل الحشو المستمر لدفتر التحملات بما ينفع وما لا ينفع، إضافة إلى التنافس الشرس وغير الشريف في العديد من الصفقات يجعل المقاولة بمثابة المستخدم مع ولي نعمته، كالغريب الذي يتوجب على الجميع مصارعته عوض أن يكون الشريك الذي ينبغي على الجميع دعمه وعونه وتوفير كل شروط العمل المرجو له كي تستمر عملية إنجاز الأشغال في ظروف جيدة و ملائمة.
رفقا بالمقاولة يا سادة..