رغم اتفاقية التجارة الحرة.. لماذا فرضت أمريكا رسم 10% على الصادرات المغربية؟

في خطوة وصفتها قناة (CNBC) الأمريكية بأنها “أسوأ من أسوأ سيناريو ممكن للأسواق”، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء 02 أبريل 2025 عن خطته بخصوص الرسوم الجمركية الجديدة المطبقة على صادرات الدول الأجنبية نحو الولايات المتحدة.
وبموجب القرار الجديد، فرض ترامب ضريبة أساسية بنسبة 10% على جميع الواردات من جميع الدول، ورسوم جمركية أعلى على عشرات الدول التي لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة، أو تلك التي اعتبرت الإدارة الأمريكية أنها تفرض “ضرائب غير مباشرة” على الصادرات الأمريكية.
رسوم ترامب امتدت لتشمل جميع بقاع العالم، ولم يعد أي مكان على وجه الأرض في مأمن من إجراءات الرئيس الأمريكي الجديدة، حيث ظهرت مناطق كجزر “هيرد” و”ماكدونالد”، التي تُعدّ إقليماً خارجياً تابعاً لأستراليا ضمن قائمة تحديد الرسوم المتبادلة على الدول الأجنبية، رغم أنها مناطق غير مأهولة بالمرة، ويعتقد أن آخر زيارة بشرية لها كانت قبل 10 سنوات.
نصيب المغرب من هذه الرسوم كان عند 10%، كأدنى نسبة، وذلك في إطار “التعامل بالمثل”، حيث تشير معطيات جدول “الرسوم المتبادلة” الذي أصدره البيت الأبيض إلى أن “الرسوم” المغربية المطبقة على الصادرات الأمريكية، والتي أخذت بعين الاعتبار الكلفة الإجمالية بعد “التلاعب بأسعار الصرف” وتجاوز “العراقيل التجارية”، تصل إلى 10%.
- ما سبب “هوس” ترامب بفرض الرسوم الجمركية؟
لطالما دافع دونالد ترامب بشكل كبير، منذ ثمانينيات القرن الماضي، عن فكرة أن الرسوم الجمركية، والتي يعتبرها “كلمته المفضلة في القاموس”، يمكن أن تُعزز بشكل كبيرة نمو الاقتصاد الأمريكي، وذلك بمنطق أن فرض رسوم على الواردات سيشجع المستهلكين الأمريكيين على شراء المنتجات المحلية، مما سيدفع بدوره المستثمرين إلى توطين مصانعهم بالولايات المتحدة.
هذا الطرح تردد بشكل كبير خلال حملة ترامب الانتخابية، حيث يربط هذا الأخير بين “ما وصل إليه الاقتصاد الأمريكي والأمة من سوء” بفقدان الولايات المتحدة للعديد من مصانعها لصالح دول على رأسها الصين.
واقع تصوره الأرقام بشكل أوضح، ففي عام 1980، كان قطاع التصنيع يمثل 21.2% من الناتج المحلي الإجمالي و20.1% من العمالة الأمريكية، قبل أن تنخفض هذه النسب بحلول عام 2023 إلى 10.1% و8.4% على التوالي.
وفي تفسيرها لهذا الانخفاض، تلقي الإدارة الأمريكية الجديدة بلومها على الصين وغيرها من الدول الصناعية، التي “سرقت وظائف الأمريكيين، وثرواتهم، على مدار السنوات”.
نائب الرئيس جي دي فانس قال إن “انتقال المصانع إلى خارج أمريكا وصل إلى درجة أن شركة صينية مملوكة للدولة بنت في عام واحد فقط عددًا من السفن التجارية يفوق ما أنتجته أمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.”
تحوٌّل الاقتصاد الأمريكي بعيدًا عن التصنيع ونحو الخدمات، لم يؤدِ فقط إلى “آثار اقتصادية مدمّرة”، بحسب ترامب، “بل ألقى أيضًا بظلاله على الظروف الاجتماعية للملايين من الأمريكين”، مما أدى إلى تغيرات كبيرة عرفها المجتمع الأمريكي.
ففي خطابه الافتتاحي قال ترامب إن “تراجع أمريكا عن عظمتها بدأ عندما أُغلقت المصانع وغادرت سواحلنا، وسُلبت ثروات طبقتنا الوسطى من بيوتهم، تاركة مصانع صدئة كأنها شواهد قبور منتشرة عبر أرجاء وطننا، بينما تتفشى الجريمة والعصابات والمخدرات وسط الأنقاض”.
ومن هذا المنطلق، يَعِد ترامب بأن هذه التعريفات الجديدة ستُعيد “إحياء” الصناعة الأمريكية وتجعل البلاد أكثر اعتمادًا على نفسها في إنتاج مختلف السلع. والحديث هنا ليس على عدد قليل من المنتجات المعقدة وذات القيمة العالية، بل تسعى خطوة ترامب هذه إلى “إعادة” نقل معظم أشكال التصنيع إلى الولايات المتحدة.
سبب آخر يبرر ترامب به قراره، ويتعلق الأمر بالعجز الكبير الذي يعانيه الميزان التجاري الأمريكي مع عدد من الدول، حيث تتوفر الولايات المتحدة على أكبر عجز تجاري في العالم بإجمالي بقيمة 1 تريليون دولار، وذاك بعد أن بلغت الواردات الأمريكية أزيد من 3 تريليونات دولار خلال سنة 2023، في مقابل صادرات بقيمة 2 تريليون دولار.
ويشتكي ترامب من أن هذا العجز يعكس ممارسات “غير عادلة” من شركاء الولايات المتحدة التجاريين، ويراه دليلاً على “ضعف” الاقتصاد الأمريكي، وذلك بما يتماشى مع منطقه في التجارة الذي يعتبر الخاسر “من يشتري سلعًا أكثر مما يبيع”.
- هل بالفعل تعد الرسوم أنسب طريقة لتحقيق أهداف ترامب؟
تظهر التجارب الدولية السابقة، أن الدول عادة ما تستعمل الرسوم الجمركية المرتفعة والسياسات الصناعية المتشددة لـ”تسلّق” سلسلة القيمة الدولية، وذلك بهدف الانتقال من إنتاج سلع بسيطة أو مواد خام إلى التركيز على تصنيع منتجات معقدة وأكثر قيمة.
غير أن رسوم ترامب، هذه المرة، لا تتعلق بسلع محدودة فقط، بل تشمل منتجات دول بأكملها، من قفازات الطبخ وحتى قطع الطائرات، وذلك بنسب مرتفعة.
ويتفق العديد من الخبراء الاقتصاديين على أن الجزء الأكبر من تبعات هذا الإجراء سيتحمّله المستهلك الأمريكي، مستندين في ذلك إلى تقييم لتأثير رسوم جمركية مشابهة فرضها ترامب سابقًا على الغسالات المستوردة سنة 2018.
وكان ترامب خلال ولايته الأولى قد فرض رسوما جمركية تتراوح بين 20% و50% على الغسالات المستوردة، وذلك استجابةً لشكوى من شركة “ويرلبول” الأمريكية، التي اتهمت المنافسين الأجانب بالسيطرة على سوق الغسالات في أمريكا.
وعلى الرغم من أن هذه الرسوم أدّت بالفعل إلى انتقال جزء من تصنيع الغسالات من الخارج إلى الولايات المتحدة في “وقت قياسي”، وخلق أكثر من 1,800 وظيفة، كما كان مخططًا، إلا أن دراسة مفصلة كشفت أن المستهلكين الأمريكيين تكبّدوا تكلفة إضافية قدرها 1.5 مليار دولار على أسعار الغسالات مقارنةً بالسنوات الماضية، بينما حصلت الخزينة الأمريكية على 80 مليون دولار فقط من هذه الرسوم.
الدراسة التي أنجزها البنك المركزي الأمريكي بشراكة مع جامعة “شيكاغو”، كشفت أيضا التكلفة المرتفعة لإحداث منصب شغل واحد، من أصل 1,800 وظيفة التي أحدثها القرار، حيث بلغ الرقم: 817 ألف دولار لكل وظيفة، في وقت يبلغ فيه متوسط برامج الحوافز الحكومية ما يناهز 50 ألف دولار لكل منصب.
وأظهرت الدراسة ذاتها أن القرار فتح الباب أمام جشع الشركات، حيث استغلت بعض الجهات الوضع لرفع أسعار المجففات أيضًا، رغم أنها لم تكن مشمولة بالرسوم الجمركية. كما استفادت شركة “ويرلبول” — صاحبة الشكوى التي دفعت نحو فرض هذه الرسوم — من تعزيز موقعها السوقي، وهو ما مكنها من زيادة هوامش أرباحها بشكل ملحوظ.
- كيف تم تحديد الرسوم الجمركية المطبقة على كل بلد؟
بعد إعلان ترامب عن نظامه الجمركي الجديد خرج البيت الأبيض بتوضيحات حول طريقة احتساب الرسوم التي سيتم تطبيقها على كل بلد بناء على العجز التجاري مع تلك الدولة.
العجز التجاري يُعرّف على أنه الفارق السلبي بين ما تستورده دولة من السلع من الخارج وما تُصدّره إلى الخارج، أي عندما تكون قيمة الواردات أكبر من قيمة الصادرات
تقوم الصيغة التي اعتمدها البيت الأبيض لفرض الرسوم الجمركية على مبدأ حسابي بسيط، ويتمثل في التالي: يُؤخذ العجز التجاري للولايات المتحدة في السلع مع دولة معينة، ثم يُقسّم على إجمالي واردات الولايات المتحدة من السلع من تلك الدولة، ناتج هذه العملية تعتبره الإدارة الأمريكية حجم الرسوم التي تفرضها دولة ما على الصادرات الأرمريكية.
هذه العملية أسالت الكثير من الحبر من طرف الخبراء الاقتصاديين الذين عبروا عن “صدمتهم” من هذه العملية الحسابية التي “لا تعكس بأي شكل بالفعل حجم الرسوم المطبقة على الولايات المتحدة”، كما “لا تأخذ بعين الاعتبار “العراقيل التجارية” أو “التلاعب بالعملة” كما روجت لذلك الإدارة الأمريكية.
ولحساب “الرسوم المتبادلة” التي سيفرضها البيت الأبيض على ذات البلد يقوم بتقسيم خارج العملية الأولى على اثنين.
على سبيل المثال، تمتلك الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا في السلع مع الصين يُقدَّر بـ295 مليار دولار، بينما يبلغ إجمالي وارداتها من السلع الصينية نحو 440 مليار دولار.
وبالتالي، فعند قسمة 295 على 440، نحصل على نسبة 67%، وهو ما اعتٌبر رسوما صينية مطبقة على الصادرات الأمريكية، وبقسمة هذا الرقم على اثنين، نحصل على 33.5%، يتم تقريبها لتصبح 34%. ولهذا السبب، تم فرض تعريفة جمركية على السلع الصينية بنسبة 34%.
وبنفس الطريقة، طُبّقت هذه الصيغة على الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى فرض تعريفة جمركية بنسبة 20% على وارداته إلى الولايات المتحدة.
في حالة الدول التي لا تمتلك الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا معها، ولا تُصنّف قوانينها على أنها تُقيّد الصادرات الأمريكية — كما هو الحال مع المغرب، الذي يمتلك على العكس عجزًا تجاريًا لصالح الولايات المتحدة — يتم فرض تعريفة جمركية دنيا بنسبة 10%. ولا تشمل هذه النسبة المنتجات التي فُرضت عليها رسوم خاصة بموجب قرارات منفصلة أصدرها الرئيس ترامب.
- كيف هو وضع المغرب في هذا النظام الجمركي الجديد ؟
على غرار الـ185 دولة وأرض المشمولة بالقرار، حصل المغرب على نصيبه من رسوم ترامب الجمركية، والتي حددها البيت الأبيض في 10%، وهي أدنى تعريفة في نظام ترامب الجمركي الجديد الذي يشمل جميع البضائع التي تصل إلى السوق الأمريكي.
على مستوى دول شمال إفريقيا، فقد كان المغرب، إلى جانب مصر، من الدول “الأكثر حظا” في النظام الجديد، بحصول كل منها على تعريفة لا تتجاوز 10%، فيما حصلت الجزائر على رسوم بنسبة 30%، وليبيا بنسبة 31%، وتونس بنسبة 28%.
وعلى الرغم من أن المغرب لا يفرض أي رسوم جمركية مباشرة على معظم الصادرات الأمريكية بسبب اتفاقية التجارة الحرة التي تربط البلدين والتي دخلت حيز التنفيذ منذ سنة 2006، إلا أن الإدارة الأمريكية اعتبرت أن عددا من العوامل، والتي لم تنشر تفاصيلها، ترفع كلفة الصادرات الأمريكية بنسبة 10%، كـ”العراقيل التجارية” و”التلاعب بأسعار الصرف”، وغيرها..
في هذا السياق، قال حمزة الأنفاسي الصحافي والكاتب في الشأن الأمريكي إن التعريفة التي حصل عليها المغرب لا تعد “استهدافاً له”، حيث حصلت المملكة على ذات النسبة الدنيا التي سيتم تطبيقها على جميع المنتوجات التي تدخل السوق الأمريكية، ما يعني أن الإدارة الأمريكية صنفت المغرب ضمن خانة الدول “الغير خاطئة تجاريا” مع الولايات المتحدة.
- ما مدى تأثير التعرفة الجديدة على مستقبل التجارة مع المغرب؟
تتفق العديد من القراءات على أن رسم الـ10% على الصادرات المغربية سيظل “محدود الأثر” على العلاقات التجارية بين المغرب والولايات المتحدة، خاصة أن هذه الأخيرة ليست من الأسواق الرئيسية للصادرات المغربية، بالإضافة إلى “العجز الكبير” في الميزان التجاري للمغرب مع الولايات المتحدة.
وبلغة الأرقام، تشير معطيات مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة إلى أن العجز التجاري بين البلدين سجل ارتفاعا خلال سنة 2024 ليصل إلى 3.4 مليار دولار لصالح الولايات المتحدة، بزيادة قدرها 57% مقارنة برقم سنة 2023 (ما يعادل 1.2 مليار دولار).
وهكذا فقد بلغ إجمالي قيمة تجارة السلع بين الولايات المتحدة والمغرب نحو 7.2 مليارات دولار خلال السنة الماضية، حيث بلغت صادرات المغرب منها نحو 1.9 مليار دولار في 2024، بزيادة نسبتها 12.3%، فيما بلغت وارداته 5.3 مليارات دولار، بارتفاع نسبته 37.3%.
ويرى الخبير الاقتصادي ياسين اعليا، أن أثر القرار على المغرب سيظل “محدودا”، مستبعِدا أن يبادر المغرب بالرد على هذه الإجراءات أو يتخذ قرارًا بفرض رسوم جمركية مضادة على الواردات الأمريكية، وذلك في ظل استمرار سريان اتفاقية التبادل الحر بين البلدين.
في المقابل، يرى اعليا أن تبعات هذا القرار قد تصل إلى الاقتصاد الوطني بشكل غير مباشر، خصوصا في ظل التوقعات التي تشير إلى إمكانية دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود اقتصادي، وذلك في انتظار ما ستسفر عنه ردود الفعل الدولية من تطورات.
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن المغرب قادر على الاستفادة بشكل كبير من التغييرات التي سيُحدثها القرار الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بإعادة رسم خريطة سلاسل التوريد العالمية.
فمع تصاعد الرسوم الجمركية على بعض الدول، يتوقع ساري أن تسعى شركات صينية وأخرى دولية إلى نقل مصانعها نحو دول تتمتع بتعريفات جمركية تفضيلية مع الولايات المتحدة، مثل المغرب ومصر، للاستفادة من هذه الميزة التنافسية.
وأضاف ساري أن الولايات المتحدة، بنفسها، تسعى لاستدراك الفرص التي تركتها مفتوحة أمام الصين للتوغل في القارة السمراء، خاصة في ظل الموقع الجغرافي للمغرب باعتباره نقطة ربط بين أوروبا وأفريقيا، بالإضافة إلى كونه بوابة نحو العمق الأفريقي، مضيفا أنه خلال الآونة الأخيرة لوحظ تحرك أمريكي واضح نحو تعزيز الاستثمارات في المغرب، وتوطيد العلاقات الاقتصادية معه.