story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

رسائل العفو الملكي

ص ص

أعادت تدوينة لوزير العدل السابق، المصطفى الرميد، موضوع العفو الملكي الذي استفاد منه بعض معتقلي الرأي بمناسبة عيد العرش الأخير، دون أن يمتدّ ليشمل بعد معتقلي الحراكات الاجتماعية، إلى واجهة النقاش العمومي.
الوزير السابق عاتب بعض الأطراف، دون تسميتها، على طريقة تفاعلها مع خطوة العفو التي شملت بعض الصحافيين والنشطاء والمدوّنين، محمّلا إياها ضمنيا مسؤولية عدم استكمال هذا المسار كما كان مأمولا. وشمل العتاب بشكل خاص بعض المستفيدين من العفو ممن لم “يشكروا” هذه الخطوة.
ولابد من التنبيه في معرض محاولة المساهمة في هذا النقاش، الذي يظل إيجابيا مقارنة بثقافة الصمت والتكتم، أن العفو الملكي في المغرب أكثر من مجرّد إجراء قانوني شكلي. بل هو أداة أساسية في تشكيل المشهد السياسي والتعبير عن موازين القوى والتحضير للتحوّلات والانتقالات التي عرفها المغرب في العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل.
ويمكن جرد الأبعاد التي ينطوي عليها العفو الملكي في الملفات الحقوقية والسياسية في النقط التالة:

  1. التوازن بين الدولة والمجتمع:
    لا يمكن أن يزعم أي كان بوجود هذا التوازن بين الدولة والمجتمع المغربيين، بل هناك ميل واضح نحو هيمنة الدولة وإمساكها بخناق المجتمع. لكن العفو الملكي يأتي لتخفيف هذا التوازن المختل ومنع خروجه عن السيطرة. ومن الواضح من خلال التجارب المتراكمة أن العفو الملكي عن المعتقلين السياسيين يعكس رغبة في تهدئة الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد. ويمكن أن نرصد هذا البعد في فترة ما بعد الاحتجاجات التي شهدتها منطقة الريف، حين تم اعتقال عدد كبير من الناشطين، فجاء العفو الملكي لاحقًا عن بعض هؤلاء المعتقلين، كإشارة لتهدئة الأوضاع في المنطقة، ومحاولة لامتصاص الغضب الشعبي واستعادة الشعور بوجود توازن بين الدولة والمجتمع.
  2. إعادة بناء الثقة:
    كثيرا ما يأتي العفو الملكي لمنع انهيار الثقة في الدولة ومؤسساتها، وإصدار عفو عن المعتقلين السياسيين يشير إلى أشياء كثيرة منها رغبة الملك في إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
    هذا العفو محاولة لتعزيز الحوار مع المعارضة أو الأصوات التي تنتقد سياسات الدولة، وإعطاء الانطباع باستمرار القدرة على استيعاب الجميع.
    وهنا أيضا يمكننا استحضار خطوة العفو عن بعض معتقلي حراك الريف، والتي كانت تهدف إلى إعادة بناء الثقة بين الدولة وسكان المنطقة، خاصة بعد أن أدت الاحتجاجات إلى زيادة التوترات وتعميق فجوة الثقة.
  3. رسالة حول الإصلاح:
    غالبا ما يأتي العفو ليعطي إشارة عن نية الملك في تبني مسار إصلاحي أكثر انفتاحًا. وبإطلاق سراح معتقلين سياسيين، قد يسعى الملك إلى إظهار استعداده لتقديم تنازلات في إطار عملية إصلاحية تشمل بعض جوانب الحكم.
    وهنا يمكن استحضار حالات العفو التي قام بها الملك الراحل الحسن الثاني في بداية التسعينيات، والعفو الذي أصدره الملك محمد السادس في 2011، والذي كان أيضًا خطوة لتفادي تصعيد التوترات السياسية في البلاد والحفاظ على الاستقرار، في وقت كانت دول الجوار تشهد اضطرابات كبيرة.
  4. ضبط التوازن بين الضغوط الداخلية والخارجية:
    كثيرا ما كان العفو الملكي، خاصة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، يرتبط بتدبير الضغوط الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، خاصة إذا كانت هناك انتقادات متزايدة من منظمات حقوق الإنسان أو حكومات أجنبية. ويسعى الملك من خلال قرار العفو للحفاظ على صورته كحاكم عادل ومتسامح أمام المجتمع الدولي، وهو بعد قد لا يكون قد اندثر بالكامل.
    وهنا يمكن استحضار العفو الملكي عن المعتقلين الإسلاميين خلال فترة ما بعد الأعمال الإرهابية لماي 2003، والذي جاء كمحاولة لإظهار التوازن بين الانخراط في مكافحة الإرهاب، كحاجة داخلية ومطلب خارجي في الوقت نفسه، والاستجابة للضغوط المتعلقة بحقوق الإنسان، خاصة من جانب المنظمات الدولية التي انتقدت الاعتقالات الجماعية.
  5. التهدئة واستعادة السيطرة:
    كثيرا ما يأتي العفو الملكي العفو عن المعتقلين السياسيين لتهدئة التوترات وتبديد الغضب الشعبي، لكنه يسمح أيضا للملك بالإمساك بزمام المبادرة في المشهد السياسي، ويؤكد على أن السلطة العليا والنهائية تبقى بيده، يؤكد استمرارية دور الملك كضامن للاستقرار والتوازن في البلاد.
    بُعد لوحظ بوضوح خلال فترة الربيع العربي، حين شهد المغرب احتجاجات واسعة قادتها حركة 20 فبراير للمطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية. جاء حينها العفو الملكي عن مجموعة من المعتقلين السياسيين كجزء من استجابة الملك لمطالب الحركة، وساهم في تهدئة الشارع وإطلاق مسار الإصلاحات الدستورية التي أدت إلى تعديل الدستور.
    الخلاصة؟
    العفو الملكي الصادر في حق مجموعة من معتقلي الرأي بمناسبة الذكرى 25 لعيد العرش لا يمكن أن يخرج عن هذا الإطار العام.
    وإذا كان البعض يضايقه البُعد الخاص بتأكيد سيطرة وسموّ المؤسسة الملكية على المشهد العام، فإن علينا ألا ننشغل كثيرا مع بُعد هو تحصيل حاصل في نهاية المطاف، وننشغل به عن البُعد الأهم الذي هو رسالة تنشيط دورة الإصلاح المتعثرة حاليا.
    العفو الملكي في الملفات الحقوقية والسياسية هو أكبر من مجرد عطف إنساني، واختزاله في هذا البعد يعني حرماننا من الفرص الكبيرة التي تتيحها هذه الأداة. فهو من جهة يستجيب لمطالب وانتظارات المجتمع، كما يسمح للدولة بتجاوز مآزقها بكثير من حفظ ماء الوجه.
    العفو عن المعتقلين السياسيين هو تصحيح لأخطاء، صحيح أنه يتم بطريقة ينبغي للجميع أن يراعي فيها “كبرياء” الدولة ووضعها المهيمن، لكن نقاشنا يجب أن ينصبّ على ضمانات عدم تكرار تلك الأخطاء، أكثر من ملاحقة المسؤولين عنها، وإن كان هذا حقا مكفولا للأفراد المتضررين، أو ملاحقة الضحايا لمطالبتهم بالتعبير عن الامتنان.