رئيس البودكاست
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية قبل أيام انتهاء سنة انتخابية حافلة بالأحداث والمستجدات، انتهت بفوز حاسم وساحق للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
هذا الفوز كان مفاجئا للكثيرين، خصوصا أن استطلاعات الرأي كانت تتنبأ بمنافسة شديدة ومتقاربة، فإذا بترامب يفوز في الولايات المتأرجحة السبعة بفوارق تفوق ما كانت تتوقعه استطلاعات الرأي المختلفة.
أطلق هذا الفوز العنان للكثير من النقاش حول أسباب نجاح ترامب وخسارة هاريس، خصوصا أن هذه الأخيرة كانت قد عبأت أكثر من مليار دولار للحملة دون أن تجني أية نتيجة إيجابية ليس على مصير الانتخابات الرئاسية فحسب، بل كذلك على مصير غرفتي الكونغرس التي انتصر فيها الجمهوريون.
فما هي الأسباب التي قادت إلى فوز ترامب؟ وما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه “الريمونتادا” التاريخية؟
أولى أسباب فشل حملة هاريس هي تركيزها على قضايا فئوية لا تلامس واقع جميع الأمريكيين. فقد ركزت هاريس في حملتها على قضية الإجهاض وحقوق المرأة وأنها ليست ترامب. قضايا الإجهاض لا تهم أغلبية الرجال ولا أغلبية النساء المحافظات اجتماعيا. كما أن كونها ليست ترامب، ليس سببا كافيا من أجل التصويت عليها، والدليل أن أكثر من نصف الأمريكيين لم يقتنعوا به. في الجانب الآخر، ركز ترامب في حملته على الحالة الاقتصادية وتحدي الهجرة غير النظامية. هذه القضايا تهم جميع الأمريكيين ووجدت صدى لديهم.
ثاني أسباب فشل حملة هاريس مرتبطة بالرئيس الحالي جوزيف بايدن. بايدن تفادى الانسحاب من السباق الانتخابي الرئاسي إلى أن بدا جليا للعالم بأسره عدم قدرته على مجاراة خصمه ترامب في المناظرة التلفزيونية التي جمعتهما. حيث إنه لم يبق لهاريس أكثر من ثلاثة أشهر من أجل إطلاق حملتها الانتخابية ومحاولة إقناع المواطنين بقدرتها على قيادة الولايات المتحدة. لو انسحب بايدن في وقت مبكر، كان ذلك سيسمح للحزب الديمقراطي بإجراء انتخابات تمهيدية تعطي قوة ودعما أكبر للمرشح الديمقراطي، وتسمح له(ا) بتقديم نفسه للشعب الأمريكي كي يتعرف على المرشح. هذا المعطى الأخير هو بالضبط ما أشار إليه العديد من الأمريكيين الذين عبروا عن أنهم لا يعرفون الشيء الكثير عن كامالا هاريس وسياساتها.
ثالث الأسباب التي رجحت كفة ترامب هو توظيفه الذكي لما يسمى “الإعلام المكتسب” earned media. ويطلق هذا المفهوم على الخرجات الدعائية للمرشح التي لا تكلف شيئا على المستوى المادي. وبصيغة أخرى كل الخرجات الإعلامية والحوارات الصحافية التي لا يدفع لأجلها المرشح الرئاسي مقابلا ماديا. حيث تجاوز الرئيس المنتخب ترامب المرشحة الديمقراطية هاريس كثيرا فيما يتعلق بالحوارات الصحافية.
كان ترامب لا يتردد في قبول أي حوار يعرض عليه، في حين كانت هاريس تختار الحوارات بعناية ولا تقبل كل الحوارات التي عرضت عليها، وذلك حسب الكثير من المراقبين بسبب عدم قدرتها على الحديث العفوي.
نقطة أخرى مهمة في هذا الإطار، وهي أنه إلى جانب قبول ترامب الحوارات التي تعرض عليه من طرف الإعلام التقليدي والمنصات الإعلامية المعروفة، فقد كان ترامب يقبل كذلك بإجراء حوارات مع منصات عديدة تهتم بالبودكاست، وهذا شيء فريد في هذه الدورة من الانتخابات.
رضوخا لرغبة ابنه الأصغر بارون، قبل دونالد ترامب بحضور مجموعة من حوارات البودكاست والبث المباشر. قام ترامب بحوار مع إيدين روس، وهو أحد أشهر نجوم الستريم أو البث المباشر. كما قام بحضور مجموعة من حوارات البودكاست، خصوصا إلى جانب الكوميدي ثيو ڤون (أكثر من 14 مليون مشاهدة)، وبودكاست آخر إلى جانب الكوميدي أندرو شولتز (أكثر من 8 ملايين مشاهدة).
لكن يبقى أهم بودكاست حضره ترامب ولم تحضره كامالا هو الذي جمعه بصاحب أكبر بودكاست في العالم، جو روغن، والذي وصل اليوم إلى أكثر من 49 مليون مشاهدة. روغن كان قد دعا هاريس وعرض عليها أن تقوم بنفس البودكاست وبنفس الصيغة، أي أن يمتد الحوار لثلاثة ساعات ويتم تصوريه في مدينة أوستن بولاية تكساس، لكنها رفضت.
عوض ذلك، اقترحت هاريس أن يسافر إليها روغن إلى واشنطن وألا تتجاوز مدة الحوار 45 دقيقة. وقد أشار الكثير من الناخبين إلى بودكاست جو روغن بالتحديد على أنه السبب الأساسي لتصويتهم لترامب عوض هاريس.
ما يمكن استخلاصه من هذه الأسباب هو أن على المرشح لأي منصب أن يركز حملته على قضايا تهم فئة واسعة من المواطنين، عوض التركيز على قضايا فئوية. ثانيا، يبدو واضحا أن البودكاست لعب دورا محوريا في صعود ترامب وفشل هاريس، ومعه تم البصم على مرحلة جديدة من مراحل الإعلام الانتخابي، والذي لا يكون فيه مركز القوة عند وسائل الإعلام التقليدية، بل لدى وسائل إعلام حديثة كالبث المباشر والبودكاست.