ديروا النية !
“إيلا مازالا النية غيكون خير إن شاء الله”، كانت هذه آخر كلمات الناخب الوطني وليد الرݣراݣي في الندوة الصحفية التي أعلن فيها عن اللائحة النهائية للاعبين الذين سيرافقونه إلى الكوت ديفوار لخوض نهائيات كأس إفريقيا للأمم.
الندوة التي حاول فيها الرݣراݣي بكل ما أوتي من قوته المعهودة في التواصل أن يجيب عن أسئلة الصحفيين ويوضح معايير اختياره للائحة، ويقنع المشككين في قناعاته التقنية، ويوضح أي لبس حول أحقية بعض الأسماء في حمل القميص الوطني، ويترك الباب مفتوحا خارج الحيز الزمني المخصص للندوة لتلقي المزيد من الإستفسارات والتساؤلات وحتى الإنتقادات المبطنة.
كانت الرسالة واضحة من ذلك.. الناخب الوطني يريد الذهاب إلى كأس إفريقيا بدون لغط أو انقسام أو ضغط على محيط النخبة الوطنية، و بأجواء داخلية صافية تسمح بالتركيز فقط على المباريات وكيفية تجاوز الأدوار واللعب على تكرار إنجاز قاري ضيعناه في فترات كثيرة بسبب”شي يشرّق و شي يغرّب” داخل إقامة المنتخب الوطني خلال نهائيات الكان.
وليد الرݣراݣي الذي كان لاعبا سابقا للفريق الوطني ولعب معه نهائيات الكان وخَبّر أجواء المباريات داخل القارة السمراء من خلال تجاربه التدريبية كمساعد لرشيد الطاوسي وبعد ذلك مع الفتح ومع الوداد، يدرك جيدا أن الذهاب بعيدا في المنافسات المجَمّعة داخل إفريقيا لا يشترط في المقام الأول التوفر على لاعبين مهرة ذوي الفنيات العالية أو الطرق التكتيكية المفتوحة ، و”الفلسفة” في التعامل مع أطوار المباريات ، بل ببساطة يجب التوفر على “كومندو” قتالي منسجم يترك جلده فوق أرضية الملعب ولديه روح مجموعة عالية ويتمتع بالقوة الذهنية اللازمة لتخطي معيقات المناخ وأرضية الملاعب و قرارات الحكام الأفارقة أحيانا.
في تاريخ كأس إفريقيا للأمم لدينا حالتن جديرتين أن نتخذهما قدوة وبكل تواضع إن أردنا أن نعود بثاني لقب بعد كل هذه السنين على فوزنا بدورة الحبشة 1976.. هناك المنتخب المصري الرائد إفريقياً الذي في خزانته “عروم” من هذه الكؤوس بلغ سبعة، لم يفز بها بالفنيات ولا بأسماء النجوم المتألقة في أوربا، بل بتشكيلات قوية ومنسجمة تلعب بالقتالية و”العضان” بالرجوع إلى الخلف واللعب على المرتدات (للأمانة مع بعض مساعدات التحكيم أحيانا)، حتى صارت هذه الطريقة هوية كروية لدى المنتخب والأندية المصرية تأتيهم بالألقاب في أحلك الظروف.
ثم هناك حالة المنتخب الزامبي في نهائيات دورة الغابون 2012، حيث قاد الفرنسي هيرڤي رونار مجموعة من اللاعبين المغمورين الذين استقدم معظمهم من أندية محلية صغيرة في زامبيا، وصنع بهم تشكيلة منسجمة ومقاتلة استطاعت أن تتفوق في كل أدوار البطولة على منتخبات إفريقية مشكلة من نجوم بارزة في الأندية الأوربية، إلى أن وصلت عن جدارة و استحقاق إلى إحراز لقبها القاري الوحيد حتى الآن.
تبعا لكل ما سبق، لم يعد من المُجدي في إفريقيا أن نناقش الأسماء التي يستدعيها الناخب الوطني، أو أن نفاضل بين إسم وآخر، طالما أننا لم نفز سابقا بالكان بأبرز نجومنا، و لأن القيمة الكروية الفردية للاعبين لا تصنع الفارق، بقدر ما تصنعه “النفس” وروح المجموعة واللياقة البدنية العالية مع القليل من “تحراميات” كرة القدم.
وليد الرݣراݣي يعرف كما المغاربة يعرفون، أن كأس إفريقيا للأمم ليست هي المونديال، وأن الظروف والأجواء في أبيدجان وسان بيدرو مختلفة تماما عن التي لعبوا فيها بالدوحة، و أن إنجاز قطر سيظل معلقا ما لم نؤكده بلقب داخل قارتنا الأم، وقد لمح في الآونة الأخيرة خلال خرجاته الإعلامية أن الهدف من المشاركة في الكان المقبل هو الوصول إلى نصف النهاية، وهي فقط وسيلة لإبعاد الضغط عن لاعبيه، لأن منطق الأشياء يقول أن هذا الجيل الذهبي إن لم يفز بلقب كأس إفريقيا ، ف “عمرنا غنفوزوا بيه” كما يقول التعبير الدارج.
الكرة الآن في ملعب الرݣراݣي وقد تحمل مسؤوليته في كل الاختيارات التقنية وفي كل التفاصيل المحيطة بالفريق الوطني، ويبدو أن المغاربة “دايرين النية” مرة أخرى وسيتركون له حيزا كبيرا من الثقة لكي يشتغل مع مجموعته في الإعداد للكان بهدوء .. فإن نجحت اختياراته بعد ذلك وعادوا بالكأس، سنستقبلهم استقبال الأبطال كما اليوم الذي عادوا فيه من المونديال ، وإن فشلوا – لا قدر الله – فليتحمل مسؤوليته أمام رأي عام لا يرحم.